منذ الثاني عشر من شهر مايو/ أيار الجاري، تتعرض بلدة يعبد، جنوب غرب مدينة جنين، شمال الضفة الغربية المحتلة، لعملية عسكرية إسرائيلية متواصلة، تعد الأعنف منذ سنوات طويلة، بعد مقتل جندي من وحدة "جولاني"، أهم وحدات النخبة الإسرائيلية، إثر إصابته بحجر كبير سقط عليه من إحدى البنايات السكنية، خلال اقتحام الاحتلال للبلدة لاعتقال فلسطينيين.
وطيلة الأيام الماضية، تعرضت البلدة وأهاليها لسلسلة اقتحامات ومداهمات لمنازل وتخريبها والتنكيل بالأهالي واعتقال العشرات، علاوة على إغلاق كافة مداخلها لعدة أيام.
أيام صعبة من الحصار والاقتحامات
وتتركز العملية العسكرية في حي السلمة السكني، الذي أصيب فيه الجندي الإسرائيلي، حيث تقتحمه قوات الاحتلال بشكل مستمر، وتداهم البيوت وتحقق مع المواطنين الفلسطينيين، حيث اعتقلت العشرات منهم ونقلتهم إلى مراكز التحقيق التابعة لها في محاولة للوصول إلى المسؤولين عن قتل الجندي.
ورصدت مؤسسات حقوقية اعتقال قوات الاحتلال نحو خمسين مواطناً فلسطينيا، بينهم نساء وأطفال وكبار سن وعائلات بأكملها، ضمن الحملة على يعبد.
وأكد رئيس بلدية يعبد سائد الكيلاني، لـ"العربي الجديد"، أن الوضع في البلدة صعب جدا، فقد أغلق الاحتلال مداخل البلدة بالمكعبات الإسمنتية على مدار خمسة أيام، وحظر الحركة منها وإليها، ما تسبب بعزلها عن محيطها، كما أن قواته حتى الآن لا تكاد تغادر يعبد إلا وتعاود اقتحامها من جديد وبشكل أعنف، في محاولة لإرهاق السكان نفسيا، خاصة في ظل أزمة كورونا، وبالتزامن مع ارتفاع كبير في درجات الحرارة وشهر الصيام.
وأشار الكيلاني إلى أن قوات الاحتلال كانت قد أزالت، فجر الأحد، المكعبات الإسمنتية عن المدخل الرئيس للبلدة، ثم أزالت جرافات تابعة للبلدية السواتر الترابية التي وضعها الاحتلال على جميع مداخل يعبد، لكن جيش الاحتلال يواصل اقتحام البلدة، ويتواجد جنود الاحتلال على مداخلها باستمرار ويقيمون حواجز لهم هناك.
ووفق الكيلاني، "لم يترك جنود الاحتلال حيا سكنيا إلا اقتحموه. يداهمون البيوت وقت الإفطار أو السحور، وفي مرات كثيرة يجبرون الأهالي على الخروج من منازلهم وقت الظهيرة والبقاء تحت أشعة الشمس الحارقة لساعات، دون مراعاة لوجود مرضى ومسنين وأطفال ونساء، وفي حال اعترض أحدهم ينهال عليه جنود الاحتلال ضربا وتعنيفا، ويضاعفون من العقوبات بحقه وحق عائلته".
وخلال العملية العسكرية المستمرة، يمنع الاحتلال في كثير من الأحيان إدخال الخبز والمواد الغذائية لأهالي يعبد المحاصرين، كما يرفض السماح لطواقم البلدية، وخاصة سيارات جمع النفايات، بالعمل، ويعرقل الاحتلال تحرك سيارات الإسعاف أثناء نقل الإصابات، أو التدخل لإنقاذها بسبب إلقاء كميات كبيرة من قنابل الغاز خلال الاقتحامات، وترويع الأهالي بالقنابل الصوتية على مدار الساعة، وفق الكيلاني.
ويقطن يعبد ما يقرب من ثلاثين ألف نسمة، حيث قضم جدار الفصل العنصري نحو 20% من أراضيها، في حين أن سبع مستوطنات مقامة على أراضيها.
وتعرف البلدة بـ"يعبد القسام"، حيث استشهد في غاباتها الشيخ عز الدين القسام خلال مواجهته لقوات الانتداب البريطاني عام 1935، كما قدمت البلدة منذ ذلك التاريخ حتى اليوم عشرات الشهداء والاستشهاديين، واعتقل الكثير من أبنائها خلال مقاومتهم للاحتلال.
ومن بين أولئك الاستشهاديين الشهيد عمار عمارنة، وهو من أوائل الذين نفذوا عمليات تفجيرية ضد أهداف إسرائيلية عام 1994 في زمن العمليات التي قادها مهندس كتائب القسام، الذراع العسكرية لحركة "حماس"، الشهيد يحيى عياش.
أم وابنتها وحكاية الانتقام
وتعاني السيدة نظمية أبو بكر (43 عاما)، وأفراد أسرتها من اعتداءات متتالية، كونها تسكن في البناية التي يدعي جيش الاحتلال أن الحجر الذي قتل الجندي ألقي منه. وفي محاولة للضغط عليها للاعتراف بمن فعل ذلك، عمد لاعتقالها مع ابنتها إيمان (16 عاما)، بعدما اعتقل في اليوم الأول للعملية العسكرية زوجها ربحي عصفور وأبناءها الذكور جميعا، وما أن يُفرج عن نظمية وابنتها وتكادان تصلان إلى بيتهما حتى يداهمه الجنود من جديد ويعيدون اعتقالهما ونقلهما إلى مركز التحقيق.
وقالت إيمان لـ"العربي الجديد": "منذ يوم الثلاثاء الماضي (12 من الشهر الجاري)، ونحن نعاني الويلات، اعتقلوا أبي وإخواني وأعمامي وأولادهم، ومن ثم عادوا واعتقلوني مع أمي صبيحة يوم الجمعة الماضي. تعرضنا للضرب والشتم خلال الاعتقال والاستجواب من المحققين الإسرائيليين. تم تهديد أمي على مسمعي بهدم بيتنا إذا لم تقدم معلومات عن منفذ العملية، رغم أنها نفت لهم مرارا علمها بذلك".
ومع فجر أول أمس، السبت، أطلق الاحتلال سراح الأم والابنة، حيث اضطرتا للمشي مسافة طويلة صائمتين ومنهكتين جراء تحقيق شديد، لكن ما أن وصلت الأم لبيتها وبدأت بإرضاع وليدها الجديد نور الدين، حتى داهم جنود الاحتلال البيت واعتقلوها، ومع مساء السبت، أفرج الاحتلال عن الأم، حيث وصلت لبيت والدها القريب نسبيا من بيتها، وهي تعاني من ضعف وتعب شديدين يتسببان في إغمائها كل حين.
تقول إيمان: "إن ضباط الاحتلال حاولوا تضليل أمي بالادعاء أن أبي اعترف بكل شيء، لكنها أنكرت معرفتها بأي شيء مما أورده الضابط الذي انهال عليها بالصراخ والتعنيف".
عقاب جماعي على يعبد
وفي إطار سياسة العقاب الجماعي لأهالي بلدة يعبد، يقتحم جنود الاحتلال البلدة وينكلون بالأهالي بعد دهم منازلهم والعبث بمحتوياتها وتخريبها، بعضهم نقل للمستشفى بعد الاعتداء عليه بالضرب المبرح، كما في حالة الأسير المحرر المقعد عدنان حمارشة وأفراد أسرته، الذين تعرضوا لاعتداء جسدي عنيف من جنود الاحتلال، بعد مداهمة منزلهم، الجمعة، عقب تفجير الباب الرئيسي، ما استلزم نقل بعضهم للمستشفى، بعد فقدانهم للوعي ونزفهم لكميات كبيرة من الدم.
وفي محاولة لفك الحصار المفروض على بلدة يعبد، شارك مئات الفلسطينيين، الليلة الماضية، في مسيرة مركبات، حملت شعار "فك الحصار عن يعبد القسام"، وصلت لأطرافها، تنديدا بالعقوبات المفروضة على البلدة من قوات الاحتلال الإسرائيلي.
من جهته، اتهم نادي الأسير الفلسطيني الاحتلال بـ"استغلال حادثة مقتل جندي الوحدة الخاصة لتنفيذ حملة انتقام واضحة ضد بلدة يعبد، وممارسة سياسة عقاب جماعي لأهلها، حيث طاولت الاعتقالات عائلات بأكملها"، مطالبًا المؤسسات الدولية بالتدخل العاجل لوقف الجرائم المستمرة بحق أهالي يعبد، "التي تعتبر انتقامية بالدرجة الأولى، وخاصة أن الاحتلال لم يعثر بعد على ملقي الحجر".
وأكد نادي الأسير أن "هذا التصعيد يتزامن مع استمرار انتشار وباء كورونا وبنسبة أعلى لدى الاحتلال، الأمر الذي قد يتسبب في نقله إلى المواطنين الفلسطينيين من خلال عمليات الاعتقال الوحشية".