حكواتي: استيقظتُ في الثامنة مساء

23 ابريل 2014
الحارة بلا ناسها
+ الخط -
استيقظت في الثامنة مساء!
فلا شمس ولا فلافل تفتتح يوم الطلاب والعمال. لأنني استيقظت في الثامنة مساء.
لا امرأة ثلاثينية تحمل غسيلها بدشداشة مقلّمة بالبرتقالي والبنّي، مشكولة بطرف الكلسون، وتناقش مع جارتها القضايا ذات الاهتمام المشترك في الكون.
ولا مذيع ركيكاً يردّد: "صباح الخير على كل الناس".
ولا رجل مقطّباً يتهيأ للذهاب إلى المدرسة، لأن ابنه الصايع ضُبِطَ يدخن مع ابن المدير.
لا متسولون يدعون للجميع بطول العمر، والتوفيق في النواحي الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. ولا مطلّقة تشتري الخضر بعد نجاحها في أخذ النفقة من المحكمة.
في الثامنة مساء، لا امرأة تنادي ابنها المراهق ليربط جرّة الغاز، فيما ينشغل هو بتفقد حبّ الشباب في وجهه.
في الثامنة مساء، لا أرملة تجفّف النعنع، وتفتح شباك الغرفة وتعدّل صورة المرحوم على الجدار.
لا طفلَ ينهض من نومه بتثاقل وقد بال وغرّق الفرشة. 
في الثامنة مساء لن أجد من يقول لي: "يا فتاح يا عليم"، أو: "خلّي نهارك يمضي على خير".
سأجد أنّ أغلب الأحداث السياسية جرت دون علمي. فالسياسيون أيضاً يبدأون تعاملهم مع الرأي العام في الصباح الباكر، وفي الحقيقة يبدأون توزيع الطبخة التي انطبخت في الليل.
في الثامنة مساء، ينام الأولاد، بعد الانتصار على الغول، وثمّة جارة متعلّمة تحكي حكاية الولد الذي يركب كتفي والده ويصيح: الملك عارٍ، الملك عارٍ، ما تسبّب بالطبع في إعدام المعيل الوحيد للأسرة.
في الثامنة مساء لا أحلّ الكلمات المتقاطعة، لأنّ الجريدة استُخدِمت في تلميع الشباك، وبقيت صفحة الوفيات كي تذكّر بالسيناريوهات الفاشلة للحياة.
في الثامنة مساء تبلّغني أمي بأن عبد المحسن ونبيل وزكريا سألوا عني، وقالت لهم إنني ممغوص واستفرغت مرتين، وشربت البابونج ونمت.. مع أنّ هذا لم يحصل قط.
في الثامنة مساء، أحس بثقل في رأسي وأنتظر أيّ شيء، لأقول لأيّ أحد: "خلّي ليلتك تمضي على خير".
 
دلالات
المساهمون