الدور المصري في المصالحة الفلسطينية: أين المصالح الإسرائيلية؟

12 أكتوبر 2017
إدارة قطاع غزة أساسي للإسرائيليين والمصريين (مجدي فتحي/Getty)
+ الخط -
أثار ربط الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، يوم الإثنين الماضي، بين الجهود التي ترعاها بلاده لتحقيق المصالحة بين حركتي فتح وحماس وإحلال تسوية للصراع بين إسرائيل والفلسطينيين، كثير من التساؤلات حول مسوّغات الحماسة المصرية لإنجاز المصالحة. فالسيسي الذي سارع للتأكيد على أن "تحقيق المصالحة سيمهّد الطريق أمام حل الصراع"، التزم وحكومته الصمت المطبق إزاء الشروط التي وضعتها تل أبيب للتعاطي مع نتائج جهود المصالحة، والمتمحورة في اعتراف أية حكومة فلسطينية ستتشكل بعد المصالحة بـ"يهودية إسرائيل"، إلى جانب الالتزام بشروط اللجنة الرباعية، المتمثلة في "نبذ المقاومة الفلسطينية" بوصفها "إرهاباً"، وتأكيد الالتزام بكل الاتفاقات التي توصلت إليها منظمة التحرير وإسرائيل. وقد ذهب بعض الوزراء الإسرائيليين، مثل وزير التعليم نفتالي بينيت، إلى حد اشتراط تسليم حماس الأسرى الإسرائيليين لديها من دون قيد أو شرط مقابل التعاطي مع نتائج المصالحة.

في غضون ذلك، غابت ردود الفعل المصرية على جملة الإجراءات التي أقدمت عليها إسرائيل والمواقف التي أعلنت عنها أخيراً، والتي يستحيل معها التوصل لتسوية تستجيب للحد الأدنى من المطالب الفلسطينية. فقد أمر رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ببناء آلاف الوحدات السكنية في القدس المحتلة والعديد من المستوطنات في أرجاء الضفة الغربية، لدرجة أن حكومته سمحت، وللمرة الأولى منذ عقدين، بالبناء في الجيوب الاستيطانية في قلب مدينة الخليل.

وقد تجاهل نظام السيسي إعلان نتنياهو بمناسبة مرور نصف قرن على احتلال الضفة الغربية، بأنه "لن يسمح بإزالة ولو مستوطنة واحدة في الضفة الغربية". وناقض "تفاؤل" السيسي بإحلال التسوية مع التشاؤم الذي عبّر عنه في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، الذي قال عنه الرئيس الإسرائيلي السابق، شمعون بيريز، إنه "الفلسطيني الذي لن يجود التاريخ بأكثر اعتدالاً منه".

من هنا، فإن من يغض الطرف عن المواقف الإسرائيلية تلك ويراهن في الوقت ذاته على تحقيق التسوية السياسية للصراع، يعطي الانطباع بأنه "مستعد للتعاطي مع صيغ التسوية الإقليمية التي تروج لها حكومة اليمين في تل أبيب، والتي وإن اختلفت في مركباتها، فإنها تلتقي في تجنيد الدول العربية في فرض حلول للصراع تضفي شرعية على بقاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية التي احتلت عام 1967.

وطُرحت تسوية إقليمية قائمة سواء بحسب "الكونفدرالية بين الضفة والأردن"، أو "إلحاق جزء من مساحة شمال سيناء بقطاع غزة لتدشين كيان فلسطيني". وهي صيغ تحدثت عنها علناً مستويات رسمية وإعلامية إسرائيلية، بعضها وثيق الصلة بنتنياهو. وقد كان وزير الأمن الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان واضحاً حين قال يوم الأحد، إن "الحل الإقليمي هو الصيغة الوحيدة التي توفر حلاً مقبولاً على إسرائيل".



ونظراً لاتساع مجالات الشراكة الاستراتيجية بين نظام السيسي وإسرائيل، وطغيان الدلائل على عمق التنسيق بين الجانبين، فمن غير المستبعد أن تكون القاهرة وتل أبيب قد تباحثتا حول خارطة المصالح التي يتوجب أن تفضي "المصالحة" إلى تحقيقها.

في المقابل، سعى السيسي إلى الربط بين إنجاز المصالحة الفلسطينية وتسوية الصراع التقرب من الإدارة الأميركية، لا سيما في ظل غضب الإدارة من انكشاف علاقته السرية بكوريا الشمالية واحتجاج كثير من الأوساط التشريعية والإعلامية الأميركية على نمط تعاطيه مع سجل حقوق الإنسان في بلاده.

في هذا السياق، اعتبر مدير "برنامج الشرق الأوسط" في مركز " كارنيغي للسلام الدولي" في واشنطن، مخائيل دون، أن "السيسي يربط مناشط علاقته مع إسرائيل بشكل يفضي إلى احتواء الغضب الأميركي عليه"، معتبراً أن "مبادرته أخيراً لإجراء لقاء علني مع نتنياهو، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة يندرج في إطار هذا التحرك". ونقلت صحيفة "جيروزاليم بوست" أخيراً عن دون قوله إن "السيسي يهدف إلى إقناع ترامب بالعدول عن تقليص المساعدات الأميركية لمصر من خلال تقديم المؤشرات على أن مصر شريك قوي لإسرائيل". كما أن هناك اعتقاداً بأن نظام السيسي يحاول أن تفضي المصالحة إلى مراعاة المصالح الأمنية لإسرائيل في القطاع. فقد كشف موقع "يسرائيل بالس" قبل أسبوع أن "الجانب المصري قد أعدّ اقتراحاً يقضي بتشكيل مجلس أمني موحد لإدارة ملف الأمن في القطاع، على أن يشارك ممثلون عن الاستخبارات العامة المصرية في المجلس بصفة مراقب".

وحسب الموقع، فإن الفكرة التي بلورها مدير الاستخبارات العامة المصرية، خالد فوزي، نصّت على أن "المجلس سيتصدى لمهمة تحديد الأهداف العامة للأجهزة الأمنية في قطاع غزة". وإذا أخذنا بعين الاعتبار مستوى التنسيق الأمني الواسع والعميق بين إسرائيل ونظام السيسي، فليس من المستبعد أن تأخذ القاهرة من خلال تأثيرها داخل المجلس، في حال تشكل في النهاية، على عاتقها الإسهام في بلورة بيئة أمنية مريحة لإسرائيل.