العراق: قانون "الكسب غير المشروع" يزاحم ملف إكمال الحكومة

02 فبراير 2019
مطالبات شعبية بالإصلاح ومكافحة الفساد (محمد صواف/ فرانس برس)
+ الخط -
تتحرّك جهات سياسية عراقية لتمرير قانون "الكسب غير المشروع" في البرلمان، والذي قد يطغى على عمل مجلس النواب في دورته التشريعية الثانية، ليزاحم ملف إكمال تشكيل حكومة عادل عبد المهدي، خصوصاً لما له من خطورة وصلة وثيقة بزعماء الفساد في البلاد، إذ يعدّ مصدر تهديد لكثير من المسؤولين، فهو لا يستثني المسؤولين السابقين المتورطين في ملفات فساد. وعلى الرغم من أن تعقيدات كبيرة تقف أمام تمرير القانون، غير أنه في كل الأحوال يُتوقع أن يشغل البرلمان لجلسات قد لا تنتهي.
وتدعم جهات سياسية، من أبرزها تحالف "سائرون"، وأطراف من المحور السنّي، وأخرى من المحور الكردي، تمرير هذا القانون، الذي يفتح ملفات الفساد في البلاد، ويتابع ذمم المسؤولين وأقاربهم.

وقال مسؤول سياسي عراقي، طلب عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، إنّ "القانون على أهميته لا يخلو من جانب سياسي"، موضحاً أنّ "الكتل الداعمة له، وتحديداً تحالف الصدر (سائرون)، تبذل ما في وسعها لتمريره خلال الفصل التشريعي الثاني، للانتقام من الخصوم المتورطين في ملفات الفساد، بعدما جمع تحالف الصدر أدلة ووثائق تدينهم، وعلى رأسهم زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي". وأضاف أن "تحالف الصدر يصر على عرض القانون في الجلسات الأولى للفصل التشريعي الثاني، ما يعني أنّ هذا الفصل سيكون عبارة عن صراع بين الكتل بشأن القانون، وسيشغل البرلمان على مدى جلسات طويلة، كما سيؤثّر على إمكانية الخروج من أزمة تشكيل الحكومة".
وأكد المسؤول العراقي أنّ "الجهات المتضررة من القانون، تحاول اليوم استغلال محاولات التقريب بشأن تشكيل الحكومة، وبدأت طرح مساومات لمنع القانون مقابل تنازلات عن مرشحين لها لحقائب وزارية"، لافتاً إلى أنّ "تلك المساومات تؤشر إلى خطورة القانون، كما إلى أنّ القانون سيكون بكفة موازية لكفة إكمال تشكيل الحكومة وسيؤثر أحدهما على الآخر، ما يعني صعوبة تمريره".

ويتضمّن مشروع قانون "الكسب غير المشروع" متابعة أموال موظفي الدولة من مدير عام وما فوق، وأنّ أي أموال يمتلكها لا تتناسب مع راتبه الرسمي تُعدّ مثار شبهة. وينص القانون على فتح تحقيق بكل أموال المسؤول التي اكتسبها بعد شغله المنصب، وتخضع للتحقيق القانوني، ويلزم المسؤول بتقديم كشف لذمته المالية، بين فترة وأخرى، على أن يحاسب في حال عدم تقديمه، كما يحاسب على أي أموال لم يثبت مصدرها.


ورأى عضو اللجنة المالية البرلمانية، النائب هوشيار عبد الله، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ "قانون الكسب غير المشروع مهم جداً ويطاول الدرجات العليا في الدولة (الجهات التنفيذية والتشريعية والقضائية)، ويشمل إقليم كردستان أيضاً"، موضحاً أن "هناك مجموعة من الخطوات الصارمة لكشف الذمم المالية ليس فقط للمسؤول، وإنما الأقرباء في الدرجة الثانية أيضاً".
وأوضح عبد الله أنّ "القانون يحتّم على هيئة النزاهة التعاون لكشف الذمم المالية للمسؤولين، وستكون هناك مجموعة من العقوبات كالحبس وغيرها"، مضيفاً "نحن في اللجنة المالية لدينا توجّه جدي وصارم جداً لكي يكون هناك نوع من الإلزام بشكل أدق، وتكون هناك عقوبات قاسية أكثر في النسخة الحالية للقانون، وبعد القراءة الثانية له ستكون هناك تعديلات مهمة جداً وجوهرية على القانون". وأشار إلى أنّ "القانون من الخطوات المهمة لضرب الفساد، ونعرف تماماً أن الآفة الكبيرة الموجودة في الدولة العراقية هي الفساد"، معتبراً القانون "خطوة إيجابية ومهمة جداً لضرب الفساد، وعلى الأقل تقليل الكسب غير المشروع من قِبل المسؤولين". وتابع "قبل القانون كان المسؤول يستطيع أن يملك ممتلكات كثيرة غير شرعية، لكن بأسماء أقاربه من الدرجة الأولى والثانية، وما إلى ذلك، لكنّ هذا القانون سيكون فيه علاج لتلك الحيل، من خلال آليات فعالة لتقليل الفساد الموجود في الدولة العراقية".

أما النائب عن تحالف "الإصلاح"، علي مانع، فأوضح أنّ القانون "يُلزم المسؤول بتقديم كشف لذمته المالية بين فترة وأخرى، وأن تتم محاسبة أي مسؤول لا يلتزم لذلك، كما يحاسب على أي أموال لم يثبت مصدرها". وأشار مانع، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ "مشروع القانون يتابع أموال موظفي الدولة من مدير عام فما فوق، وأيّ أموال يمتلكها لا تتناسب مع راتبه الرسمي ستكون مثار شبهة بحسب القانون، الذي ينصّ على فتح تحقيق بكل أموال المسؤول التي اكتسبها بعد شغله منصبه، على أن تخضع للتحقيق القانوني". وأشار إلى أنّ "أهمية القانون هي بكشفه ملفات سابقة للمسؤولين، ولا ينحصر تأثيره على الملفات الحالية فحسب، إذ يفسح المجال لمتابعة كل الملفات، الأمر الذي جعل الكثير من المسؤولين يستبعدون إمكانية تمريره، أو يعملون على تعديله".

ويُحظّر القانون على المسؤول تعيين أي من أقاربه إلى الدرجة الثانية في الوظائف التي تحت إدارته. ورأى تحالف "سائرون" أنّ القانون، يأتي في إطار مشروعه "الإصلاحي"، مؤكداً أنّه لن يتنازل عنه. وقال النائب عن التحالف ماجد الوائلي، في تصريح صحافي، إنّ "تنفيذ خطوات الإصلاح التي أعلنا عنها ضمن مشروعنا الانتخابي تستوجب إقرار قانون الكسب غير المشروع خلال الدورة البرلمانية الحالية". وأكد أنّ "القانون سيفتح كل ملفات الفساد، وسيفتح الباب أمام محاسبة المسؤولين الحكوميين الفاسدين من دون استثناء".

في المقابل، يرى مراقبون أنّ القانون لا يبتعد عن كونه أداة لتصفية الحسابات مع الخصوم، لكنّه بكل الأحول سيخدم المواطن إذا طُبّق. وقال الخبير السياسي، ناجي المعموري، لـ"العربي الجديد"، إنّ "القوانين جميعها تدخل ضمن الصراع السياسي، فهي تخدم جهة وتضر بأخرى، لكنّ الضرر من قانون الكسب غير المشروع سيكون كبيراً على عمالقة الفساد في البلاد". وتوقع أن "يكون القانون أداة للتصفية السياسية، لكنّه في حال مُرر، سيخدم المواطن، بمحاربته الفساد، فيما الصراع السياسي وتصفية الخصوم لا يعنيان المواطن في شيء".