هولاند يصحح الخطأ التاريخي: تحوّل بالتعاطي مع اللاجئين

05 سبتمبر 2015
هولاند بدا وكأنه يعترف بخطأ سياسي فرنسي (طوماس كامبيان/الأناضول)
+ الخط -

بعد الصدمة القوية التي خلّفتها صورة جثة الطفل السوري الغريق عيلان عبدالله، سرّع الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند من وتيرة التغيير في السياسة الفرنسية إزاء قضية اللاجئين. وبعد مكالمة هاتفية مع المستشارة الألمانية انجيلا ميركل، أعلن هولاند عن مبادرة فرنسية ألمانية سيتم عرضها على المفوضية الأوروبية، وتتمثل في وضع آلية دائمة وإجبارية لتوزيع متكافئ للاجئين على مختلف بلدان الاتحاد الأوروبي، بما فيها بلدان شرق أوروبا، وفق نظام حصص إلزامي ودقيق. وسيتم تدارس هذا الاقتراح في 14 أيلول/سبتمبر الحالي، أثناء اجتماع لوزراء الداخلية في بلدان الاتحاد الأوروبي وأيضاً أثناء القمة الأوروبية الاستثنائية التي ستلي هذا الاجتماع وتُخصص لتداعيات قضية اللاجئين.

وكان من اللافت أن هولاند بدأ إعلانه بالاعتراف بأن "قضية اللاجئين تطورت وأن الاجراءات التي سبق وأن اتخذتها فرنسا صارت غير كافية". وكانت تلك إشارة إلى تحوّل كبير في الموقف الفرنسي. ففي شهر مايو/أيار الماضي، انتقد هولاند بشدة المقترح الأوروبي القاضي بوضع آلية لتوزيع أعداد اللاجئين على بلدان الاتحاد الأوروبي واعتبر أن "فرنسا غير ملزمة بتطبيق نظام الحصص، لأنه يتناقض مع مبادئ الدولة الفرنسية". كذلك رفض رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس، بشدة هذا المقترح وهاجمه أثناء زيارة خاطفة للحدود الفرنسية الايطالية حيث كانت قوى الأمن الفرنسي تحتشد لمنع المهاجرين من دخول الأراضي الفرنسية.

وبدأت إرهاصات التحوّل في الموقف الفرنسي، الأسبوع الماضي إثر إعلان ألمانيا فتح أبوابها للاجئين السوريين لأسباب إنسانية في خضم الصدمة التي خلّفها اكتشاف شاحنة مكتظة بجثث واحدٍ وسبعين سورياً في النمسا، في موقف عزل الرؤية الفرنسية المتشددة لقضية اللاجئين وجعل باريس تظهر بالمقارنة مع برلين وكأنها تتنكر للمبادئ الانسانية التي ترفعها كشعار للجمهورية الفرنسية. وبادر فالس الأحد الماضي في ختام أعمال الجامعة الصيفية للحزب الاشتراكي الحاكم، إلى الإعلان عن الخطوط العريضة للتحوّل الفرنسي، حين أكد "ضرورة التحلّي بالمسؤولية والرؤية الإنسانية" تجاه المهاجرين، وواجب استقبال وإيواء "الأشخاص الذين يهربون من الحروب والقمع والتعذيب والأنظمة الدكتاتورية".

وغداة هذا الخطاب قام فالس لأول مرة بزيارة مدينة كاليه عند الحدود الشمالية مع بريطانيا التي صارت رمزاً لأزمة الهجرة واللجوء في فرنسا. وكانت مناسبة للإعلان عن حزمة تدابير جديدة منها بناء مراكز إيواء جديدة للاجئين وتسريع معالجة طلبات اللجوء.

اقرأ أيضاً: أوروبا شرقية وغربية مجدداً: حصص إلزامية للاجئين ومحطات بديلة

غير أن تحركات فالس وإعلاناته لم ترقَ إلى خطاب هولاند الذي بدا وكأنه يعترف بخطأ سياسي فرنسي فظيع في التعامل مع قضية اللاجئين، ورفع مجال التحليل إلى مستوى أخلاقي بعيداً عن الحسابات السياسية والأرقام الإحصائية، حين أكد أن الأمر "لا يتعلق بكلمات جوفاء بل بإنقاذ حياة الناس". وهذه هي المرة الأولى التي يطغى فيها الأخلاقي على السياسي في الموقف الرسمي الفرنسي.

وبرز هذا المنحى الأخلاقي في معظم ردود أفعال الأحزاب السياسية الفرنسية تجاه قضية اللاجئين. فقد وقّع 34 نائباً اشتراكياً أمس الجمعة، عريضة طالبوا فيها الحكومة الفرنسية والاتحاد الأوروبي "بتغيير جذري في التعامل مع هذه القضية ووضع سياسة قوية لحماية اللاجئين وإيوائهم لأن السياسة الحالية عاجزة أمام التدفق الهائل للاجئين". وجاء في هذه العريضة أيضاً أن "سكان أوروبا نصف مليار شخص ولو استقبلت أوروبا مليون لاجئ فلن يُشكّل هؤلاء سوى صفر فاصل اثنين في المائة من تعداد السكان الإجمالي، وهل يجب هنا التذكير بأن لبنان لوحده يستقبل أكثر من مليون و200 ألف لاجئ سوري؟".

ويرى عدد من المتابعين للسياسة الفرنسية، بأن هولاند مضطر للقيام بتغيير جوهري في قضية اللاجئين سيذهب أبعد من قضية التوزيع المتكافئ والإلزامي لأعداد اللاجئين على دول الاتحاد الأوروبي. فهولاند الذي سبق وأن صرح في خطابه في 25 أغسطس/آب الماضي في المؤتمر السنوي للسفراء الفرنسيين، بأن "أوروبا بصدد دفع ثمن غالٍ لترددها إزاء الأزمة السورية"، يعي جيداً أن أزمة اللاجئين هي من بين نتائج الأزمة السورية، وأن الحل الجذري يكمن في الدفع باتجاه تدخّل دولي حاسم للقضاء على تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) وأيضاً التخلص من النظام السوري، وهذا يفترض إرادة أوروبية وأميركية لإرسال قوات برية إلى سورية والعراق، وهو الأمر الذي ما يزال بعيد المنال في السياق السياسي الدولي الحالي.

اقرأ أيضاً: والد الطفل السوري الغريق: هكذا فقدت عيلان وأخاه وأمهما

المساهمون