أفغانستان: تشكيكٌ في هزيمة "داعش" ومخاوف من إعادة تموضعه

02 ديسمبر 2019
استسلم المئات من عناصر "داعش" (نورالله شيرزادة/ فرانس برس)
+ الخط -
عاد تنظيم "داعش" في أفغانستان إلى دائرة الضوء مجدداً خلال الأيام الماضية، وبقوة، من بوابة الحديث عن هزيمته بشكل نهائي، والتي أكدها قادة دول ومسؤولون كبار، محليون ودوليون، على رأسهم الرئيس الأميركي دونالد ترامب، خلال زيارته القصيرة إلى قاعدة باغرام شرق كابول الخميس الماضي. وفيما تتفاخر كلّ من الحكومة الأفغانية والقوات الدولية بقدرتها على سحق التنظيم الإرهابي، وتعيد حركة "طالبان" هذا الإنجاز لها، يبقى مصير "داعش" الذي أعلن رسمياً في بداية عام 2015 تأسيسه فرعه في أفغانستان، تحت مسمى "ولاية خراسان"، غير محسوم، في ظلّ تأكيد القبائل شرق البلاد، حيث أوجد "داعش" معقله الرئيسي في إقليم ننجرهار، انتقاله إلى إقليم مجاور لأسباب "لوجستية"، وتحت تأثير الضربات التي تلقاها، سعياً لإعادة تجميع قوته، بانتظار فصل آخر من دورة العنف التي أوجدها في البلاد.

وشكلت مقاومة القبائل، ونفوذ "طالبان"، أحد أهم أسباب اضمحلال قوة "داعش" في هذه المنطقة الجبلية الواقعة على سفح جبل الأبيض الفاصل بين باكستان وأفغانستان. وتشكك زعامات قبلية، في حديث لـ"العربي الجديد"، في رواية القضاء الكامل على التنظيم، متسائلة ما إذا كان الأخير قد عمد إلى تبديل استراتيجيته تفادياً للاضمحلال الكامل.

تصريحات رسمية
وكان الأمين العام لحلف شمال الأطلسي، ينس ستولتنبرغ، آخر من تحدث عن هزيمة "داعش"، معتبراً في تصريح أدلى به من بروكسل الأسبوع الماضي أنه من غير المسموح للتنظيم أن يؤسس "خلافته" في أفغانستان، أو يرسخ قدميه فيها هذا البلد، أو أن يعمد إلى "لمّ شمله" في هذا البلد (بعد هزيمته في العراق وسورية)، مؤكداً مواصلة المجتمع الدولي، وتحديداً حلف شمال الأطلسي، الوقوف إلى جانب القوات المسلحة الأفغانية، ودعمها في مواجهة أي خطر أمني.

بدوره، هنّأ الرئيس الأميركي دونالد ترامب نظيره الأفغاني أشرف غني، خلال الزيارة المفاجئة التي قام بها يوم الخميس الماضي إلى قاعدة "باغرام" لتفقد جنود بلاده بمناسبة عيد الشكر، على هزيمة "داعش"، مشيداً بالدور الذي أدّته القوات المسلحة الأفغانية في مواجهة التحديات الأمنية، وفي هزيمة التنظيم الإرهابي تحديداً. من جهته، أكّد غني بنبرة منتصرة أمام القوات الأميركية، القضاء على "داعش" في معقله شرقاً، واعداً بالقضاء عليه نهائياً خلال الأشهر القليلة المقبلة، حيثما رصد له وجود في البلاد.

وكان الرئيس الأفغاني قد زار إقليم ننجرهار في 19 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، برفقة كبار المسؤولين وأعضاء البرلمان ومجلس الشيوخ. ومن هناك، أعلن غني هزيمة التنظيم، مهنئاً الحكومة والمسؤولين المحليين في الإقليم على هذا الإنجاز. من جهته، اعتبر حاكم الإقليم، شاه محمود مياخيل، أن هزيمة "داعش" نصرٌ كبير للجميع، جاء بفعل "تضحيات الجنود البواسل واهتمام الرئيس الفائق بالقضية"، مذكّراً بزيارات الأخير الأربع إلى الإقليم في غضون تسعة أشهر، للوقوف على آخر التطورات الأمنية، وتفقد الجنود على خطوط المواجهة. ولفت شاه محمود مياخيل إلى أن القضاء على "داعش" أصبح ممكناً أيضاً بفضل تعاون القبائل.

ولاحقاً، تفقّد كبار المسؤولين الأمنيين في أفغانستان، وهم وزير الدفاع أسد الله خالد، ووزير الداخلية مسعود أندرابي، ورئيس الاستخبارات أحمد ضياء سراج، يرافقهم قائد القوات الدولية في أفغانستان الجنرال سكوت ميلر، في 28 نوفمبر/ تشرين الثاني، مديرية أتشين في إقليم ننجرهار، حيث عقدوا اجتماعاً مع المسؤولين الأمنيين المحليين لمناقشة مرحلة ما بعد "هزيمة تنظيم داعش في الشرق"، بحسب إعلان الحكومة المحلية، ونشروا لهم صوراً مع الجنود على تلال مديرية أتشين.

في غضون ذلك، أعلن المسؤولون المحليون استسلام المئات من عناصر "داعش" مع أسرهم، من بينهم، بالإضافة إلى الأفغان، باكستانيون وطاجيك وأتراك ومن المالديف، وأغلبهم من سكان المناطق القبلية على الحدود داخل الأراضي الباكستانية. هؤلاء، سمحت لهم السلطات بالحديث أمام وسائل إعلام محلية، فأدلوا بإفادات متضاربة حيال هزيمة "داعش"، إذ قال منهم إن التنظيم هزم، فيما تحدث آخرون عن انتقال معقله من ننجرهار إلى إقليم كنر المجاور. وأكد عنصرٌ من سكان باكستان قاتل مع "داعش"، ويدعى مروت، في حديث لوسائل إعلام، بعد الاستسلام، وقوع منطقة شاسعة في إقليم كنر في قبضة التنظيم الذي نقل إليه ألف مسلح أخيراً.


"طالبان" تتبنّى الانتصار
من جهتها، تنسب حركة "طالبان" الفضل إليها في هزيمة التنظيم، مشيرة إلى إطلاقها خلال الفترة الأخيرة الماضية عمليات حربية واسعة شملت مختلف مناطق إقليم ننجرهار، ما أدى إلى تضييق الخناق على مقاتليه. وتقول الحركة إن الاستخبارات الأفغانية اكتفت بمد طوق نجاة لهؤلاء المقاتلين، تحت شعار "الاستسلام"، وذلك بعد إعلان الحكومة إطلاق "عمليات عسكرية"، وصفتها "طالبان"، في بيان، بالمزورة والخادعة، مؤكدة أن عناصر "داعش" كانوا يستسلمون للقوات الأفغانية أفواجاً، هرباً منها.

كما ذكرت الحركة أنها ليست المرة الأولى التي تدعي فيها الحكومة الأفغانية نجاح عمليات لها ضد "داعش"، بل سبق أن اعتمدت هذا التكتيك في مناطق عدة أخرى، مثل إقليم جوزجان في الشمال. واعتبرت "طالبان" في ذلك ما يشكّل دليلاً واضحاً، بحسب رأيها، على أن الحكومة الأفغانية هي التي تقف وراء خلق "داعش"، ووراء إنقاذه أيضاً، من أجل إعادة استخدامه، وإبقائه ورقة وتهديداً قائماً، حفاظاً على مصالحها.

حقيقة مصير "داعش"

منذ البداية، لم يكن إقليم ننجرهار شرق أفغانستان، الحاضنة الأساسية لـ"داعش"، على الرغم مما لهذه المنطقة من حدود شاسعة مع باكستان، يسهل معها تنقل المقاتلين. ويعود الأمر لسببين، الأول هو النفوذ الكبير الذي تتمتع به "طالبان" في الإقليم، وثانياً لأنه على امتداد الحدود، تقطن قبائل لها جذور راسخة في المنطقة، وهي معروفة بتمسكها بالمذهب السُنّي الحنفي، وبأعرافها وتقاليدها، التي يكفرها "داعش" جميعها، هو الذي كان صدامه الأول في أفغانستان مع القبائل تحديداً، المعروفة من جهتها بالوقوف تاريخياً في وجه أي تيار أجنبي.

لكن هل انهزم "داعش"، أم انتقل إلى إقليم كنر المجاور، حيث تسود "السلفية" بشكل أكبر بين سكانه، فيما تقل الروابط القبلية مقارنة بننجرهار؟

فيما يتحدث المسؤولون الأفغان على هزيمة التنظيم واستحالة إعادة تموضعه في البلاد، يؤكد زعماء قبليون في أفغانستان انتقال معظم عناصر "داعش" إلى كنر، تحت تأثير ضربات الحكومة من جهة، وعدائهم لـ"طالبان" من جهة أخرى. أما من استسلموا، فهم من لم يتمكنوا من عبور الجبال، وجلهم من النساء والأطفال والمقاتلين الأجانب.

وفي هذا الإطار، يقول الزعيم القبلي محمد هاشم لـ"العربي الجديد" إن أعداداً ضخمة من قادة وعناصر "داعش" انتقلوا عبر الجبال إلى إقليم كنر، متحدثاً عن ضربات قوية وشديدة نفذتها القوات الأفغانية ضد التنظيم، أدت إلى تدهوره، من دون أن يعني ذلك القضاء عليه نهائياً، إذ يبقى وضعه حالياً في مرحلة الكر والفر، متنقلاً من منطقة أفغانية إلى أخرى.

وأخيراً، وفيما تدخل أفغانستان موسم الشتاء وبرده القارس، يخفت ضجيج الحرب، خصوصاً في المناطق الجبلية القاسية. هكذا يرحل مصير تنظيم "داعش" إلى الربيع، حين ستثبت صحة الإعلانات الحكومية من عدمها، وما إذا هزيمة التنظيم حقيقة صلبة، أم أن مقاتليه يجيدون المناورة، ولعبة التنقل، للحفاظ على قوتهم البشرية، التي وجدت نفسها في ننجرهار في الوسط، بين مطرقة "طالبان" وسندان كابول.