تغييرات الإدارة الأميركية: ترامب يسير نحو المواجهة

27 مارس 2018
ترامب قد يباغت الجميع بقرارات جديدة (براندون سمالوفسكي/فرانس برس)
+ الخط -


يسود تساؤل في واشنطن حول ما هو آتٍ بعد التغييرات الأخيرة في الإدارة الأميركية وإطاحة مسؤولين في البيت الأبيض، الأمر الذي تجيب عليه سائر القراءات بأن لا أحد يعرف، أو يجرؤ على التكهن، لأن الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد يباغت الجميع في أي لحظة، بقرار أو بإقالة أو بتغريدة تقلب المعادلة وتخلق مفاجأة جديدة لينشغل الناس بها.

ولهذا هناك حالة حبس أنفاس انتظاراً لما يمكن أن يأتي في اليوم التالي، فالتقلب في مواقف ترامب ازدادت وتيرته في الأيام الأخيرة: أقال وزير الخارجية ريكس تيلرسون وأعلن ذلك عبر "تويتر". ثم فعل الشيء ذاته لكن بالهاتف مع مستشاره للأمن القومي الجنرال اتش آر ماكماستر، بعد يوم من تصريح المتحدثة باسمه أنه ليس في صدد الإعلان عن تغييرات في مواقع إدارته. كذلك تراجع بعد التهديد بـ"الفيتو" ووقّع يوم الجمعة الماضي على مشروع موازنة حتى بداية أكتوبر/تشرين الأول، خلا من بنود كان قد أصرّ عليها. أيضاً أعرب ترامب عن رغبته باستبدال كبير محاميه جون دود بمحامٍ آخر من أنصاره هو جو ديجنوفا، ليتبيّن في النهاية أن الأخير اعتذر أو ربما صرف ترامب النظر عن تكليفه في آخر لحظة.

ثمة من يعزو هذا التذبذب إلى حالة "الإحباط" التي يعاني منها ترامب نتيجة لعوامل عدة، منها التحقيقات في التدخل الروسي التي يشتد خناقها. وأيضاً الفضائح الأخلاقية التي كشفت أخيراً عن علاقاته خارج الزواج مع ما قد يترتب على بعض جوانبها خصوصاً المالية، من عواقب قانونية. يضاف إلى ذلك حالة الفوضى السائدة في إدارته نتيجة للتنافر السائد بين أقطابها.

قد يكون لهذه العوامل حساباتها في تقلبات ترامب الأخيرة، لكن المسألة في واقع الحال تتعدى ذلك. فما يبدو في الظاهر بأنه قفز من قرار إلى آخر، هو في حقيقته خطوات توالت في سياق عملية تغيير جذري في التوجّه، وكانت ذروته في تعيين جون بولتون مستشاراً للأمن القومي بعدما سبقتها إقالة تيلرسون ثم ماكماستر وربما يتبعهما قريباً كبير مسؤولي البيت الأبيض جون كيلي ونائب وزير العدل رود روزنستاين. فاختيار بولتون جاء على أساس أنه ينتمي إلى هذا التوجه المتشدد الذي يحمله ترامب معه من البداية.


وينظر الرئيس الأميركي إلى القضايا الخارجية بالمنظار التجاري، إما الربح أو الخسارة، ولا شيء بينهما. أما الدبلوماسية، التي مهمتها تبريد الأمور وتدوير الزوايا، فلا مكان لها في قاموس ترامب، وهي "تضييع وقت" كما وصف مرة محاولة تيلرسون لخفض التوتر في الأزمة الكورية. فريق الأمن القومي تمكّن من كبح مقاربة ترامب لمدة عام، أما اليوم فصار أقطابه خارج الإدارة الأميركية، والمتبقي منهم، وزير الدفاع جيمس ماتيس قد يلحق بهم، إما بالإقالة أو بالاستقالة. أما بولتون فيعزف على الوتر نفسه الذي يرتاح له ترامب، فهو يشجع على اعتماد سياسة العصا، ولا يلجم هذا التوجه المتشدد بل يحرّض عليه. والرئيس الأميركي بحاجة إلى تسويق هذا الخيار المعجب به والذي ترحب به قاعدته الانتخابية، خصوصاً أنه يمكن توظيفه لطمس التحقيقات الروسية التي تقترب أكثر فأكثر من العصب الحساس.

الاعتقاد الذي يلامس اليقين في واشنطن، أن الأوضاع تسير في المدى القريب نحو أزمات خطيرة في الداخل والخارج، فترامب حسم خياره باتجاه المواجهة، والأخطر أن الخيارات قليلة لاستباق الأحداث وتغيير مسارها. وليس من المستبعد أن يلجأ البيت الأبيض إلى إزاحة المحقق الخاص في التدخل الروسي روبرت مولر، على الرغم من تحذيرات الكونغرس من مغبة مثل هذا التدبير ومن خطر نشوب أزمة دستورية.

أما خارجياً، فيجري تسويق قرار شبه محتوم للتنصل من الاتفاق النووي الإيراني، في مايو/أيار المقبل، على أن يرافقه تصعيد ضد طهران، علّه يغيّر الأولويات لتصبح التحقيقات مسألة ثانوية يطغى عليها شبح مواجهة جديدة في الشرق الأوسط. بذلك تواجه واشنطن فصلاً جديداً من التوتير المفتوح على المجهول في عهد ترامب، وبما جعلها تبدو "مضطربة" كما لم تكن من قبل. فلا شيء يضمن استمرار مسيرة التحقيقات وتلافي مخاطر التغييرات، ولذا تسودها حالة من الخوف المبرر.