القمة العربية... مكاسب رمزية لتونس

02 ابريل 2019
كان السبسي المستفيد الأكبر من القمة (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -
على الرغم من أن القمة العربية بنسختها الثلاثين، التي عُقدت الأحد في تونس، لم تنتهِ إلى أي قرارات استثنائية، إلا أن البلد المضيف استطاع تحقيق نجاح ربما أكثر مما كان يتوقعه التونسيون. وكانت تونس المستفيد الرئيسي من هذه القمة، ليس بسبب القرارات التي صدرت، والتي جاء معظمها شبيهاً بما تضمّنته قمم عربية سابقة، ولكن لكونها نجحت في جمع 13 قائداً عربياً في مرحلة انهار فيها النظام الإقليمي السابق، وعادت فيه سياسة المحاور بقوة، وتعددت الملفات الساخنة التي انقسمت حولها الأنظمة، واندلعت خلال السنوات الست الماضية أكثر من حرب ونزاع مسلح. لهذا تم اعتبار اجتماع كل هؤلاء المتخاصمين داخل قاعة واحدة في تونس، واستماعهم لبعضهم من دون مشاحنات أو توترات، مكسباً رمزياً لا يمكن التقليل من شأنه في هذه المرحلة الدقيقة والخطرة. واللافت للنظر أن إيران اعتبرت في تعليقها على البيان الختامي للقمة العربية، أن القمة كانت إيجابية، وأن ذلك يرجع إلى "الدولة المستضيفة". وعلى الرغم من محاولات بعض الأطراف تأويل مغادرة أمير دولة قطر تميم بن حمد آل ثاني، لضرب الأجواء العامة التي سادت القمة، إلا أن مستشارة الرئيس التونسي أوضحت الأمر، قائلة إن "رئاسة الجمهورية كانت على علم مسبق بمغادرته إثر افتتاح القمة"، وأضافت أن الأمير "قبِل الدعوة إكراماً ومحبة في الرئيس الباجي قائد السبسي".

وعادت الوفود الرسمية العربية والدولية وكذلك المئات من الإعلاميين بانطباع إيجابي عن هذا البلد الذي لا يزال البعض يتحدث عنه بسلبية ويشار إليه كأكثر بلد عربي صدّر إرهابيين إلى سورية والعراق وليبيا، لكن بعد قضاء ثلاثة أيام فيه أحسوا بأنهم في بلد آمن تمكّنت أجهزته الأمنية من تأمين اجتماع في أعلى مستوى، وحماية أمن 13 رئيساً وملكاً وأميراً، إلى جانب مسؤولين دوليين. كما لاحظوا أن العاصمة التونسية عادت إليها الحياة.

ولا شك في أن السبسي كان المستفيد الرئيسي من كل ذلك. فرصيده الدبلوماسي الكبير، وعلاقاته بكثير من الرؤساء، جعلا طلباته وتدخّلاته مقبولة من جميع ضيوفه، وهو ما ساعد كثيراً على تجنّب المشاحنات وردود الفعل غير الإيجابية، فكانت النتيجة عقد قمة بلا مشاكل. وإذا كان السبسي قد خسر عدة نقاط أساسية في سياساته الداخلية، إلا أنه تمكّن في المقابل من استثمار تاريخه ورصيده الدبلوماسي ليجعل من تونس مرة أخرى، وفي مرحلة صعبة ومعقّدة، مساحة آمنة يلتقي فيها القادة العرب، ويستمعون لبعضهم، ويظهرون أمام الرأي العام وكأنهم أسرة متجانسة، على الرغم من الألغام والخلافات الكثيرة التي تشق صفوفهم إلى درجة إظهار العداوة بينهم في اجتماعات سابقة.
وعلى الرغم من تعمّق الهوة داخلياً بين الرئيس التونسي ورئيس الحكومة يوسف الشاهد، ووصولها إلى قطيعة سياسية حقيقية، إلا أن الرجلين أظهرا خلال القمة حالة من التفاهم والانسجام، وتركا انطباعاً لدى المشاركين بأن في تونس دولة ونظاماً مستقراً، على الرغم من الخلافات والصعوبات الاقتصادية والاجتماعية، إلى جانب الأزمة السياسية المستمرة.


ويبقى السؤال: هل نجحت قمة تونس في حل الخلافات وإخراج المنطقة من المآزق التي تحيط بها من كل الجهات؟ لا أحد يمكنه أن يدعي ذلك، ولم يكن من أهدافها الحسم في كل القضايا الخلافية، فالتحديات التي يواجهها العرب حالياً أكبر بكثير من أن تُعالج في اجتماع واحد على مستوى القادة. فلكل نظام أجندته وحساباته وارتباطاته وأولوياته، ولهذا السبب حرصت الدبلوماسية التونسية على أن تقوم اجتماعات القمة برسم معالم الحد الأدنى، وأن تؤكد وجود قواسم مشتركة يمكن الاستناد إليها إذا توفّر العزم لدى الجميع، وهذا ما تضمّنه البيان الختامي.

إلى جانب ذلك، حققت القمة حداً أدنى من التوافق على مواضيع أساسية، ومنها رفض الجميع وبشكل قطعي قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب الاعتراف بـ"سيادة إسرائيل" على الجولان السوري المحتل. كما تم الاتفاق على التمسك بالثوابت الفلسطينية بما فيها حل الدولتين، وأن تكون القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية المنشودة. وهذا يعني أن من انخرط سابقاً في التسويق لمشروع "صفقة القرن" (المشروع الأميركي لفرض إملاءات تستهدف تصفية القضية الفلسطينية) قد تخلى عن ذلك، على الأقل في هذه المرحلة، بعدما رفضه الفلسطينيون شعباً وسلطة. كما دافعت القمة عن ضرورة تسوية الملف الليبي بطرق سلمية، وهو ما من شأنه أن يلغي الاعتقاد بأن استعمال السلاح هو الذي سيعيد وحدة الشعب الليبي ويفرض على بقية الأطراف الانضباط والاستسلام. ويبدو أن هناك توجهاً إقليمياً ودولياً نحو دفع طرفي النزاع في ليبيا، وخصوصاً اللواء خليفة حفتر، إلى القبول بتسوية سياسية يقبل بها الجميع، وأن يتخلى نهائياً عن مشروعه بعدما حلم بالوصول إليه عن طريق السلاح. ويبدو أن تطورات جديدة هامة منتظرة دفعت المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة، إلى التفاؤل من جديد والاعتقاد بأن احتمال التوصل إلى حل فعلي لهذه الأزمة المعقّدة أصبح قريباً بعدما طالت أكثر من اللزوم.

ولم يرفض أحد من القادة في القمة مسألة التوجّه نحو تحقيق الحد الأدنى من المصالحات التي من شأنها دعم التضامن العربي الذي دعا إليه السبسي في كلمته الافتتاحية، وجاء البيان الختامي ليتضمّن هذه الدعوة من دون أي تحفّظات، لكن من دون وضع أجندة وآليات لتحقيق ذلك في أجل منظور، فالخلافات بين العديد من العواصم العربية لا تزال عميقة، وجروح المرحلة السابقة بقيت مفتوحة إلى حد اليوم.

المساهمون