شارع محمد محمود: ما بقي من الجدار والثورة

15 أكتوبر 2015
توثيق لقصص تلخصت في صورة (تصوير أحمد هيمن)
+ الخط -
"محمد محمود هو صاحب الساق المبتورة الذي كان يقف دائما في الصفوف الأمامية بعكازه وسنارة عليها علم مصر، وفتيات جميلات كن يستقبلن الشباب بعبوات رش "الميكوجيل" والخل، لتخفيف أثر الغاز المسيل للدموع، وغيرهن ممن كن يخفين وجوههن بوشاح فلسطين كي تشارك في إلقاء الحجارة، دون أن تسمع عبارة (ارجعي ورا يا آنسة). وهو الأطفال المشردون الذين وجدوا أنفسهم وسطنا... وعيون شباب أظلمت عن الحياة وفتحت على الحرية".
هذا ما تعنيه أحداث شارع محمد محمود، بالنسبة لأحد ثوار25 يناير، حسام الصياد، معلقاً على إقدام فريق إزالة، على تدمير سور الجامعة الأميركية، الشهير بـ"جدار محمد محمود"، بقلب ميدان التحرير، الذي يحوي عشرات الصور والرسومات "الجرافتي" التي تحكي ذكريات الثورة المصرية، بدعوى تطوير المبنى المتدهورة حالته منذ العام 2011.
ولأن تكاليف الهدم أقل كثيرا من تكاليف الترميم، فقط اتخذت الجامعة قرارها بالهدم. والحديث على لسان مديرة قسم العلاقات الإعلامية بالجامعة الأميركية بالقاهرة، رحاب سعد.
يضيف الصياد "محمد محمود هو الحالة الثورية المتجردة من أية مصالح ومن أي مكاسب... مواجهة مباشرة بين الثوار والسلطة بكل دناءتها... محمد محمود هي كربلاء القرن العشرين".

شباب الثورة
وتابع "هو مجموعات من الأولاد الصغار يتراوح أعمارهم ما بين 15 و 25 عاماً، يواجهون دولة بالكامل ويردّون الصفعة بعشرة أمثالها، هو شجاعة كل ولاد الثورة، ونذالة كل من باع شبابها.. هو الحالة الثورية المكتملة وأفضل الأيام المدهشة التي مرت علينا في كل أحداث الثورة".
تلك النظرة الحالمة التي تطير في فضاء الرومانسية الثورية، يقابلها على الجانب الآخر، نظرة استسلام، في عيون أحد أعضاء رابطة "أولتراس وايت نايتس"، المشجع لفريق الزمالك المصري، فيقول إن أحداث محمد محمود، شهدت أول مشاركة فعلية لروابط الأولتراس الرياضية في الثورة بشكل جماعي، وليس على مستوى مشاركتهم كأفراد، ولكن الآن بعد مرور أربعة أعوام "ماذا جنينا من محمد محمود؟ الاشتباكات قامت في الأساس لاستعادة حقوق الشهداء والمصابين الذين تم التعامل معهم بالقوة المفرطة، والآن وقد ضاعت كل حقوقهم وكل حقوق الثورة، لم يعد محمد محمود يعني لنا أكثر من مجرد رمز للثورة، وشارع كغيره من شوارع مصر المحروسة".

مصابو ميدان التحرير
ويضيف عضو الأولتراس -الذي فضل عدم ذكر اسمه- "محمد محمود بالنسبة لنا بدأ منذ يوم 29 يناير/كانون الثاني 2011عندما اكتشفنا أن صراعنا مع شرطة وزارة الداخلية والعسكر سيمتد طويلاً، وكانت المواجهة الكبرى في أحداث محمد محمود التي استمرت ستة أيام، وحماها الاعتصام في الميدان".
ولمحمد محمود حكاية أخرى، في جعبة المصور الصحافي المصري، أحمد هيمن، عن صورته الشهيرة التي تحولت لجرافيتي على الجدار. يقول: "في اعتصامٍ نظمته أسر شهداء ومصابي الثورة بميدان التحرير، لفت نظري شاب صغير مصاب في عينه، ويضع عليها ضمادة بيضاء، فطلبت منه تصويره وإزاحة الضمادة، فقال: هل ستتحمل المنظر؛ قلت: نعم".
التقط هيمن، صورته بتفاصيلها المؤلمة، ونشرها على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، فدارت وانتشرت واشتهرت؛ حتى شاهدها المعيد بكلية الفنون الجميلة بجامعة الأقصر، عمار أبو بكر، وطلب منه إعطاءه أصل الصورة بجودة عالية، ليرسمها على جدار محمد محمود.
وقد كان.. رسمها أبو بكر، وأظهر كل تفاصيل إصابة العين. رسم عينا محدقة تشبه عين السمكة، وعندما سأله هيمن، عن سر رسمها بهذا الشكل، قال له: "لأن السمك يموت وعينه مفتوحة ومحدقة بقوة".
ذلك الجرافيتي الشهير، الذي حرص هيمن على التقاط صورة معه بعد شهرته الواسعة تخليداً لذكراه؛ ليس مجرد جرافيتي ولا صورة شهيرة، بل هو قصة لمصاب ثورة، باسم محسن الورداني، الذي أصيب في محافظة السويس في أحداث سبقت اشتباكات محمد محمود. كان مشاركاً في اعتصام أسر شهداء ومصابي الثورة الذي فضّته حكومة عصام شرف آنذاك بالقوة، وأسفر هذا القرار عن اندلاع اشتباكات محمد محمود التي نتج عنها مئات القتلى وآلاف المصابين.

أحداث دامية
وكانت أحداث محمد محمود قد بدأت في صباح 19 نوفمبر/تشرين الثاني 2011، على خلفية قيام قوات الشرطة المصرية بفض اعتصام العشرات من مصابي الثورة في وسط ميدان التحرير بالقوة، للمطالبة بصرف تعويضاتهم من صندوق شهداء ومصابي الثورة، مما أدى إلى إصابة اثنين من المعتصمين واعتقال أربعة مواطنين.
باسم صاحب الصورة والجرافيتي الشهيرين، قُتل وعمره 21 عاماً في أحداث سياسية دامية في ديسمبر/كانون الأول من العام التالي، في مسقط رأسه بالسويس، ولم يشهد تلك الشهرة الواسعة التي صاحبت صورته ورسمتها الشهيرة على الجدار.
ويأبى أرشيف ثورة الخامس والعشرين من يناير/كانون الثاني 2011، أن يمحي "فصل" محمد محمود، الشارع الذي لُقب بـ"الحرية" و"عيون الكرامة" من فصول الثورة؛ وإن حرص النظام على محو معالمه البارزة؛ بهدم الجدار الذي وثّق أحداث الثورة، وكان رمزا لها ولشهدائها ومصابيها في مختلف شوارع وربوع مصر.
فهناك من يؤكد أن النظام يخشى الثورة بكل تفاصيلها، فيسعى جاهدا لإزالة ما بقي منها على الجدران، خاصة الجرافيتي؛ فكونه فن شارع؛ يجعله مستقلاً تماماً بلا تصريح ولا رقابة.
إلا أن الجدار الذي يحوي عشرات رسوم الجرافيتي بدءاً من الجرافيتي الشهير لأنصاف وجوه "الرئيس المخلوع، حسني مبارك، وقائد المجلس العسكري السابق، المشير حسين طنطاوي، والرئيس المعزول محمد مرسي، والمرشح الرئاسي الخاسر أحمد شفيق"، تحت شعار "إللي كلّف ما ماتش"، وصولا لصور شهداء ومصابين؛ لا يعني لثوار يناير ذكرى وفقط ولا حدثا سياسياً عابراً في أرشيف الثورة؛ ولكنه رمز للثورة ككل، وتوثيق لقصص تلخصت في صورة أو رسمة، فكانت تعني الكثير وإن غابت عنها التفاصيل.
المساهمون