وقال روحاني، في اجتماع متلفز للحكومة، إن بلاده واجهت خلال الأيام الأخيرة ثلاثة أحداث "لم تتوقعها"، هي اغتيال سليماني في غارة جوية أميركية في الثالث من الشهر الجاري بالقرب من مطار بغداد الدولي، وسقوط 70 قتيلا إيرانيا خلال مراسم تشييعه بمدينة كرمان، وسقوط طائرة الركاب الأوكرانية.
والطائرة المنكوبة وهي من طراز "بوينغ 737" تابعة للخطوط الجوية الأوكرانية الدولية، أُسقطت، فجر الأربعاء 8 كانون الثاني/ يناير الجاري، بعيد دقائق من إقلاعها من طهران متّجهة إلى كييف، ما أسفر عن مقتل 176 شخصاً هم جميع من كانوا على متنها.
وبعد أيام من الكارثة، اعترفت القوات المسلّحة الإيرانية بأنّها أسقطت الطائرة بصاروخ عن طريق الخطأ.
الاعتذار
وفيما شدد روحاني على أنه "يجب الاعتذار ومصارحة الشعب بسبب التأخر في إعلان سبب إسقاط الطائرة"، قال إن "تدارك هذا الخطأ يجب ألا يكون عبر إضعاف القوات المسلحة الإيرانية"، موضحا أن "أولئك الذين ارتكبوا خطأ إسقاط الطائرة الأوكرانية هم حماة أمن البلاد".
ودعا الرئيس الإيراني القوات المسلحة والأركان العامة إلى أن "تشرح هذه القضية منذ البداية للشارع"، مضيفا: "يجب أن نشرح ما حصل بصدق للشعب، فهذا يخفف المأساة، كما تجب معالجة الموضوع من خلال السلطة القضائية بطريقة تقنع الرأي العام المحلي والعالمي".
وأكد أن على السلطات الإيرانية "بعد هذا الخطأ غير المقبول والمؤسف والمؤلم أن تطمئن الشعب والعالم بأن مثل هذا الحادث لن يتكرر في إيران".
ومضى قائلا: "اعتذروا للشعب عن التأخر في إعلان السبب واذا كانت اللغة التي اتبعت سيئة، فاعتذروا أيضا مرة أخرى".
بدوره، اعترف وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، الأربعاء، بأن الإيرانيين "كُذب عليهم" لعدة أيام بشأن إسقاط الطائرة.
وتمثل تصريحات ظريف في نيودلهي المرة الأولى التي يشير فيها مسؤول إيراني إلى الرواية السابقة حول سقوط الطائرة الأوكرانية بسبب خلل فني.
أشعل إسقاط الطائرة أيامًا من الاحتجاجات الغاضبة في البلاد.
وقال ظريف: "في الليالي القليلة الماضية، كان لدينا أشخاص في شوارع طهران يتظاهرون ضد حقيقة أنه كُذب عليهم لبضعة أيام".
وأثنى ظريف على الجيش الإيراني لكونه "شجاعًا بما يكفي ليعلن مسؤوليته مبكراً".
روحاني: لم نتوقع اغتيال سليماني
وحول اغتيال سليماني، أشار إلى أن طهران "لم تكن تتوقع" أن تستهدف الولايات المتحدة "بصاروخ أحد قادة مكافحة الإرهاب وهو يحلّ ضيفا على دولة ثالثة".
وذكر المسؤول الإيراني أن بلاده قامت بالرد على اغتيال قائد "فيلق القدس" قاسم سليماني، و"الرد الأكبر هو طرد أميركا من المنطقة".
وأعلن "الحرس الثوري" الإيراني، بعد منتصف ليل الثلاثاء- الأربعاء الماضي، أن قواته استهدفت قاعدة عين الأسد، التي تضم جنوداً أميركيين في محافظة الأنبار العراقية، بصواريخ أرض- أرض، إضافة إلى القاعدة الأميركية في أربيل، في أول رد إيراني على اغتيال واشنطن سليماني.
وشدد على أن هذه الضربات "أثبتت أننا لن نتنازل أمام أميركا، وإذا ارتكبت أي جريمة ستتلقى الرد"، إلا أنه شدد في الوقت نفسه على أن "هناك ردا أكبر، وهو أن تسعى شعوب المنطقة لطرد أميركا منها"، مشيرا، في هذا الصدد، إلى قرار البرلمان العراقي حول إخراج القوات الأجنبية من العراق، بما يشمل القوات الأميركية، وقال إن "هذا الهدف يمكن ألا يكون قصير الأمد، وأن يأخذ الوقت، لكننا سنتابعه".
تهديد الأوروبيين
إلى ذلك، قال روحاني إن الجنود الأوروبيين المنتشرين في الشرق الأوسط "ربما يكونون عرضة للخطر". وأضاف "اليوم، أصبح الجندي الأميركي في خطر، وغدا قد يكون الجندي الأوروبي في خطر".
وشدد الرئيس الإيراني على أن طهران "لا تريد الاضطراب الأمني في المنطقة والعالم، وعلى أميركا إعادة النظر في سياساتها"، داعيا أميركا وأوروبا إلى "عدم زعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة".
واتهم روحاني الولايات المتحدة وأوروبا بـ"زعزعة الاستقرار" في المنطقة، داعيا إياهما إلى "الكف عن ذلك"، محملا إياهما مسؤولية "جرائم كثيرة" بحق الشعب الإيراني وشعوب المنطقة.
وأضاف: "أقول للعالم إن انعدام الأمن في المنطقة ليس لصالح أحد، خاصة في هذه المنطقة الحساسة والهامة".
وخاطب الإدارة الأميركية قائلا: "ارتكبتم خطأ حول الاتفاق النووي ومن خلال اغتيال سليماني، وفي المنطقة والعراق واليمن، وحظر النفط الإيراني"، داعيا إياها إلى "الكف عن السياسات الخاطئة"، ليقول إن إيران مستعدة للتفاوض حال عادت أميركا عن "طريق الخطأ واختارت مسارا لصالح الأمن والاستقرار في المنطقة".
وأكد أن بلاده تريد انسحاب القوات الأميركية من المنطقة "لكن ليس عبر الحرب، لذلك نطلب منهم الخروج منها بعقلانية، وهذا لصالحهم".
النووي الإيراني
وفي ما يتصل بالشأن النووي، قال إن "اتهام إيران بالسعي لامتلاك السلاح النووي واهٍ ومضحك"، مبرزا أن "كل ما نفعله في المجال النووي هو تحت رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية"، ومشددا على أن خطوات إيران النووية لتقليص التعهدات "يمكن العودة عنها حال نفذت أوروبا التزاماتها".
وكانت الحكومة الإيرانية قد أعلنت المرحلة الخامسة و"النهائية" من تقليص تعهداتها النووية عشية انتهاء مهلة الـ60 يوماً الرابعة، التي كانت طهران قد منحتها سابقاً للأطراف الأوروبية للوفاء بتعهداتها الاقتصادية لدعم موقفها في مواجهة العقوبات الأميركية.
وأكدت الحكومة الإيرانية، في بيانٍ، أنها خلال هذه المرحلة، ستوقف الالتزام بالقيد الوارد في الاتفاق النووي حول عدد أجهزة الطرد المركزي الـ5060، المسموح باستخدامها وفق الاتفاق. وكانت طهران تستخدم قبل التوقيع على الاتفاق النووي عام 2015، نحو 19 ألف جهاز للطرد المركزي.
بالإضافة إلى ذلك، شدّدت الحكومة الإيرانية على أنه بهذه الخطوة، تكون قد كسرت كافة القيود التي فرضت على برنامجها النووي "في المجال العملياتي"، أي في مجالات كمية تخصيب اليورانيوم ومستوى التخصيب وإنتاج اليورانيوم المخصب والتطوير والبحث النووي. وأشارت إلى أن البرنامج النووي الإيراني سيتقدم "وفقاً لاحتياجات البلاد الفنية"، ما يعني أن الاتفاق النووي الذي فرض قيوداً صارمة على هذا البرنامج، لم يعد له دورٌ في رسم ملامحه ومستقبله.
ودعا روحاني أوروبا إلى "العودة للاتفاق النووي وتنفيذ تعهداتها".
وانتقد تصريحات رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، بشأن ضرورة أن يكون الاتفاق الذي ينشده الرئيس الأميركي دونالد ترامب بديلا للاتفاق النووي، متسائلا: "ماذا فعل ترامب غير انتهاك العهد والقوانين والمقررات الدولية".
وخاطب روحاني الدول الأوروبية الثلاث، بريطانيا وفرنسا وألمانيا، قائلا "اذا اتخذتم خطوة خاطئة ستتضررون. فاختاروا الطريق الصحيح، وهو العودة للاتفاق النووي".
وأتى كلام روحاني بعد ساعات من تأكيد فرنسا وبريطانيا وألمانيا، الثلاثاء، أنها قامت بتفعيل آلية فض النزاع المنصوص عليها في الاتفاق النووي مع إيران، في ضوء ما سمتها "انتهاكات طهران المستمرّة للاتفاق"، لكنها قالت إنها لم تنضم إلى حملة الضغوط القصوى الأميركية على إيران.
وقالت الدول الأوروبية الثلاث، في بيان مشترك: "نحن لا نقبل التذرع بأن لإيران الحق بالحدّ من الالتزام بالاتفاقية"، موضحة أنه لم يعد أمامها خيار سوى تفعيل الآلية التي يمكن أن تؤدي في نهاية المطاف إلى فرض عقوبات دولية على طهران. وأضافت: "بدلاً من عكس المسار، اختارت إيران تقليص الالتزام بشكل أكبر".
وأردف بيان الدول الثلاث "فعلنا ذلك بنية طيبة بهدف شامل هو الحفاظ على الاتفاق النووي، وبأمل مخلص في إيجاد وسيلة للسير قدماً باتجاه حل الأزمة من خلال حوار دبلوماسي بناء، مع الحفاظ على الاتفاق والاستمرار ضمن إطاره".
المشهد الداخلي
وأشار روحاني إلى المشهد الداخلي، قائلا إن "إيران للجميع، ولدينا مصالح مشتركة، وكلنا أصحاب هذه الأرض والنظام"، معتبرا أن "هناك أنماط حياة مختلفة في إيران ويجب احترام خيارات وأفكار الناس"، ليؤكد أن "البلاد ليست لفكر وتيار محدد، وهي للجميع".
وانتقد رفض أهلية مرشحين إصلاحيين من قبل مجلس صيانة الدستور لخوض الانتخابات التشريعية القادمة خلال الشهر المقبل، قائلا "لا معنى للانتخابات إذا كان المرشحون من لون واحد"، مضيفا: "يعز علينا حتى وجود معارض واحد في البلاد. وأنتم تحولون تيارا وشرائح للمعارضة".
ودعا إلى تحويل المشاكل التي واجهتها إيران خلال الأيام الأخيرة إلى "قرار كبير"، مشيرا إلى أن هذا القرار "هو مصالحة وطنية"، قائلا: "تعالوا نتصالح جميعنا في ما بيننا، وأن تكون هذه الانتخابات الخطوة الأولى، أو أن تكون ذكرى انتصار الثورة الخطوة الأولى".