ميدو زهير... لأجل بلادك كيفها الحزن

28 ابريل 2020
عملت وجوه فنية مع ميدو زهير (تويتر)
+ الخط -
عادةً ما تلجأ المرثيات إلى تضخيم إنجازات الراحلين، تحديداً لو كانوا من العاملين في الشأن الفني. هذه المرة ومن دون أي مبالغة، يمكن القول إن ميدو زهير الذي رحل أول من أمس، كان أهمّ شاعر غنائي في مصر في السنوات الـ10 الأخيرة. 

لكن رغم موهبته الكبيرة، لم ينل زهير التقدير المستحق، وهو عموماً موضوع لم يشغله في أي يوم من حياته. ببساطة، أحب الغناء والشعر، ولم يبحث عن أي تقدير خارج هذه العلاقة بينه وبين كلماته. حتى أن الجيل الذي واكب ظهور ميدو زهير قبل ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 في مصر، كان يتعامل معه على اعتباره شخصاً خفياً: لا أحد يعرف شكله، لا أحد يعرف اسمه الحقيقي، لكن الجميع يحفظ قصائده والأغاني التي كتبها. خصوصاً تلك الأعمال التي غنتها الفرق الموسيقية المستقلة قبل انتشارها وشهرتها الكبيرة التي تلت الثورة. إذ إن الانجذاب إلى هذه الفرق في تلك الفترة المبكرة كان سببه أولا وأخيراً الكلمات الغريبة عن السائد في موسيقى البوب التجارية.

كان ميدو هو صاحب التجربة الأهم والأكمل في تلك الفترة، فكان هو ومعه عدد قليل من الشعراء الآخرين سبب نجاح تلك الفرق، وبدء ظهور فرق أخرى كثيرة وشعراء يسيرون خلف أسلوبه، لكن من دون أن يصل أحد إلى نفس مستوى ميدو زهير.

كان الانتشار الحقيقي للشاعر الشاب خارج نطاق فرق الموسيقى البديلة وساقية الصاوي، في عامي 2009 و2010، من خلال تجربتين مع أحمد حلمي، الأولى كانت أغنية فيلم "1000 مبروك"، التي غناها فريق "بلاك تيما"، والثانية وهي الأهم والتي عرفت الجميع على ميدو زهير، أو بالأدق على شعر ميدو زهير، كانت قصيدة "أزرق" التي أداها أحمد حلمي في مسلسل "الجماعة" عام 2010، وهي القصيدة التي غنتها "بلاك تيما" أيضاً قبل أن تشتهر بصوت وأداء أحمد حلمي.

كان ميدو زهير هو العنصر الأهم في نجاح "بلاك تيما"، فكتب لهم عددا كبيرا من الأغاني التي كشفت مدى براعته وقدرته على اختزال مئات الكلمات والأفكار في أغنية محدودة الكلمات والوقت، مثل "مكعب سكر"، و"راوي" التي غناها محمد محيي بعد ذلك، و"عمارة الناس"، و"عديلة"، و"زحمة"، وغيرها من الأغاني التي عبرت عن جيل كامل، وعن مشاعره وتخبطه، فكان حتى محرضاً على الثورة من قبل الثورة.

إلى جانب "بلاك تيما"، كان ميدو زهير عنصراً أساسياً في تجربة مريم صالح. كشف معها عن جزء جديد من شخصيته وكتاباته. جزء أكثر سياسيةً وتحريضاً وسخريةً. فاستمعنا إلى "وطن العك" و"كشف أثري"، و"رباعيات شجر التوت"، و"طول الطريق" وأخيراً ألبوم "الإخفاء" الذي قدّمته صالح مع تامر أبو غزالة وموريس لوقا، وهو العمل الذي أكد مكانة ميدو زهير كواحد من أهم شعراء الأغنية في وقتنا.



رحيل ميدو لم يكن خسارة لمجتمع الموسيقى البديلة، محدودة الجماهير. رحيله خسارة للأغنية المصرية بشكل عام، والبوب بشكل خاص، إذ كان الوحيد القادر على إضافة تجديد لهذه الأغنية، وإخراجها من الركود والضعف الذي أصابها خلال السنوات الأخيرة. فقد كان قادراً على خلق مساحة شعرية مختلفة، يكمل من خلالها ما بدأه بعد جيل عبد الرحيم منصور وعبد الرحمن الأبنودي وسيد حجاب نهاية بعصام عبد الله، فكان يملك الموهبة والأفكار التي تجعله قادر على إضافة بصمة كبيرة في تاريخ كتابة الأغنية.

وكان الوحيد القادر على الوقوف أمام موجة المهرجانات والراب، وخلق شكل جديد لأغنية البوب التجارية بأسلوب وطريقة تتماشى مع الزمن والمكان.

ميدو له أيضا تجارب أخرى لافتة، مثل أغنية "عانيقيني" لفرقة وسط البلد. ورغم أنه لم يكن من الشعراء المتعاونين بكثافة مع "وسط البلد" إلا أنه نجح في تعاون واحد أن يجعل "عانقيني" واحدة من أهم وأنجح أغاني فرقة وسط البلد، بما فيها من أسلوب جديد وغريب وفي نفس الوقت سهل وبسيط، هي نفس الصفات التي تجدها في كل شعراء الأغنية العظماء بداية من فتحي قورة وحتى عصام عبد الله، وتجارب أخرى مع فرق غير مشهورة مثل "عشرة غربي" وأغنية "يا عمود النور"، أو أغنية "مسعد الأهطل".



المساهمون