الاتفاقية بين تركيا وحكومة الوفاق الليبية: حسابات الربح والخسارة

04 ديسمبر 2019
أردوغان: الاتفاق حق سيادي لتركيا وليبيا (الأناضول)
+ الخط -

فاجأت تركيا، الأربعاء الماضي، الدول في شرق المتوسط، بالإعلان عن اتفاقها مع حكومة الوفاق الليبية على تقاسم السيادة البحرية المشتركة بين البلدين، الأمر الذي صعد من ردود أفعال كل من مصر واليونان، ومن خلفهما دول الاتحاد الأوروبي، بسبب تأثير هذا الأمر على مستقبل اتفاقيات البلدين مع قبرص وإسرائيل، في استخراج غاز المنطقة ونقله وبيعه في أوروبا، في مشروع يناوئ المصالح التركية سياسياً واقتصادياً، في ظل عدم حلحلة مشكلة جزيرة قبرص، التي تدافع أنقرة عن الجزء التركي منها.

الاتفاقية التي وقعت بين أنقرة وطرابلس، جاءت خلال زيارة رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني الليبية فائز السراج إلى إسطنبول، واستقباله من قبل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، قابلها بيان مصري يوناني أشار إلى اتفاق الجانبين على عدم شرعية توقيع السراج مذكرات مع دول أخرى خارج إطار الصلاحيات المقررة في اتفاق الصخيرات، وما وصفاه بالتدخل التركي السلبي في الشأن الليبي، بما يتعارض مع مجمل جهود التسوية السياسية في ليبيا، وفق بيان الخارجية المصرية. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية التركية حامي أقصوي، الأحد الماضي، إن تركيا وليبيا لن تسمحا بفرض سياسة الأمر الواقع، بعد الاتفاقية المشتركة بين البلدين، والمتعلقة بتحديد مناطق النفوذ البحرية.

وقال وزير الخارجية اليوناني نيكوس دندياس، قبل اجتماعه مع نظيره المصري سامح شكري، إن الاتفاقية تقع بين دول الجوار، وليبيا وتركيا ليستا جارتين. واستدعت اليونان السفير الليبي لديها، وأبلغته طلب أثينا العاجل معرفة تفاصيل الاتفاقية التركية الليبية، في وقت قال فيه رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتشوكاتيس إنه سيطرح موضوع الاتفاقية التركية الليبية على اجتماعات حلف شمال الأطلسي، التي بدأت في لندن أمس الثلاثاء، إذ "لا يمكن أن يستخدم عضو في الأطلسي الاتفاقيات ضد عضو آخر".

ويبدو أن تداعيات الاتفاقية ستتصاعد أكثر خلال الأيام المقبلة، مع سعي رئيس مجلس النواب المنعقد في طبرق شرق ليبيا عقيلة صالح للطلب من الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس سحب الاعتراف بحكومة الوفاق، فيما أكد رئيس المجلس الأعلى للدولة في ليبيا خالد المشري حق حكومة الوفاق في الاستثمار في الجرف القاري بينها وبين تركيا، واصفاً الاتفاق بين السراج وأردوغان بأنه "يكفل حقا أصيلا كان ضائعاً للحكومة والدولة الليبية". وحول اعتراضات مصر واليونان، قال المشري، أمس الثلاثاء، "نحن لا نسعى لمعاداة أي دولة، ومن يعترض لديه حق في أن يذهب إلى القضاء الدولي والمحاكم الدولية"، مضيفاً "نحن مستمرون في استغلال أي طاقة متاحة لنا". وفيما تنتظر تركيا موافقة البرلمان عليها في الأيام المقبلة من أجل بدء سريانها وإبلاغ الأمم المتحدة، فقد أكد أردوغان، أمس الثلاثاء، أن الاتفاقية المبرمة بين بلاده وليبيا حول تحديد النفوذ البحري في المتوسط "حق سيادي" لكلا البلدين. وقال، في مؤتمر صحافي في أنقرة قبيل توجهه إلى لندن لحضور قمة زعماء "الأطلسي"، إن "مجريات الأحداث شرقي المتوسط، والاتفاق مع ليبيا، ربما يشكلان إزعاجاً حقيقياً لفرنسا. لكننا نؤكد أن الاتفاق المبرم حق سيادي لتركيا وليبيا، ولن نناقش هذا الحق مع أحد".



وتتعلق مذكرتا التفاهم بين البلدين بالتعاون الأمني والعسكري، وتحديد مناطق النفوذ البحرية، بهدف حماية حقوق البلدين النابعة من القانون الدولي. الاتفاق وإن بدا وكأنه يصب في صالح تركيا وليبيا فقط، فإن الاستفادة من الاتفاقيات التي يمكن عقدها بين دول الجوار في البحر المتوسط، من الممكن أن تزيد من حصة سيطرة الدول، خصوصاً أنها توافق القوانين الدولية، وفق اتفاقيات الأمم المتحدة التي تنص على أن الدول التي تتشارك في البحار بحدودها المرسومة، يمكن أن تتفق وتتشارك في المصادر والثروات والطاقة من الماء والرياح في السواحل المغلقة أو المشتركة. وتفرض الاتفاقية واقعاً جديداً في شرق المتوسط، وتغيير حسابات كل الأطراف في المنطقة، من أجل عقد اتفاقيات مناسبة لتقاسم النفوذ.

وبتعابير لعبة الشطرنج في شرق المتوسط فإن تركيا قالت لكل من مصر واليونان "كش ملك"، وفق وصف بعض الصحف اليونانية، التي تناولت الاتفاقية بعد صدورها، فأنقرة التي عقدت اتفاقها مع حكومة شرعية معترف بها أممياً ومن المجتمع الدولي، اكتسبت مساحة مائية كبيرة جداً، في حين كانت اليونان، ودول الاتحاد الأوروبي، ترغب بحصر حصة تركيا في حوض شرق المتوسط بمساحة تبلغ 41 كيلومتراً مربعاً فقط، فارتفع الرقم بعد هذه الاتفاقية إلى 189 ألف كيلومتر مربع. كما أنها تمنح أنقرة حرية الصيد، ما يمنع أي اعتداءات قد تحصل على سفن الصيد التركية، كما حصل على سواحل الجزائر في العام 2009.

كما زادت ليبيا من ناحيتها من مساحة نفوذها أكثر من 16 ألف كيلومتر مربع. كما ستجبر الاتفاقية ليبيا واليونان أيضاً على توقيع اتفاقية مشابهة، ما يحقق لها مكاسب إضافية أكثر في حال اعتماد الخط البري حدوداً، وليس خط الجزر الذي يكسب اليونان كثيراً. كما أن القاهرة، من جانبها، ستربح في حال تم الاتفاق مع أثينا على تقاسم مناطق السيطرة والنفوذ، ونقل الحدود البحرية مع اليونان من خط جزر كريت وكاشوت ورودوس باتجاه الشمال، إلى الخط البري الذي يعتبر أساس رسم الاتفاقيات، حيث إن اعتماد اليونان على خط الجزر يفقد مصر كثيراً من المساحة، ولو أن القاهرة عقدت اتفاقية مشابهة مع أنقرة، لزادت مساحتها أكثر من 11 ألف كيلومتر متربع.

وذكرت صحيفة "خبر تورك" التركية أن المنطقة في حوض شرق المتوسط تحوي احتياطيات غاز كبيرة جداً، تعتبر بالنسبة لتركيا استراتيجية وهامة جداً تكفي حاجاتها الغازية لمئات السنين، فضلاً عن القيمة المالية للثروات الموجودة داخل هذا الحوض. واعتبرت أن الاتفاقية أدخلت تركيا أكثر في عمق البحر المتوسط، وجعلت الدول تتساءل لماذا لا توقع اتفاقيات مماثلة؟ كما أنها جعلت من تركيا لاعباً أساسياً في شرق المتوسط، عكس المساعي الغربية لعزلها.

وتعتبر اليونان من أبرز الخاسرين، وهي رأس الحربة الأوروبية في مواجهة تركيا من جهة، والحليف لمصر في تطبيق المصالح الأوروبية. ولأن اليونان لا تعتمد في اتفاقياتها على الخط البري، فإنها تكسب مساحة مائية كبيرة على حساب بقية الدول، ولهذا فإن الاتحاد الأوروبي يدعم موقفها بقوة، وعلى رأسه فرنسا التي لديها مصالح في المنطقة. وعلى الرغم من أن الاتفاقية تبدو في صالح مصر في حال تم تطبيق نفس الشروط مع اليونان وتركيا، فإن معارضتها السياسية لأنقرة وارتباطها باتفاقيات مع أثينا والضغط الأوروبي تجعلها، مع اليونان، من أكثر الدول اعتراضاً على الاتفاقية، التي شكلت في النهاية ورقة ضغط تركية جديدة في مفاوضاتها مع أوروبا، التي فشلت في تليين موقف أنقرة على الرغم من العقوبات التي فرضتها عليها. كما أن تركيا باتت لاعباً أقوى في الملف الليبي، وبدا واضحاً دعمها لحكومة الوفاق خصوصاً بعد إطلاق اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر معركة طرابلس.