"الدعايات الانتخابية" في العراق ..جمع المتنافسين بمكان واحد

10 ابريل 2014
بعض المرشحين يتركون تصميم دعاياتهم للمصمم واخرون يفرضونها
+ الخط -

يكاد من يسير في شوارع العراق لا يرى معلماً إعتاد رؤيته من قبل، وهو لا يزال من دون تعديل، جراء انتشار لوحات إعلانية لشخصيات لا حصر لها أعلنت عن الترشح للانتخابات البرلمانية المزمع إنطلاقها الشهر المقبل.

وبوجود 9040 مرشحاً بحسب ما أقرته مفوضية الانتخابات في العراق، فإن الدعايات الانتخابية كانت سبباً مباشراً في انتعاش اقتصاد طبقة واسعة من العراقيين يعملون في مجال الطباعة والتصميم والحدادة والنقل وعمال الأجور اليومية وكلهم يعتبرون مناسبة الانتخابات فرصة لكسب الرزق.

ورفعت الدعايات الانتخابية عدد ساعات العمل والأجور بالإضافة إلى فتح أبواب متعددة للعمل بالنسبة للعاطلين، بينما اصبحت اغلب المطابع تعمل على مدار الساعة مستعينة بكوادر إضافية من العمال.

وإحتلت الدعايات العملاقة التي تصل بعض أطوالها الى 25 مترا الأماكن الاستراتيجية في الشوارع، وهي غالبا لرئيس الوزراء الحالي نوري المالكي أو لقياديين بارزين في الأحزاب الدينية الحاكمة نتيجة للقوة المالية التي تتمتع بها هذه الكيانات النافذة في السلطة.

للمطابع النصيب الاكبر في الربح من سباق الإنتخابات في العراق وبعضها، اصبح يعتذر عن استلام دعايات المرشحين وطباعتها، كونها لا تملك الوقت الكافي لذلك كما هو حال دار بنين للطباعة التي أصبحت منذ انطلاق الحملة الدعائية تعمل على مدار الساعة. ويشير صاحب المطبعة حسين غازي، الى ورقة يضعها أمام مكتبه تحمل أسماء لمرشحين "علينا أن نفي بالتزامنا في طباعة الدعايات الإنتخابية لهذه القائمة من المرشحين، لذلك نحن الان نعتذر عن استلام أي عمل طباعي".

وجودة الطباعة لها أولوية لدى أغلب المرشحين، بينما لا تختلف الأسعار كثيرا بين مطبعة وأخرى، على حد تعبير غازي، الذي يقول ان الأحجام الأكثر طلباً هي "متر ونصف × ثلاثة أمتار، مع امكانية طباعة أحجام كبيرة تصل إلى 50 متراً".

من جانبه يرى المصمم وسام الخالدي العمل في الدعايات الانتخابية يدرّ مردوداً مالياً اضافياً للمصممين. ولايخفي الخالدي استياءه من إصرار بعض المرشحين على فرض تصاميم خاصة يعتقدون أنها لافتة للنظر، يقول الخالدي "بعض المرشحين يسمحون لنا بتغيير تصاميم دعاياتهم وفقا لما نراه مناسباً من ناحية اللون والشعارات والصور، لكن آخرين يطلبون أن ننفذ أفكارهم رافضين إجراء اي تعديل"

ولفت الخالدي انتباهنا إلى انتشار دعايات تحمل تصاميم رديئة في الشوارع: "مثل هذه التصاميم تلفت الانتباه لما تحمل من سوء في التصميم"، مبيناً أن بعض المرشحين أنفقوا أموالا طائلة في تصميم وطبع دعاياتهم خارج العراق، وبرغم ذلك كانت هذه التصاميم غير جيدة. وكان حريا بهم أن ينفقوا هذه الأموال داخل العراق وأن يساهموا في إنعاش عمل المصممين والمطابع العراقية".




اكثر من سياسي في سيارة واحدة
وتشهد منطقة البتاويين وسط بغداد  -سوق المطابع ومخازن مستلزمات الطباعة- حراكاً مستمراً وعملاً متواصلاً لنقل الدعايات الانتخابية. وهي التي تزود المحافظات العراقية بمختلف أنواع المطبوعات والمستلزمات الطباعية.

ولا تعني الانتخابات لغانم فيصل، صاحب سيارة لنقل البضائع، سوى جني ربح جيد من عمل متواصل لفترة محدودة. ويقول "إنها مناسبة لجني المال وتسديد ما عليّ من ديون". وبسبب عمله لسنوات طويلة في سوق المطابع بالبتاويين يملك فيصل علاقات جيدة مع أصحاب المطابع الذين يثقون به لنقل مطبوعاتهم. يقول مازحاً "نقلت في سيارتي القديمة هذه العديد من السياسيين". ويضطر أحياناً إلى نقل دعايات أكثر من كتلة من المطابع الى الحدادين. وقد نقل في إحدى المرات دعايات رئيس الوزراء المالكي ورئيس مجلس النواب النجيفي، معا، ويعلق ضاحكاً "تمكنت من جمع الرئيسين المتنافسين في مكان واحد".

الترويج لانتخابات غير مقنعة
ما يهم أصحاب الحرف الصناعية هو الرزق الذي توفره هذه الدعايات، بحسب منير قاسم، صاحب ورشة للحدادة وسط بغداد الذي يقول: "لن أنتخب أيا من المرشحين، بل لست مقتنعاً بالإنتخابات ولا يهمني من يفوز أو يخسر، وجل همّي أن الانتخابات موسم للرزق والعمل ولا يمكن أن أفوت هذا الرزق عليّ".

قاسم لا ينفك يعطي أوامره لصانعين يعملان لديه قبل انطلاق الحملة الانتخابية بأيام قليلة، بينما ينهمك ثلاثة عمال مهرة في تنفيذ أعمال لحام وقطع لأنابيب حديدية وكأنهم يسابقون الوقت. وفي نداء يبعث على زرع الهمّة في جسد العمال يرفع قاسم صوته معلناً ضيق الوقت وأن على العمال بذل قصارى جهدهم لينالوا أجوراً إضافية. ويقول لنا: "في عادي الأيام يعمل معي حداد واحد وأغلق الورشة الساعة الثالثة مساءً، ومنذ بدء حملة الانتخابات بدأنا نعمل منذ الثامنة صباحاً حتى العاشرة مساءً، كذلك استعنت بثلاثة عمال آخرين".

وينوه قاسم بأن أسعار الأنابيب الحديدية المستخدمة في الدعاية ارتفع سعرها في سوق الحديد بل وشهدت شحة كبيرة، ويضيف "سعر الأنبوب الواحد وطوله المتعارف عليه 6 أمتار يبلغ 4500 دينار عراقي، ارتفع بعد انطلاق الحملة الدعائية الى 5500 دينار عراقي وشهد شحة كبيرة في سوق الحديد".

ويستخدم هذا النوع من الحديد ليكون إطارا يدعم الملصق الدعائي يسهل حمله ونقله لتمتعه بخفة الوزن، لكن عاصفة ضربت مناطق العراق بعد يوم من انطلاق الحملة الدعائية ساهمت في إتلاف عدد كبير من الدعايات الانتخابية، ما فرض على الكتل السياسية إصلاح ما أفسدته العاصفة. يقول قاسم ان عددا كبيرا من اللوحات أعيدت اليه لإصلاحها، معتبرا ان ذلك "رزق ساقه الله الينا بفعل الرياح".

اللافتات مادة خام للناخبين
والطريف انه في جميع الحملات الانتخابية التي شهدها العراق بعد عام 2003 يترقب المواطنون انتهاء موعد التصويت، ليهجموا نحو الدعايات الانتخابية ويقوموا بقلعها وحملها إلى منازلهم للاستفادة مما تحتويه من حديد وغيره من مواد يستخدمونها في منازلهم أو محالهم. وأصبحت جملة "هاي الفائدة الوحيدة الي تجينا من وراهم) باللهجة العراقية، أشهر ما يردده العراقيون وهم يحملون الدعايات الانتخابية بعد قلعها من مكانها عقب انتهاء التصويت.

 

المساهمون