على الرغم من أنه لا يزال من المبكر الحكم على الحكومة السودانية التي أعلنها رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، أول من أمس الخميس، لتكون الأولى منذ عزل الرئيس عمر البشير الذي أسقطته ثورة شعبية في 11 إبريل/ نيسان الماضي، إلا أن العديد من التحديات تنتظرها، أخذاً بالاعتبار حجم الملفات الداخلية والخارجية التي يتعين عليها معالجتها سريعاً فضلاً عن المخاوف من عقبات قد تصطدم بها جراء توزع موازين القوى داخلها. وهو ما يبدو أن حمدوك تنبه له مبكراً، ما انعكس في تشكيلة الحكومة، خصوصاً لجهة الأسماء التي فرضها، وفي مقدمتها أسماء محمد عبد الله، التي اختيرت لتكون أول امرأة تتولى وزارة الخارجية في تاريخ السودان، أو لجهة حرصه على توفير أكبر دعم داخلي لوزارته، من خلال ضمان تمثيل كافة أقاليم السودان في الحكومة والتركيز على المناطق المهمشة والتي تعاني من اضطرابات أمنية.
وسمى حمدوك، أول من أمس الخميس، 18 وزيراً في حين أرجأ إعلان اسمي وزيري الثروة الحيوانية والبنية التحتية والنقل. والوزراء هم، للدفاع الفريق جمال عمر، وللداخلية الفريق شرطة الطريفي إدريس، ولرئاسة مجلس الوزراء عمر بشير مانيس، وللخارجية أسماء محمد عبد الله، وللعدل نصر الدين عبد الباري، وللمالية والتخطيط الاقتصادي إبراهيم البدوي، وللتعليم العالي والبحث العلمي انتصار الزين صغيرون، وللإعلام والثقافة فيصل محمد صالح، وللتعليم العام محمد الأمين، وللصناعة والتجارة مدني عباس مدني، وللزراعة عثمان الشريف عيسى، وللرعاية الاجتماعية والعمل لينا الشيخ محجوب، وللشباب والرياضة ولاء عصام البوشي، وللصحة أكرم علي التوم، وللطاقة والتعدين عادل علي إبراهيم، وللري والموارد المائية ياسر عباس، وللشؤون الدينية والأوقاف نصر الدين مفرح، وللحكم المحلي يوسف آدم.
وجاء اختيار الوزراء بعد تشاور استمر لأكثر من أسبوعين بين حمدوك وقوى "إعلان الحرية والتغيير" بعدما وضع 4 معايير أساسية، تتعلق بالكفاءة كشرط أول، وتمثيل أقاليم السودان كشرط ثان، والتمثيل العادل للنساء ثالثاً، وأخيراً معيار تمثيل الشباب. لكن اثنين من أعضاء مجلس الوزراء اختيرا بعيداً عن رئيس الحكومة و"إعلان الحرية والتغيير"، هما الجنرال جمال عمر للدفاع، والفريق شرطة الطريفي إدريس للداخلية، وذلك طبقاً للوثيقة الدستورية التي تمنح أعضاء المجلس السيادي من العسكريين حق ترشيحهما، ويشكل وجودهما مخاوف من عدم انسجامهما مع بقية أعضاء الحكومة، غير أن حمدوك أكد أن الوزيرين سيكونان تحت سلطته. وشغل وزير الدفاع الجديد، الجنرال جمال عمر، منصب عضو المجلس العسكري الانتقالي، ورأس اللجنة الأمنية التابعة للمجلس. وسبق أن تولى عمر، الذي زامل عبد الفتاح البرهان في الكلية الحربية، منصب رئيس هيئة الاستخبارات، قبل أن يُحال إلى التقاعد ويعاد إلى الخدمة مرة أخرى. وتقع على عاتق الوزير مهمة إصلاح القوات المسلحة، وفي مرحلة ما بعد السلام، مهمة إدماج الحركات المسلحة في الجيش الوطني، وهذا ما أكده حمدوك، خلال مؤتمره الصحافي الخميس الماضي، وإن بدا هذا الأمر غير مقبول لدى الرأي العام العسكري.
أما العضو الثاني في مجلس الوزراء الذي اختاره المكون العسكري في المجلس السيادي، فهو الفريق شرطة الطريفي إدريس كوزير للداخلية. وقد تكون من المرات النادرة، خصوصاً في السنوات الأخيرة، التي يتولى فيها رجال الشرطة المنصب رغم ارتباطه المباشر بالعمل الشرطي. وتنتظر إدريس، المولود في العام 1960 وهو خريج كلية الشرطة في 1983، مهمة صعبة لإصلاح وضع الشرطة وتكريس مبدأ سيادة حكم القانون ومتابعة القضايا المرتبطة بفساد النظام السابق، واسترداد الأموال المنهوبة، فضلاً عن دور الشرطة في تحقيق العدالة الانتقالية. كما أن عليه الارتقاء بوعي عناصر الشرطة في ظل الحريات العامة.
اقــرأ أيضاً
وتماشياً مع التحديات التي ستواجه الحكومة السودانية، اختار حمدوك السفيرة السابقة أسماء محمد عبد الله وزيرة للخارجية. وأكد، في مؤتمره الصحافي، حرصه على سياسة خارجية تقوم على تحقيق مصالح البلاد الخارجية أولاً وأخيراً، مع تعهده بالعمل على تطوير العلاقات مع دول الجوار، وذلك حين سئل عن طريقة تعاطيه مع الاستقطاب الإقليمي وسياسة المحاور، خصوصاً بعدما ارتمى البشير في أحضان محور الإمارات والسعودية ومصر وكان للمجلس العسكري موقف مشابه. وينبغي على أسماء عبد الله، التي تعد أول سودانية تتولى حقيبة الخارجية، تحويل تعهدات رئيس الوزراء إلى أفعال دبلوماسية. وسيكون عليها أن تواجه في مساعيها لبناء علاقات خارجية متوازنة، معضلة انحياز قادة المكون العسكري في مجلس السيادة للمحور السعودي – الإماراتي، كما يتعين عليها بذل جهود لفتح الباب أمام عودة السودان إلى الأسرة الدولية بعد عقود من المقاطعة الاقتصادية والسياسية، بينما سيكون التحدي الأبرز للوزيرة ولحكومة حمدوك ككل هو العمل على رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، التي وضعتها فيها الولايات المتحدة منذ العام 1993، وهو تحدٍ يراه حمدوك بمثابة مفتاح أساسي للانفتاح السياسي والاقتصادي.
وتُعد عبد الله من ضحايا نظام البشير، إذ فصلت من العمل في 1990 ضمن "سياسة التمكين" التي انتهجها النظام بإبعاد غير الموالين له. وخلال عملها في الخارجية، تدرجت عبد الله في الوظائف إلى أن وصلت لمنصب "وزير مفوض"، وقبلها عملت نائبة لرئيس الأميركيتين بالوزارة، إلى جانب عملها في عدة سفارات، أبرزها لدى النرويج. من جانب آخر، ولمخاطبة الداخل وقضايا الوحدة الوطنية، حرص حمدوك على تمثيل كافة أقاليم السودان، فقد ضمت قائمة الحكومة شخصيات من دارفور، مثل وزير شؤون مجلس الوزراء عمر بشير مانيس، الذي رفض العام الماضي الانضمام كوزير دولة للخارجية، لحكومة البشير. كما ضمت الحكومة شخصيات من كردفان، مثل إبراهيم البدوي وزيراً للمالية، ومن الجنوب مثل نصر الدين مفرح وزيراً للشؤون الدينية والأوقاف، ومن الوسط مثل ولاء البوشي وزيرة الشباب والرياضة، وعادل إبراهيم وزير الطاقة والتعدين، ومن الشمال فيصل محمد صالح للإعلام. لكن حمدوك لم يجد من ضمن الأسماء التي رشحت له من جانب قوى "إعلان الحرية والتغيير" ممثلاً لشرق السودان ومنطقة النيل الأزرق، ما اضطره لتأجيل تسمية وزير عن كل منهما لحين اكتمال التشاور. وأسعدت النسبة التي حصلت النساء عليها، والتي بلغت 25 في المائة من عدد الوزارات، القاعدة النسوية، لجهة أن فيها إنصافاً نسبياً للمرأة.
وتعهد وزير المالية، أمس، القيام بإصلاحات واسعة لتلبية مطالب الثورة في تحقيق الاستقرار الاقتصادي بالبلاد. وقال، في تصريح بثته الإذاعة السودانية، أمس الجمعة، إن الإصلاحات التي ينوي القيام بها "ستتصدرها معالجة مشكلة نقص السيولة، وهيكلة الجهاز المصرفي في البلاد". ومن الوزراء الجدُد الذين يتم الرهان عليهم في حكومة حمدوك لتحقيق العدالة الانتقالية والعدالة بمفهومها العام، وزير العدل نصر الدين عبد الباري، الحاصل على درجة الماجستير في القانون من جامعتي هارفارد وجورج تاون، وتنتظره مهمة عسيرة في محاكمة رموز النظام السابق، وردم الفجوة بين القوانين الوطنية والدولية، وحسم مسألة مصادقة الخرطوم على كثير من المواثيق والمعاهدات الدولية المثيرة للجدل بين مكونات الداخل، وأبرزها المحكمة الجنائية الدولية، علاوة على إلغاء القوانين المقيدة للحريات وفي مقدمتها قانون النظام العام، وقانون الصحافة والمطبوعات. كذلك ستكون المهمة شاقة أمام وزير الري والموارد المائية والكهرباء ياسر عباس، إذ يواجه قطاع الكهرباء مشكلات جمة ناجمة عن سيطرة عناصر النظام البائد على مفاصل الوزارة، ومشكلات فنية نجمت عن عقودٍ من المقاطعة الاقتصادية. ويضاف إلى ذلك استمرار الجدل حول حصص مياه النيل وأزمة سد النهضة. ومع الانتهاء من تأليف الحكومة، تتجه الأنظار لمعرفة ما إذا كانت ستتمكن من تجاوز التحديات التي تواجهها، خصوصاً في ما يتعلق بوقف الحرب وتحقيق السلام وإنقاذ الاقتصاد المنهار وإعادة ترتيب الخدمة العسكرية والخدمة المدنية والقضاء وتحقيق العدالة الانتقالية ومحاكمة رموز النظام السابق.
ويقول اللواء المتقاعد يونس محمود إنه من الصعب الحكم والتوقع بنجاح أو فشل حكومة حمدوك لجهة أن جُل وزرائها غير معروفين، محذراً من الضغوط والوصاية التي يمكن أن تمارسها قوى "الحرية والتغيير" على رئيس الوزراء وعدم ترك المجال له للعمل باستقلالية. كما أشار إلى "إمكانية استقالة حمدوك إذا تم التدخل في عمله، وذلك بحسب مؤشرات شخصيته التي ظهرت في الأيام الماضية". واستبعد محمود، في حديث لـ"العربي الجديد"، اتخاذ الولايات المتحدة قراراً في الوقت الحالي برفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، ما سيؤدي إلى عدم الحصول على قروض ومنح تحتاجها الحكومة لإنعاش الاقتصاد. كما استبعد حصول حمدوك على مساعدات من السعودية والإمارات، لانشغال الأولى بنفسها ومحاولة إنقاذ نفسها من مديونيتها الكبيرة ومواجهتها لمشاكل سياسية وأمنية. أما الإمارات، فيرى محمود أنها "تريد من السودان أن يكون تابعاً لها مقابل دراهمها"، وهذا أمر يستبعده تماماً، مشيراً إلى أن الدولتين، ورغم وعدهما بالدعم بعد الإطاحة بالبشير، إلا أنهما لم يقدما سوى 500 مليون دولار مناصفة بينهما. وحول فرص تحقيق السلام، أوضح محمود أن الحركات المتمردة لديها طموحات ورغبات في إعادة هيكلة الدولة السودانية وفرض العلمانية، وبالتالي لن تضع سلاحها ما لم تتوصل إلى هذا الأمر.
لكن القيادي في قوى "إعلان الحرية والتغيير" شريف محمد عثمان يدحض، في حديث مع "العربي الجديد"، كل المؤشرات التي يرى البعض أنها قد تتوقع فشل الحكومة الجديدة. ويوضح أن "الأسماء والبرامج التي أعلن عنها حمدوك وجدت تجاوباً شعبياً منقطع النظير على مستوى الشارع، خصوصاً في وسائط التواصل الاجتماعي"، مشيراً إلى أن "الحكومة تحظى بسند دولي وإقليمي كبير"، مستدلاً بزيارة وزير الخارجية الألماني هايكو ماس إلى الخرطوم الأسبوع الماضي، ودعوة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لحمدوك لزيارة باريس، ودعوة ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد لرئيس الحكومة السودانية أيضاً لزيارة أبوظبي. وكشف عن "زيارة مرتقبة لرئيس الوزراء إلى جنوب السودان للقاء عدد من زعماء الحركات المسلحة"، مؤكداً أن "الحكومة ستتفرغ خلال الأشهر الستة الأولى من أجل وقف الحرب وتحقيق السلام"، مشيداً بالتصريحات الإيجابية الصادرة من قادة حركات مسلحة، مثل عبد العزيز الحلو وعبد الواحد محمد نور.
من جهته، يقول الناشط في التظاهرات زهير الدالي، لـ"العربي الجديد": "نحن متفائلون جداً بتشكيل الحكومة الجديدة، لأنها قائمة على الكفاءات، وبها أمر يحدث للمرة الأولى في تاريخ السودان والدول المجاورة، وهو تعيين امرأة وزيرة للخارجية، وهذا يؤكد أنه يتم النظر للكفاءة دون النوع أو العرق أو الدين". ويؤكد أنهم "على ثقة من أن الحكومة ستحقق شعارات الثورة في الحرية والعدالة". ويعتبر الدالي، الذي ينشط ضمن لجان المقاومة التي شكلها الثوار، أن "تلك اللجان هي الضامن الأساسي لتحقيق أهداف الثورة، ومن ضمنها تحقيق العدالة الانتقالية والقصاص لدماء الشهداء الذين ارتقوا أيام الثورة وكل شهداء السودان"، مشدداً على "تصفية الدولة العميقة التي تركها نظام البشير". ويؤكد أن "الثوار في السودان لا يراهنون على أي دعم خارجي من أي جهة كانت، وأن إمكانيات البلاد والأفكار التي طرحها رئيس الوزراء كافية للتحرر من القيود والارتهان للخارج".
وسمى حمدوك، أول من أمس الخميس، 18 وزيراً في حين أرجأ إعلان اسمي وزيري الثروة الحيوانية والبنية التحتية والنقل. والوزراء هم، للدفاع الفريق جمال عمر، وللداخلية الفريق شرطة الطريفي إدريس، ولرئاسة مجلس الوزراء عمر بشير مانيس، وللخارجية أسماء محمد عبد الله، وللعدل نصر الدين عبد الباري، وللمالية والتخطيط الاقتصادي إبراهيم البدوي، وللتعليم العالي والبحث العلمي انتصار الزين صغيرون، وللإعلام والثقافة فيصل محمد صالح، وللتعليم العام محمد الأمين، وللصناعة والتجارة مدني عباس مدني، وللزراعة عثمان الشريف عيسى، وللرعاية الاجتماعية والعمل لينا الشيخ محجوب، وللشباب والرياضة ولاء عصام البوشي، وللصحة أكرم علي التوم، وللطاقة والتعدين عادل علي إبراهيم، وللري والموارد المائية ياسر عباس، وللشؤون الدينية والأوقاف نصر الدين مفرح، وللحكم المحلي يوسف آدم.
أما العضو الثاني في مجلس الوزراء الذي اختاره المكون العسكري في المجلس السيادي، فهو الفريق شرطة الطريفي إدريس كوزير للداخلية. وقد تكون من المرات النادرة، خصوصاً في السنوات الأخيرة، التي يتولى فيها رجال الشرطة المنصب رغم ارتباطه المباشر بالعمل الشرطي. وتنتظر إدريس، المولود في العام 1960 وهو خريج كلية الشرطة في 1983، مهمة صعبة لإصلاح وضع الشرطة وتكريس مبدأ سيادة حكم القانون ومتابعة القضايا المرتبطة بفساد النظام السابق، واسترداد الأموال المنهوبة، فضلاً عن دور الشرطة في تحقيق العدالة الانتقالية. كما أن عليه الارتقاء بوعي عناصر الشرطة في ظل الحريات العامة.
وتماشياً مع التحديات التي ستواجه الحكومة السودانية، اختار حمدوك السفيرة السابقة أسماء محمد عبد الله وزيرة للخارجية. وأكد، في مؤتمره الصحافي، حرصه على سياسة خارجية تقوم على تحقيق مصالح البلاد الخارجية أولاً وأخيراً، مع تعهده بالعمل على تطوير العلاقات مع دول الجوار، وذلك حين سئل عن طريقة تعاطيه مع الاستقطاب الإقليمي وسياسة المحاور، خصوصاً بعدما ارتمى البشير في أحضان محور الإمارات والسعودية ومصر وكان للمجلس العسكري موقف مشابه. وينبغي على أسماء عبد الله، التي تعد أول سودانية تتولى حقيبة الخارجية، تحويل تعهدات رئيس الوزراء إلى أفعال دبلوماسية. وسيكون عليها أن تواجه في مساعيها لبناء علاقات خارجية متوازنة، معضلة انحياز قادة المكون العسكري في مجلس السيادة للمحور السعودي – الإماراتي، كما يتعين عليها بذل جهود لفتح الباب أمام عودة السودان إلى الأسرة الدولية بعد عقود من المقاطعة الاقتصادية والسياسية، بينما سيكون التحدي الأبرز للوزيرة ولحكومة حمدوك ككل هو العمل على رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، التي وضعتها فيها الولايات المتحدة منذ العام 1993، وهو تحدٍ يراه حمدوك بمثابة مفتاح أساسي للانفتاح السياسي والاقتصادي.
وتُعد عبد الله من ضحايا نظام البشير، إذ فصلت من العمل في 1990 ضمن "سياسة التمكين" التي انتهجها النظام بإبعاد غير الموالين له. وخلال عملها في الخارجية، تدرجت عبد الله في الوظائف إلى أن وصلت لمنصب "وزير مفوض"، وقبلها عملت نائبة لرئيس الأميركيتين بالوزارة، إلى جانب عملها في عدة سفارات، أبرزها لدى النرويج. من جانب آخر، ولمخاطبة الداخل وقضايا الوحدة الوطنية، حرص حمدوك على تمثيل كافة أقاليم السودان، فقد ضمت قائمة الحكومة شخصيات من دارفور، مثل وزير شؤون مجلس الوزراء عمر بشير مانيس، الذي رفض العام الماضي الانضمام كوزير دولة للخارجية، لحكومة البشير. كما ضمت الحكومة شخصيات من كردفان، مثل إبراهيم البدوي وزيراً للمالية، ومن الجنوب مثل نصر الدين مفرح وزيراً للشؤون الدينية والأوقاف، ومن الوسط مثل ولاء البوشي وزيرة الشباب والرياضة، وعادل إبراهيم وزير الطاقة والتعدين، ومن الشمال فيصل محمد صالح للإعلام. لكن حمدوك لم يجد من ضمن الأسماء التي رشحت له من جانب قوى "إعلان الحرية والتغيير" ممثلاً لشرق السودان ومنطقة النيل الأزرق، ما اضطره لتأجيل تسمية وزير عن كل منهما لحين اكتمال التشاور. وأسعدت النسبة التي حصلت النساء عليها، والتي بلغت 25 في المائة من عدد الوزارات، القاعدة النسوية، لجهة أن فيها إنصافاً نسبياً للمرأة.
ويقول اللواء المتقاعد يونس محمود إنه من الصعب الحكم والتوقع بنجاح أو فشل حكومة حمدوك لجهة أن جُل وزرائها غير معروفين، محذراً من الضغوط والوصاية التي يمكن أن تمارسها قوى "الحرية والتغيير" على رئيس الوزراء وعدم ترك المجال له للعمل باستقلالية. كما أشار إلى "إمكانية استقالة حمدوك إذا تم التدخل في عمله، وذلك بحسب مؤشرات شخصيته التي ظهرت في الأيام الماضية". واستبعد محمود، في حديث لـ"العربي الجديد"، اتخاذ الولايات المتحدة قراراً في الوقت الحالي برفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، ما سيؤدي إلى عدم الحصول على قروض ومنح تحتاجها الحكومة لإنعاش الاقتصاد. كما استبعد حصول حمدوك على مساعدات من السعودية والإمارات، لانشغال الأولى بنفسها ومحاولة إنقاذ نفسها من مديونيتها الكبيرة ومواجهتها لمشاكل سياسية وأمنية. أما الإمارات، فيرى محمود أنها "تريد من السودان أن يكون تابعاً لها مقابل دراهمها"، وهذا أمر يستبعده تماماً، مشيراً إلى أن الدولتين، ورغم وعدهما بالدعم بعد الإطاحة بالبشير، إلا أنهما لم يقدما سوى 500 مليون دولار مناصفة بينهما. وحول فرص تحقيق السلام، أوضح محمود أن الحركات المتمردة لديها طموحات ورغبات في إعادة هيكلة الدولة السودانية وفرض العلمانية، وبالتالي لن تضع سلاحها ما لم تتوصل إلى هذا الأمر.
من جهته، يقول الناشط في التظاهرات زهير الدالي، لـ"العربي الجديد": "نحن متفائلون جداً بتشكيل الحكومة الجديدة، لأنها قائمة على الكفاءات، وبها أمر يحدث للمرة الأولى في تاريخ السودان والدول المجاورة، وهو تعيين امرأة وزيرة للخارجية، وهذا يؤكد أنه يتم النظر للكفاءة دون النوع أو العرق أو الدين". ويؤكد أنهم "على ثقة من أن الحكومة ستحقق شعارات الثورة في الحرية والعدالة". ويعتبر الدالي، الذي ينشط ضمن لجان المقاومة التي شكلها الثوار، أن "تلك اللجان هي الضامن الأساسي لتحقيق أهداف الثورة، ومن ضمنها تحقيق العدالة الانتقالية والقصاص لدماء الشهداء الذين ارتقوا أيام الثورة وكل شهداء السودان"، مشدداً على "تصفية الدولة العميقة التي تركها نظام البشير". ويؤكد أن "الثوار في السودان لا يراهنون على أي دعم خارجي من أي جهة كانت، وأن إمكانيات البلاد والأفكار التي طرحها رئيس الوزراء كافية للتحرر من القيود والارتهان للخارج".