مواجهة مخلوف-الأسد... هل تهدد النظام السوري طائفياً؟

05 مايو 2020
توقع البعض انعكاسات للخلاف على مناطق النظام(لؤي بشارة/فرانس برس)
+ الخط -


بقدر ما كان مفاجئاً خروج الخلاف بين عائلتي مخلوف والأسد في سورية إلى العلن وتصاعده إلى هذا الحد، على الرغم من أن الخلافات بينهما كانت قد بدأت بالتسرب إلى وسائل الإعلام بصيغ وتفاصيل مختلفة، فلا يزال غير واضح السيناريوهات التي سينتهي إليها، خصوصاً مصير رامي مخلوف، ابن خال رئيس النظام السوري بشار الأسد. مخلوف القابض منذ سنوات على مفاصل الاقتصاد والتجارة في سورية لصالح آل الأسد، ظهر عبر مقطعين مصورين يشكو فيهما محاصرته والضغط عليه لتصفية شركاته، بحجة الاستحقاقات المالية المترتبة عليه للدولة، من قبل جهات أو أشخاص لم يسمّهم صراحة. ولكن بدا واضحاً في ظهوره الأول أنه يريد تحقيق أمرين، الأول هو التواصل مع رئيس النظام بشار الأسد لعرض تسوية لا يكون فيها مخلوف خاسراً بشكل كبير، أما الثاني، فهو التلميح إلى خلافه مع أسماء الأخرس زوجة بشار، والتحريض الطائفي عليها، بالإشارة إلى أنها ستكون مع قريبها البديل للعب الدور الذي كان يؤديه هو (على اعتبار أن أسماء الأخرس تتحدر من الطائفة السنية).

أما الظهور الثاني لمخلوف، في تسجيل مصور أمس الأول الأحد، فكان أقصر وأكثر وضوحاً، وربما تكون غايته تحقيق أمرين، الأول التعبئة من داخل الطائفة العلوية ضد من يحاول تصويرهم أنهم "البدلاء" والذين صوّب إليهم في الظهور الأول، والثاني إيصال رسالة لبشار الأسد من خلال التلميح إلى أنه جاهز للمواجهة بالبقاء في مكانه. كل ذلك يفتح أبواب الاحتمالات على مصراعيها للسيناريوهات المتوقعة لتطور هذا الخلاف، إلا أن أبرزها حصول مواجهة بصبغة عائلية داخل الطائفة الواحدة بين القطبين، وكل من يستطيع الالتفاف حولهما، ما قد يجعل تلك المواجهة، إن حدثت، بداية لمرحلة تفكك النظام. 

تلك المواجهة بدأ التنبيه منها داخل الطائفة العلوية نفسها. فهناك فئة من العلويين استفادت من النظام وتسلمت قيادة الجيش والأجهزة الأمنية خصوصاً، وتحكمت في مفاصل القرار من دون أن يمنع ذلك بقاء الغالبية العظمى من أبناء هذه الطائفة في خانة الأشد فقراً والأكثر عرضة للاضطهاد السياسي في حال لم توالِ النظام صراحة. وليس سراً أن من بين أبرز المعارضين تاريخياً لنظام "الأسدين" الأب والابن، شخصيات من الطائفة العلوية تعرضت ولا تزال تتعرض للقتل والسجن والتعذيب والنفي. وكان لافتاً التحذير الذي أطلقه لؤي حسين، المعارض الذي يقطن في دمشق، والذي نبه في منشور إلى أنه "إذا لم يتوقف الصراع بين رامي مخلوف وأجهزة السلطة، فإن تبعاته ستكون خطيرة على معيشة الناس... فعلينا ألا ننسى أن رامي يمسك بعدد لا بأس به من القطاعات الحيوية ليس فقط سيرياتل". وأضاف: "مخاطر هذا الصراع ستقع على رؤوس السوريين داخل البلاد، لا سيما الفقراء منهم. أما جمهور المعارضة خارج البلاد فلن يطاوله من آثارها شيء".

وفسّر البعض كلام حسين على أنه خوف على الطائفة وأبنائها من تبعات هذا الخلاف في وقت صوّب عليهما في منشوراته التي تناولت ما يجري أنهما ينظران "إلى الفقراء كما كان ينظر الإقطاعي إلى المرابعين، أي ينظر لهم على أنهم مرابعينه ولا ينظر لهم كبشر". ولفت إلى أن "الرجلين يتعاملان مع مؤسسات الدولة على أنها من مقومات مملكتهما وليست للشعب السوري. فلا يستطيعان التمييز بين الدولة وبين كيانهما".


ودخل على الخط فراس الأسد، وهو ابن رفعت الأسد عم بشار الأسد، إذ شبّه فراس ما يجري بخلاف رفعت وحافظ الأسد مع بعض الفروقات، بالقول: "ما يحدث اليوم مع محمد مخلوف وأبنائه هو ما حدث مع رفعت الأسد في الثمانينيات، مع الفارق الكبير طبعاً حتى أكون موضوعياً بين وزن رفعت الأسد ومكانته في الثمانينيات، وبين وزن الريشة أو البرغشة الذي يتمتع به اليوم رامي. ولكن التشابه مع ذلك كبير جداً بين الحكايتين، فرفعت الأسد كان أيضاً يسمى من قبل شريحة من العلويين بأبي الفقراء، ورفعت الأسد أيضاً كان يتصدق على الناس من مال الشعب، ورفعت الأسد أيضاً كان من أقرب المقربين إلى حافظ الأسد، ورفعت الأسد أيضاً عندما بلغ مرحلة الهزيمة نظّم مؤتمراً وخطب في المئات من الأشخاص وراح يتحدث عن حبه لدمشق ويبرر خروجه من سورية بحرصه على دمشق وخوفه عليها من حرب مدمرة، وها هو رامي مخلوف اليوم قد وصل إلى مرحلة الهزيمة وينظم المؤتمر تلو الآخر على شكل فيديوهات ليتحدث عن حبه للفقراء وحرصه عليهم وهو، وأبوه من قبله، أكثر من ساهم في سرقة الشعب السوري والفقراء". ونبّه فراس الأسد إلى براغماتية النظام، والكف عن محاولة اللعب على وتر تعبئة الطائفة، بنصيحته القبول بمصير رفعت وعدم اللجوء إلى التلميحات الطائفية.

وفي ظل هذا الخلاف المتصاعد، تُطرح تساؤلات عن دور ماهر الأسد، شقيق بشار وقائد الفرقة الرابعة، في كل هذه التطورات، لا سيما أن ماهر كان صلة الوصل بين الرجلين طيلة المرحلة السابقة، وهو الشريك الأقوى بعد شقيقه بشار في الكتلة الاقتصادية والمالية التي يديرها مخلوف.
والمعروف عن ماهر طائفيته ودمويته، وهذا ما سيجعل التنبؤ بتحرك هذا الشخص ضمن هذه التطورات أمراً صعباً، فقد يلجأ للوساطة بين شقيقه وشريكه لحل المشكلة، لكن ذلك قد يكون مستبعداً، كون المعطيات تشير إلى أن تغذية المشكلة تتم من خارج الدائرة الضيقة للنظام وليس داخلها، وقد يلجأ إلى مواجهة مخلوف إلى جانب شقيقه معتمداً إلى قوته العسكرية داخل النظام، كونه قائد الفرقة الأهم داخل الجيش.

وأياً تكن التطورات التي تشهدها الأيام المقبلة، يبدو واضحاً أن وضع النظام بعد هذا الخلاف لن يكون كما قبله، خصوصاً إذا اختار مخلوف المواجهة فعلاً في ظل مؤشرات تستبعد التوصل إلى تسوية قريبة.