تداعي اتفاق الرياض: السعودية تفشل بأول اختبار سياسي باليمن

15 فبراير 2020
يصر الانفصاليون على أن تكون عدن من نصيبهم(فرانس برس)
+ الخط -

بعدما أخفقت السعودية في كسر شوكة الحوثيين خلال 5 سنوات من الحرب في اليمن، وعقب خيبات في الملف العسكري الذي باتت تُصارع فيه منفردة، فإن المملكة فشلت أيضاً في أول اختبار سياسي، بعد مرور 100 يوم على اتفاق الرياض بين الحكومة الشرعية و"المجلس الانتقالي الجنوبي"، الموقّع في 5 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بهدف وضع حد لتبعات انقلاب الانفصاليين في جنوب اليمن.

وبات واضحاً أن عام 2020 سيحفل بكثير من الاستحقاقات التي تواجهها السعودية في اليمن، جراء سوء إدارتها لهذا الملف، منذ مارس/آذار 2015، في ظل انسحاب الإمارات، أبرز حلفائها في حرب اليمن، وصولاً إلى انهيار الاتفاق الذي هللت له بين الحكومة والانفصاليين المدعومين من أبوظبي. وعقب انتهاء المُدد الزمنية لتنفيذ بنوده، السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، من دون تحقيق أي إنجاز على الأرض، بات اتفاق الرياض في حكم المنتهي، فيما بدأ الانفصاليون، المدعومون من الإمارات، بقرع طبول حرب جديدة في مدن جنوب اليمن. وتوعّد الشيخ السلفي المقرب من أبوظبي، هاني بن بريك، مساء الخميس الماضي، بحرب جديدة على الحكومة الشرعية في حال فكرت بما وصفه بـ"الانقضاض" على اتفاق الرياض والتوجّه إلى عدن. وقال إنهم "يعشقون الموت" في سبيل ذلك.

وحدد بن بريك، الذي نصّبته الإمارات نائباً لرئيس "المجلس الانتقالي الجنوبي" الانفصالي، خارطة لخروج القوات الحكومية من أبين وشبوة ووادي حضرموت، والتوجّه بعدها لتحرير صنعاء، في تصريحات تبدو تحدياً صريحاً للسعودية، ونسفاً لبنود اتفاق الرياض الذي كان قد حدد بالفعل خارطة انسحابات بأوقات محددة لكلا الطرفين من مدن جنوب اليمن. ملامح الفشل السعودي في تنفيذ بنود اتفاق الرياض على أرض الواقع، لم تكن محصلة لـ100 يوم حددتها الجداول الزمنية المفترضة، بل بدأت منذ الأسبوع الأول، إذ تأخرت عودة الحكومة الشرعية لأكثر من 10 أيام جراء عراقيل وضعها "المجلس الانتقالي". وكان من المفترض أن تكون عودة الحكومة مقدمة لتدشين الاستحقاقات السياسية والعسكرية الأخرى في اتفاق الرياض، لكن الإنجاز اليتيم تبخر هو الآخر، بعد عودة رئيس مجلس الوزراء اليمني معين عبدالملك، إلى الرياض الأربعاء الماضي، بعد 80 يوماً قضاها حبيساً خلف جدران قصر معاشيق الرئاسي، ولم يشارك في أي فعالية خارج أسواره. وقالت مصادر، لـ"العربي الجديد"، إن مجلس الوزراء لم يلتئم طيلة الفترة الماضية، جراء شغور غالبية مقاعد الوزراء الذين رفض الانفصاليون السماح لهم بالعودة إلى عدن، ويتوزعون بين الرياض ومسقط والقاهرة.

وحشدت السعودية طيلة المائة يوم الماضية، عشرات الآليات العسكرية الحديثة إلى عدن، بهدف حماية مقرات قواتها في البريقة وقصر معاشيق الرئاسي، بعد سحب الإمارات كامل عتادها، لكنها افتقرت للحزم، وهو ما جعل قيادات "المجلس الانتقالي" لا تكترث، إذ واصلت إطلاق تهديداتها منذ الأيام الأولى لتوقيع الاتفاق، وخصوصاً في ما يتعلق بالانسحاب من عدن. وفقاً للجداول الزمنية؛ فقد كان من المفترض أن يتم تعيين محافظ جديد لعدن ومدير للشرطة في 5 ديسمبر/كانون الأول الماضي، أي بعد شهر من التوقيع على اتفاق الرياض، لكن "المجلس الانتقالي" رفض عدة قوائم للمرشحين طرحها المفاوضون من جانب الحكومة الشرعية، وفقاً لمصادر مطلعة. وقالت المصادر، لـ"العربي الجديد"، إن المجلس أصر على أن تكون محافظة عدن من نصيبه، ورشّح لها القيادي السلفي البارز المقرب من أبوظبي، عبدالرحمن شيخ، الذي يتزعم أيضاً آلاف العناصر المليشياوية المعروفة بقوات الدعم السريع. وحسب المصادر، فقد فضّلت السعودية ترحيل مسألة تعيين محافظ عدن إلى ما بعد الانتهاء من الانسحابات العسكرية. ومن أجل ذلك، استدعت قيادات في المجلس الانفصالي إلى الرياض، وتم بعدها التوقيع على ما عُرف بـ"مصفوفة الانسحابات العسكرية".

وكان من المفترض، أن تبدأ لجنة سعودية في الأسبوع الثاني من يناير/كانون الثاني الماضي، بالإشراف على انسحابات متبادلة في تخوم أبين وشبوة، وتجميع الأسلحة الثقيلة والمتوسطة، وتبادل أسرى أحداث أغسطس/آب الماضي، وذلك قبل الانتقال إلى تعيين محافظ جديد لعدن في 18 من الشهر ذاته. ولم تحقق اللجنة السعودية أي اختراق في تلك المصفوفة سوى إبرام عملية تبادل لـ38 أسيراً من أحداث عدن، فيما رفض المجلس الانفصالي الانسحاب من جبال أبين، واشترط أن تبدأ القوات الحكومية بالانسحاب من محافظة شبوة، في مؤشر للانقضاض عليها، بعد أن تم دحر الانفصاليين منها قبل 6 أشهر.


ولم تتوقف عراقيل الانفصاليين خلال الفترة الماضية على ذلك، بل قامت قوات "المجلس الانتقالي" باقتحام ميناء عدن والاستيلاء على 4 حاويات من العملة المحلية المطبوعة قبل وصولها إلى البنك المركزي اليمني، ورفضت تسليمها إلا بعد التزام السعودية بتسليم مرتباتهم منها، بعد أن تخلت الإمارات عنهم مالياً. وكشفت مصادر حكومية، أن النقاشات بين الطرفين لم تصل إلى موضوع تشكيل ما سماها "حكومة الكفاءات"، والتي كان من المقرر أن تتألف من 22 عضواً فقط، بالمناصفة بين المحافظات الشمالية والجنوبية. وبدا أن السعودية، بطرحها اتفاق الرياض، سعت لفرض وصاية أكبر على الأراضي الجنوبية من اليمن التي كانت في متناول الإمارات منذ بدء الحرب، لكن الأمر قد يرتد سلباً عليها، مع تعقّد المشهد وتوقعات بانفجار حرب جديدة لم تكن في الحسبان بالنسبة للرياض، وفق مراقبين.

واعتبر المحلل السياسي اليمني، عبد الناصر المودع، أن اتفاق الرياض هو أحد مظاهر سوء إدارة السعودية للملف اليمني، وكان خاطئاً منذ البداية، إذ إنه يهدف إلى شرعنة القوى الانفصالية، بجعلها جزءاً من حكومة الجمهورية اليمنية التي لا يعترف بها هذا المجلس. وقال المودع، في تصريحات لـ"العربي الجديد": "هذا الاتفاق سيجعل من المليشيات الانفصالية جزءاً من قوات الجمهورية اليمنية، وهذا عمل خاطئ. إضافة إلى ذلك، فإنه يمنح السعودية صفة الدولة الوصية على عمل الحكومة والقوات العسكرية في المناطق الجنوبية. وكل ذلك يعني أن اتفاق الرياض يزيد من تعقيد المشهد في اليمن، ويخدم الحوثيين في محصلته النهائية". ورأى المودع أن اتفاق الرياض لا يمكن تطبيقه بحذافيره، لأنه يقوم على افتراضات خاطئة، مثل سهولة دمج القوى المتصارعة، وقبولها بتسليم جزء من أسلحتها ومواقعها لخصومها. وأضاف: "كما أن الاتفاق يفترض أن السعودية لديها القدرة والرغبة لتقوم بدور دولة الوصاية، كما كان حال سورية مع لبنان حتى 2005، لكن المملكة لا تملك القدرة ولا الشرعية ولا الرغبة لتقوم بدور الدولة الوصية في اليمن، بعد أن تعقّدت الأوضاع وخسرت الكثير من الأوراق خلال فترة الحرب، التي كشفت هشاشة الإدارة السعودية للشأن اليمني وتخبطها وغياب الرؤية الواضحة".

وبعد انقضاء المائة يوم من اتفاق الرياض، يتوقع مراقبون أن تكون الأيام المقبلة حافلة بالكثير من المستجدات على الساحة اليمنية. وإضافة للتصعيد الحوثي في عدد من محافظات الشمال، يتجه "المجلس الانتقالي الجنوبي" للتصعيد مجدداً وليّ ذراع السعودية التي تصارع منفردة على جبهتين متباعدتين من دون أي حليف، بعد الهروب الإماراتي من اليمن.