إسرائيل تقايض الأسد: طرد الإيرانيين مقابل استقرار النظام

12 مايو 2018
سواح بالجولان المحتل حيث ساد الهدوء التام أمس(ليور مزراحي/Getty)
+ الخط -
سريعاً بردت حماوة المعركة القصيرة التي شهدتها الأراضي السورية ليل الأربعاء ــ الخميس الماضي بين إيران وإسرائيل، لتفتح صفحة المقايضات السياسية والعروض والعروض المقابلة، بعدما كانت الأجواء تفيد بحرب قد تصبح إقليمية، مع اصطفاف الدول الغربية الكبرى خلف إسرائيل، مع تحميل "مسؤولية الاستفزاز" لإيران، ربما لاستخدام الضغط عليها انطلاقاً من الملف السوري، في مفاوضات مقبلة بين الدولة الأوروبية المعنية بالاتفاق النووي وطهران، التي تبدأ أولى جولاتها بعد غد الإثنين في بروكسل. واستفاقت إيران أمس على وقع أجواء إنكار تام لأي ارتباط لها بالعملية التي أطلقت عليها دولة الاحتلال تسمية "عملية بيت الورق"، والتي بدأت بـ20 صاروخاً قالت تل أبيب إن فيلق القدس أطلقها إلى الجولان المحتل من داخل الأراضي السورية، فردت دولة الاحتلال بضرب 50 هدفاً إيرانياً في سورية. وبعد صمت دام لأكثر من 24 ساعة، اعتبرت طهران أن العدوان استهدف سورية، أي أنه لم يستهدف إيران، بينما عرضت إسرائيل على رئيس النظام السوري بشار الأسد مقايضة تنص على تخلي الأخير عن القوات الإيرانية على الأراضي السورية، مقابل ضمان استقرار نظامه، وسط تسريب روسي يبدو مرتبطاً بشكل مباشر بحرب الأربعاء ــ الخميس، يفيد بأن موسكو قررت عدم تسليم النظام السوري منظومة صواريخ أس 300 القادرة على استهداف المقاتلات الإسرائيلية التي تقصف الأراضي السورية باستمرار. قرار ربما أمكن ربطه بحقيقة أن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو أبلغ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في موسكو، يوم الأربعاء، بالأهداف الإيرانية التي ستقصفها مقاتلاته في سورية، وهو ما نتج عنه إرسال بوتين نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف فوراً إلى طهران، لتحذير الإيرانيين من النوايا الإسرائيلية، وهو ما يفسر ربما حصيلة قتلى متواضعة قال المرصد السوري لحقوق الانسان إنها لم تتعدّ الـ23 شخصاً بالصواريخ الإسرائيلية السبعين التي سقطت على الأراضي السورية. 

لكن يوسي ميكلبرغ من مركز الأبحاث "شاتام هاوس" في لندن يرى أن موسكو "ليست راضية عن أن تحظى إيران بكثير من السلطة والنفوذ" في سورية. وأضاف أن الضربات الإسرائيلية تمت على الأرجح "بموافقة ضمنية من روسيا التي تعتبر أن إيران تشكل خطراً على مصالحها". وبحسب صحيفة "هآرتس"، فإن ضباط استخبارات إسرائيليين قالوا لوزراء، يوم الخميس، إن اندلاع مواجهة جديدة مع ايران في سورية ليس مرجّحاً. لكن الصحيفة حذرت أيضاً في افتتاحيتها من المبالغة في ردود الفعل الإسرائيلية الواثقة، لأن "طهران يمكن أن تلجأ إلى سلاحها الثقيل، أي حزب الله، وعندها سيأخذ النزاع بعداً مختلفاً تماماً". غير أن موقع "ولا" الإسرائيلي نقل عن مصادر في جيش الاحتلال جواً معاكساً، لأن تقديرات الجيش على ضوء المواجهة الأخيرة في الجولان، تشير إلى أن حزب الله حذر للغاية في هذه الفترة من خوض المواجهة مع إسرائيل تحسباً من رد عسكري. ونقل الموقع عن مصادره في الجيش أن "الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله لم يعد دمية إيرانية، بل ينأى بنفسه عن طهران إلى حد ما". وأشارت هذه التقديرات إلى أنه لو لم يقع الهجوم الجوي الإسرائيلي في سورية، "لكانت القوات الإيرانية شنت هجوماً أوسع في الجولان أو نفذت سلسلة عمليات مختلفة، لا سيما أنه يوجد في سورية اليوم ما بين 1000 إلى 2000 عنصر إيراني غالبيتهم من المستشارين وقلة منهم في صفوف المقاتلين" بحسب تعبير "ولا". ووفق الموقع نفسه، فإن المستوى السياسي الإسرائيلي كان يريد رداً أشد قوة، إلا أنه قَبِل في نهاية المطاف بموقف الجيش بشن ضربة قوية ولكن عينية ومحدودة لا تهدف إلى القضاء على قدرات إيران في سورية.



ونقلت صحيفة "إزفيستيا" الروسية عن فلاديمير كوجين، وهو مساعد لبوتين، قوله أمس الجمعة إن روسيا لا تجري محادثات مع الحكومة السورية لإمدادها بصواريخ إس-300 أرض جو المتطورة ولا تعتقد أنها ضرورية، في تحول في الموقف الروسي الذي كان أكد نيته تزويد دمشق بهذه المنظومة فور حصول الضربة الأميركية الفرنسية البريطانية على سورية في إبريل/ نيسان الماضي، وهو ما استفز مواقف إسرائيلية رافضة بالكامل، نظراً إلى أن من شأن حصول نظام الأسد على منظومة أس 300 أن يخل بموازين التفوق الجوي الإسرائيلي. وجاءت تصريحات كوجين، الذي يشرف على المساعدات العسكرية الروسية للدول الأخرى، في أعقاب زيارة نتنياهو إلى موسكو. ونسبت صحيفة "إزفيستيا" لكوجين القول عند سؤاله عن احتمال تزويد سورية بصواريخ إس-300: "في الوقت الراهن، نحن لا نتحدث عن أي عمليات تسليم لأنظمة (دفاع جوي) حديثة". وأضاف "الجيش السوري لديه بالفعل كل ما يحتاج إليه".

في المقابل، نددت إيران بالضربات الإسرائيلية على سورية، معتبرة أنها "تمت على أساس ذرائع مفبركة"، تعليقاً على إعلان جيش الاحتلال أن القصف استهدف مواقع إيرانية. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية بهرام قاسمي إن "الهجمات المتكررة للكيان الصهيوني على الأراضي السورية التي جرت بذرائع مفبركة ولا أساس لها تعد انتهاكاً للسيادة الوطنية ووحدة الأراضي السورية وعملاً يتعارض مع جميع القوانين والقرارات والمعايير الدولية"، معتبراً أن لسورية الحق الكامل بالدفاع عن نفسها. وفي الجبهة الإسرائيلية، ركزت وسائل الإعلام الإسرائيلية على أن الضربة العسكرية لإيران أضرت كثيراً بقدراتها على إطلاق صواريخ باتجاه الأراضي المحتلة، بينما دعا وزير الأمن الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان، خلال جولة تفقدية في مستوطنات الجولان المحتل، بشار الأسد إلى "التخلص من إيران وإخراج القوات الإيرانية من سورية". وقال ليبرمان إنه "ينبغي ضرب الحديد وهو ساخن، وعليه فإن رسالته للأسد هي: اطرد الإيرانيين وأخرج قاسم سليماني وفيلق القدس فهم لا يساعدونك بل وجودهم لا يؤدي إلا إلى مشاكل وأضرار، أخرجوا الإيرانيين وعندها سيكون ممكناً فعلاً الانتقال لعيش حياة أخرى". ودعا ليبرمان، خلال الجولة، إلى عدم المبالغة في تبعات الجولة العسكرية الأخيرة ضد إيران، معتبراً أنه "لا خطأ يماثل خطأ النشوة والتكبر، لقد وقع حدث لا أعتقد أنه أنهى كافة المشاكل، وكل التوترات والاحتكاك، يجب وضع الأمور في نصابها الصحيح". وتطرق ليبرمان إلى تصريحات الرئيس الإيراني حسن روحاني حين أبلغ المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أن إيران غير معنية بالتصعيد، فقال ليبرمان: "هذه رسالة مهمة، وآمل أنها ليست مجرد كلام معسول بل رسالة حقيقية، نحن لا نبحث عن أي احتكاك، ولا أي مواجهة إضافية مع أي طرف. لم نأت للحدود مع إيران، هم الذين جاءوا إلى هنا. إذا ترجمت هذه الرسالة إلى سياسة عملية، فسيكون ممكناً أخيراً أن نقول إن شيئاً جيداً صدر عن هذا الاتجاه". مع ذلك عاد ليبرمان وقال إنه في حالة وجود "قنبلة موقوتة"، أو إذا حاول أحد ما تنفيذ عملية ضد دولة إسرائيل أو إطلاق صواريخ، "فسنحاول دائماً استباقه".


وقد أظهر استطلاع للرأي العام في إسرائيل، نشره موقع معاريف، أن 54 في المائة من الإسرائيليين يؤيدون المواجهة مع إيران، ويتفقون مع الخط المعلن من قبل نتنياهو ومفاده بأنه "إذا فرض علينا خوض مواجهة عسكرية مع إيران فمن المفضل أن يحدث ذلك الآن وليس لاحقاً". في المقابل قال 54 في المائة أيضاً من الإسرائيليين إنهم قلقين من حالة الجبهة الداخلية ويعتقدون أنها ليست جاهزة وغير محمية بما فيه الكفاية لحالة مواجهة عسكرية مع إيران. وعن نتائج المواجهة وإدارة الأزمة، اعتبر 69 في المائة أنهم راضون عن طريقة إدارة نتنياهو لملف الوجود الإيراني في سورية، فيما أعرب 65 في المائة عن تأييدهم أيضاً طريقة إدارة نتنياهو لموقف إسرائيل من الملف النووي الإيراني، فيما عارض خط نتنياهو في الملفين 21 في المائة من الإسرائيليين الذين شاركوا في الاستطلاع.

المساهمون