نتذكرهم حين يموتون

16 فبراير 2015
هل على الفنان أن يموت ليتصدّر العناوين الصحافية؟
+ الخط -
حين يموت أي نجم من نجوم الزمن الجميل، تمتلئ المواقع والصحف بصوره وحكاياته، وتتبارز الوسائل الإعلامية لسرد تاريخ حياته ونبش ماضيه، بكل ما فيه من أخبار وأسرار وإشاعات وزيجات وأعمال وأخطاء وإنجازات.

ولكن ماذا عن الفترة التي سبقت وفاته؟ لماذا لا نتذكره قبل مغادرته هذا العالم؟ فنادراً ما يكلف الإعلام نفسه عناء معايدته في عيد ميلاده أو استذكاره بتحقيق صحافي يُلخّص ما قدّمه قبل أن يغيب، أو حتى تكريمه بشكل يليق بمشواره الفني العريق. لقد طال التهميش عدداً كبيراً من ألمع نجوم الماضي، أولئك الذين كانوا ذات يوم الشغل الشاغل للصحافة.

إن موت فاتن حمامة ، وصباح، ومريم فخر الدين، ووردة، وزهرة العلا، وقبلهم كُثر من نجوم ونجمات الزمن الجميل الذين غادروا بعد أن أطبق الصمت عليهم في آخر أيامهم، يفتح باب التساؤل حول هذه الظاهرة التي تفضح تراجع القيمة الفنية للإنسان بحد ذاته، وللفن الجميل الذي لم يعد وفق المعطيات الحالية يجلب القراء.

فالإعلام اليوم ينشر أخبار العديد من "الفنانين المعاصرين"، الكلمة التي تجمع بين طياتها الغث والسمين، والجيد والرديء، وصاحب الموهبة ومن لا موهبة له. أخبار هؤلاء "الفنانين المعاصرين" وصورهم ، وبشكل خاص تلك التي تظهر فيها نجمات ملمّعات بالفوتوشوب وعمليات التجميل، صورٌ توضع على الأغلفة لزيادة التوزيع واستقطاب الإعلانات، مما يذكرنا بأعمال الصحافة الصفراء وما كانت تلجأ إليه في السنوات الماضية قبل انتشار هذا النوع من الصور على الإنترنت، إذ كان يتم وضع صور امرأة عارية على الغلاف لجذب القراء، بغضّ النظر عن محتوى الخبر أو مصداقيته أو قيمته الفنية.

يبدو أن هذا النهج القديم قد عاد إلى الساحة وجدّد نفسه بطريقة أخرى ليُصبح ثيمة سائدة، مع استثناءات قليلة تُحافظ على أخلاقيات المهنة. فحين عادت فيروز إلى الغناء، لم توضع صورها على أغلفة المجلات، ولم تضُجّ المنابر الإعلامية بخبر عودة واحدة من أعظم المطربات في التاريخ إلى الساحة الفنية، بقدر تطبيل تلك المنابر نفسها لتغريدة فارغة على تويتر أطلقها أحد المشاهير خلال تناوله وجبة غدائه أو خلال شجار شخصي مع "مشهور" آخر.

أما الأسئلة التي تتبادر إلى أذهاننا فهي عن الفن: أين الوفاء له؟ هل الجمهور وفيّ أم أن الخطأ يقع على الإعلام الذي يتناسى أهم الوجوه؟ أين الخلل؟ ولماذا تفتقر المواقع الإخبارية لأخبار النجوم الحقيقيين وتتذكرهم فقط يوم وفاتهم أو فور شيوع شائعات عن موتهم؟ تلك الشائعات التي لا يتأكد منها الإعلاميون قبل تداولها وتبنّيها، ويتجاهلون بذلك الألم الذي قد تسببه لصاحبها وهو يُراقب أخبار موته ونعيه والضوء الذي يُسلّط عليه كفنان بسبب وفاته. فهل على الفنان أن يموت لكي يعود إلى الساحة ويتصدّر العناوين الصحافية؟ وما نفع أن نتذكر من نحبهم بعد موتهم، نحن الذين تناسيناهم طويلاً حين كانوا أحياء يرزقون بيننا؟
المساهمون