مسيرة "العودة 2" تتحدى تهديدات الاحتلال: مجزرة بـ8 شهداء

07 ابريل 2018
طفل يرمي الإسرائيليين بالمقلاع (حسن جدي/الأناضول)
+ الخط -
لم تنفع تهديدات جيش الاحتلال وساسته بارتكاب مجزرة في حال حاول الغزيون الاقتراب من السياج الحدودي، في الحؤول دون احتشاد أعداد كبيرة جداً من الفلسطينيين تلبية لنداء فعاليات مسيرة "العودة وكسر الحصار"، التي تنظمها الفصائل الفلسطينية ومؤسسات المجتمع المدني. واستشهد ثمانية فلسطينيين، أحدهم متأثراً بجراح أصيب بها يوم الجمعة الماضي، والآخرون برصاص قناصة الاحتلال، وأصيب نحو 780 آخرين بجراح مختلفة، بينهم حالات خطرة، وتمت معالجة العشرات ميدانياً في النقاط الطبية المختلفة.

وكشف مسؤول فلسطيني بارز في غزة لـ"العربي الجديد"، عن اتصالات تلقتها قيادة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) من أطراف دولية وعربية دعتها لمنع الفلسطينيين من الاقتراب من السياج الحدودي الفاصل مع الأراضي المحتلة، ووقف مسيرات العودة وكسر الحصار. ووفق المصدر، فإنّ "الحركة رفضت الطلبات التي تلقتها بمنع مسيرات العودة، وأكدّت أنها حراك فصائلي وشعبي وجماهيري واسع، وليس لأحد سلطة على وقفه، في ظل تدهور الأوضاع الإنسانية التي تحياها غزة، والظروف المحيطة بالقضية الفلسطينية والتي تعيش أسوأ مراحلها في ظل تسارع محاولات إنهائها بالشكل الذي يرضي الاحتلال الإسرائيلي". وكان الإعلام العبري قد كتب، أول من أمس، عن تحميل دولة الاحتلال لوزير الاستخبارات المصرية عباس كامل رسالة لحركة "حماس" تهددها فيها من مواصلة تصعيد الاحتجاجات على حدود قطاع غزة والأراضي المحتلة.

وكانت للصحافيين حصة وازنة من جرائم الاحتلال أمس، إذ أصيب المصور الصحافي ياسر مرتجى، من شركة "عين ميديا" للإعلام في غزة، بطلق ناري في البطن، خلال تغطيته للتظاهرات الفلسطينية على الحدود الشرقية لمدينة خان يونس، جنوب قطاع غزة. كما أصيب مصور الوكالة الأوروبية في غزة، صابر نورالدين، بقنبلة غاز في بطنه خلال تغطيته للأحداث الميدانية، شرق مدينة غزة. وعلى الحدود الشرقية للقطاع مع الأراضي المحتلة، تجمع آلاف الشبان الفلسطينيين وعائلاتهم بشكل جماعي في نقاط محددة للاحتجاج على استمرار الحصار، وللتذكير بحق عودة اللاجئين في ظل محاولات تصفية القضية الفلسطينية المتسارعة، والتي تقوم ببعض تفاصيلها دول عربية.



ووضعت السواتر الترابية على مقربة من خيام الاعتصام لاحتماء الشبان الفلسطينيين بها، وشارك في الفعاليات الجماهيرية عدد من قيادات الفصائل الفلسطينية، الذين أكدوا على سلمية التحركات واستمرارها في مواجهة محاولات تصفية القضية الفلسطينية.

وتميّز يوم أمس بإشعال الفلسطينيين عشرات الإطارات الفارغة "الكاوتشوك" على الشريط الحدودي، في رسالة احتجاج مختلفة قدموها في إطار حراكهم السلمي، مع تهديدهم بالبقاء فترات أطول على الحدود مع أرضهم المحتلة. وحجب إشعال الإطارات الرؤية عن جنود الاحتلال الإسرائيلي الذين عززوا مواقعهم وأضافوا مزيداً من القوات والآليات العسكرية على الحدود لمواجهة المتظاهرين العُزل، وشاركت صهاريج مياه كبيرة حشدها الاحتلال على الحدود بإطفاء الإطارات لكنها لم تنجح سريعاً.

وتمكن شبان فلسطينيون غاضبون من اجتياز السياج الفاصل شرقي مدينتي خان يونس ورفح، جنوبي قطاع غزة، ورشقوا قوات الاحتلال التي عززت تواجدها في المكانين بالحجارة قبل أن يعودوا إلى خيام الاعتصام ونقاط التماس. وقامت طائرات تابعة للاحتلال الإسرائيلي بإطلاق قنابل غاز على المتظاهرين في مناطق التماس، محاولةً إبعادهم عن السياج الحدودي، لكن ذلك لم ينجح في ظل مساعدة "الرياح" للمتظاهرين وهبوبها عكس اتجاه خيامهم.

وأخذت جمعة الغضب الثانية، أو جمعة "الكاوتشوك" كما أطلق عليها نشطاء الحراك السلمي، أشكالاً مختلفة من النضال الشعبي ضد الاحتلال الإسرائيلي، وشارك مهرجون وفنانون ورسامون في الفعاليات الاحتجاجية من خلال قيام كل منهم بأعمال تعكس صمود الفلسطينيين في أرضهم، ورغبتهم الملحة في إعادة أرضهم المحتلة منذ سبعة عقود.



تطورات لافتة حملتها الجمعة الثانية، بعد دخول أنماط جديدة على المشهد، حيث أشعلت مئات إطارات السيارات التي شكّلت سواتر دخان أسود، في محاولة من المتظاهرين السلميين لحماية أنفسهم من القناصة الإسرائيليين، وتخليداً للشهيد عبد الفتاح عبد النبي، الذي استشهد يوم الجمعة الماضي أثناء محاولته التقاط إطار من صديقه. التوتر بدأ مبكراً في الجمعة الثانية لمسيرات العودة، إذ بادرت قوات الاحتلال الإسرائيلي بإطلاق قنابل الغاز السامة والمسيلة للدموع، إلى جانب إطلاق الرصاص المطاطي والحي على المتظاهرين، الذين خرجوا للمطالبة بعودتهم إلى ديارهم التي هُجروا منها قسراً على يد قوات الاحتلال الإسرائيلي عام 1948، بينما لم تفارق طائرات الاستطلاع والتصوير سماء الحدود الشرقية. ولم تقف الخيام القماشية، واللافتات، والأعلام الفلسطينية وسلمية التظاهرة عائقاً بين المتظاهرين والذخيرة الإسرائيلية التي أطلقت على المتظاهرين، لكن ذلك لم يمنعهم من مواصلة احتشادهم، ومضاعفة أعدادهم لحظة بعد الأخرى، في ظل تأكيدات على أن المسيرات ستتواصل حتى حصول الفلسطينيين على حقهم في العودة إلى بلادهم.

المشهد بدا غير متكافئ القوة على طول السياج الحدودي، إذ ظهر الجنود المتمترسون خلف مدرعاتهم وعرباتهم الثقيلة، والمدججون بكامل قوتهم وعتادهم العسكري، في مواجهة أطفال ونساء وشيوخ وشباب عُزل، تجمعوا لمطالبة العالم بالوقوف إلى جانبهم في الحصول على حقهم، وتطبيق القرارات الدولية التي تنص على حقهم في العودة.

ولم تهدأ أصوات أبواق الإسعافات التي تواجدت في النقاط الرئيسية الخمس لتجمهر المتظاهرين، والتي سارعت طواقمها لإسعاف ونقل المصابين، بعد تلقيهم خدمات الإسعاف الميداني في نقاط الإسعاف الميدانية، التي أقيمت لتقديم خدمات العلاج الفوري والإسعافات الأولية لحالات الاختناق، والإصابات المتنوعة.

مداخل نقاط التجمع الخمس من شمال قطاع غزة حتى جنوبه، زُودت بخيام قماشية للمعتصمين، وإلى جانبها خيام أخرى للمراكز الصحية ومراكز الإسعاف الأولي، وكذلك حضرت سيارات إسعاف مجهزة بالأدوية والمستلزمات الطبية، علاوة على وجود متطوعين لنقل الإصابات والتعامل معها في أوقات ذروة الأحداث، بينما أعلنت اللجنة العليا للطوارئ الصحية في قطاع غزة عن رفع حالة الجهوزية والاستعداد في المستشفيات ووحدات الإسعاف والمراكز والنقاط الطبية المتقدمة شرق قطاع غزة لمواكبة فعاليات مسيرة العودة في الجمعة الثانية.

عائلات بأكملها شاركت في مسيرات العودة على الحدود الشرقية، إذ تجمعت عائلة الخمسيني جمال سحويل، من حيّ الزيتون، داخل خيمة في دوار ملكة، وشرقي الحي زُين بعلم فلسطين، وقد عقدوا آمالهم للعودة إلى ديار أجدادهم في بلدة عسقلان التي طردتهم منها قوات الاحتلال الإسرائيلي قبل سبعة عقود.



ويقول سحويل إنه كان "يحلم باليوم الذي ينتبه فيه الشعب الفلسطيني إلى حق العودة"، مضيفاً: "جئنا لنقول للعالم إننا شعب لنا أرض، وأن الادعاء الإسرائيلي بأن فلسطين أرض بلا شعب، هو ادعاء كاذب، وأن هذه الحشود جاءت للتأكيد على كذبه، والإصرار على العودة للديار والأراضي والكروم التي هُجروا منها عنوة". ويضيف أن "الشعب الفلسطيني يموت ببطء منذ اللحظة الأولى لطرده من أرضه، وأن الخطر الحقيقي هو استمرار الاحتلال، واستمرار ظلم الفلسطينيين، وعدم تحقيق آمالهم وأحلامهم في العودة لديارهم".

بدوره، شدّد نجل سحويل، علي، الذي حمل علم فلسطين متشحاً بالكوفية السوداء، على أن والدته تخبره دوماً عن أرض أجداده في عسقلان، حتى أنه بات يحلم بالرجوع إليها واللعب في بساتينها وتحت كرومها، مضيفاً: "لن ننسى هذا الحق، ولا بد أن نرجع يوماً، وأن يزول الاحتلال الإسرائيلي".

حالة الإصرار الفلسطيني على المشاركة والتواجد على طول الشريط الحدودي الذي أقامته قوات الاحتلال الإسرائيلي على الرغم من الخطر المحدق، والذي اندمج بالهتاف العالي الذي صدحت به حناجر المتواجدين لحماية الأرض والأقصى والمسرى: "على القدس رايحين شهداء بالملايين"، "يا شهيد ارتاح ارتاح"، كان يتضاعف مع سقوط كل جريح، إذ تهب الجموع لنقله وإسعافه، ويعودون مجدداً وقد علا صوت الهتاف "ارحل ارحل يا مُحتل".

وقال القيادي في حركة "حماس"، محمود الزهار، خلال مشاركته في تظاهرة شرق غزة، إنّ "التهديدات الإسرائيلية بقصف عمق قطاع غزة رداً على مسيرات العودة يأتي من باب طمأنة المستوطنين من حالة الخوف التي أحدثتها المسيرات". وهدد الزهار الاحتلال الإسرائيلي بـ"الرد على أي قصف إسرائيلي يستهدف غزة"، لافتاً إلى أنه "حين يقصف الاحتلال في عمق غزة. العين بالعين والسن بالسن. هو يريد أن يرسل رسالة تطمينية للمستوطنين. والاحتلال الإسرائيلي يعرف من نحن، وما هي قوتنا وهو يعرف ذلك تماماً".