"قامات": حكايات توثق النضال الفلسطيني

17 ابريل 2018
يظهر الفيلم عجز الاحتلال الإسرائيلي (العربي الجديد)
+ الخط -
سبع وثلاثون كبسولة تنظيمية ابتلعها الأسير المحرر والمبعد إلى سورية، والقيادي في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، أحمد أبو السعود، دفعة واحدة، في إحدى جولات العمل التنظيمي أثناء وجوده في داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي. فعلى الرغم من أن الكبسولة تعبّأ بها رسالة ورقية يتناقلها الأسرى بين تنظيماتهم، فيتم ابتلاعها وإخراجها مع الفضلات، إلا أنها قد تترك آثاراً صحية سلبية على الأسير. ولكن أبو السعود أصرّ على أن يحفر اسمه في سجل كوادر وقيادات العمل التنظيمي السري للجبهة الشعبية آنذاك.

أبو السعود متحدّر من بلدة بيت فوريك شرق نابلس شمال الضفة الغربية، أبعد إلى الأراضي السورية في صفقة وفاء الأحرار التي أبرمتها حركة حماس عام 2011، مقابل الإفراج عن الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط، وحكم عليه بالسجن مدى الحياة بعد اعتقاله عام 1987، بتهمة قتل مستوطن إسرائيلي، وأعيد اعتقاله أكثر من مرة قبل اعتقاله ذاك، وكان العمل السري في حياته مهماً جداً، إذْ يتقن العمل في الإنشاءات بمواءمة العمل التنظيمي السري، وحتى بعد اعتقاله، فإن أبو السعود يدرك أهمية عدم تمكّن المحققين الإسرائيليين من انتزاع أية معلومات قد تضر التنظيم أو أي أسير.
قبل ساعات قليلة من الإفراج عنه وإبعاده إلى سورية، علّق أبو السعود إضرابه عن الطعام ومجموعة من رفاقه في الجبهة الشعبية، للضغط من أجل إخراج الأسرى المعزولين في الزنازين، وعلى رأسهم الأمين العام للجبهة الشعبية أحمد سعدات، فكان لهم ما أرادوا بعد أسبوعين من الإضراب. يتحدث أبو السعود خلال فيلم وثائقي عرضته مؤسسة "قامات" الفلسطينية في قصر رام الله الثقافي، مساء السبت الماضي، ضمن تجربتها الأولى في مهرجانها الأول من أجل توثيق النضال الفلسطيني.

كان للمجازر التي ارتكبتها قوات الاحتلال بحق الفلسطينيين في لبنان، والمعارك الطاحنة التي خاضتها الثورة الفلسطينية ضد الاحتلال، أثر بالغ في المسيرة النضالية للأسيرة المحررة المقيمة في لبنان، التي ولدت ونشأت في لبنان، كفاح عفيفي، فقادها كل ذلك إلى الانخراط في صفوف الثورة الفلسطينية، كما تروي تجربتها في فيلم وثائقي أعدّته عنها مؤسسة "قامات".
وتروي كفاح تجربة محاولتها ومجموعة من رفاقها في عام 1988 تنفيذ عملية فدائية على الحدود الفلسطينية اللبنانية، لكن تم اعتقالها خلال اشتباك مسلح، ويتحدّث الفيلم عن تجربة كفاح في السجن، بدءاً من التحقيق وظروفه الصعبة، وما تعرضت له من ممارسات قاسية لمحاولة الضغط عليها لانتزاع اعتراف منها.



"قامات" المؤسسة ذات التجربة الفريدة عرضت يوم السبت الماضي، في قصر رام الله الثقافي بمدينة رام الله، خمسة أفلام وثائقية، تتنوّع ما بين القصيرة والمتوسطة والطويلة، وتتحدث بمجملها عن شخصيات فلسطينية تعد قامات نضالية، ليس على المستوى النضالي بمفهومه بمقاومة الاحتلال فقط، بل كل من قدّم لبلده، ليسجل قامة فلسطينية.

الأفلام الخمسة المعروضة، الأول فيلم المفاجأة الذي جسد حكاية الأسير الضرير أبو الحسن علي حنون، من رام الله، الذي سجن بتهمة خط الشعارات والكتابات المناهضة للاحتلال على الجدران، والفيلم الثاني كفاح الذي يعرض قصة مناضلة فلسطينية التحقت بصفوف الثورة بسن مبكّرة في لبنان كفاح عفيفي، والتي حاولت تنفيذ عملية فدائية في عام 1988 وتم أسرها والمجموعة الفدائية التي كانت معها، والفيلم الثالث، وشاح للثورة الذي يروي قصة أم الاسرى الحاجة أم جبر التي كانت تزورُ جميع الأسرى وتطمئن عليهم، والفيلم الرابع، أكبر من ذرة يستعرض حياة عالم الذرة الفلسطيني الدكتور منير نايفة (70 عاما) وتجربته العلمية الملهمة، وهو عالم ذرة فلسطيني المتحدر من شويكة في مدينة طولكرم، والمقيم في الولايات المتحدة الأميركية، والفيلم الخامس "أنا العائد لها" الذي ينقل ومعاناة الأسير المحرر المنفي إلى سورية احمد ابو سعود.

ويقول رئيس مؤسسة "قامات" أنس الأسطة لـ"العربي الجديد"، إن "مؤسسة "قامات" هي مؤسسة غير ربحية تقوم في عملها غالباً على مجهود الشباب المتطوعين من تخصصات عدة، لتتمكن المؤسسة من تنفيذ تجربتها التي تختص بتوثيق تجارب نضالية فلسطينية".

بعد سنوات عدة من خروج والده (الأسير المحرر سمير الأسطة) من سجون الاحتلال، بعدما أمضى 17 عاماً داخل سجون الاحتلال بتهمة تنفيذ عملية دهس في عام 1990 بمدينة نابلس ضد جنود إسرائيليين، أصرّ أنس الذي حصل على فيديو يوثق عملية اعتقال والده الذي أصيب خلال اعتقاله، وكذلك فيديوهات عدة لتحرر والده من السجن، على أن يوثق تجربة والده، وبعدها انطلقت فكرة مؤسسة "قامات"، لتوثيق تجارب نضالية فلسطينية، العام الماضي.
يقول والد أنس لـ"العربي الجديد": "إن الفكرة رائعة جداً، وهو أمر عظيم وضروري أن نشجعه، وندعمه، كي لا تضيع عذابات الشعب الفلسطيني على مدار عشرات السنين، علاوة على أن هناك لحظات لا يمكن توثيقها إلا من الشخص نفسه أو من أقاربه والمقربين".

وعلى الرغم من أن أنس ولد بعد اعتقال والده بشهرين، فإن هذه التجربة بإنتاج فيلم وثائقي عن والده حفّزته لتقديم فكرة المؤسسة لتخليد نضال الفلسطينيين، وتمكن من جذب العديد من المتطوعين، سواء من الصحافيين أو غيرهم، كل في تخصصه، وتمكّن من إطلاق "قامات" التي تضم مجلس إدارة شبابياً، أكبرهم في بداية الثلاثينيات من عمره، ومجلساً استشارياً للاسترشاد بخبراته، وتمكّنت المؤسسة من التشبيك مع العديد من المؤسسات الأخرى لإنجاز أعمالها، وتكريس حالة من الانتماء والتضامن مع التجارب النضالية في المحافل العربية والإقليمية والعالمية كافة، وتعمل "قامات" على تأسيس متحف افتراضي "موقع إلكتروني" يجمع جميع المواد الأرشيفية ويتم تقديمها بأساليب مشوّقة ومؤثرة وممتعة.

دلالات
المساهمون