"مطاردة الساحرات" تحاصر ترامب: "الحرب الأميركية" مستمرة حتى 2020

22 فبراير 2019
تعتزم 250 منظمة النزول إلى الشارع ضد ترامب(فرانس برس)
+ الخط -

تحت قرقعة حرب جدار المكسيك، وبالتزامن مع اقتراب روبرت مولر من إعلان نتائج تحقيقه بشبهة التدخل الروسي في انتخابات 2016، يشتد تسجيل النقاط في السباق بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ومعارضيه، مع انطلاق العدّ العكسي للانتخابات الرئاسية في 2020. ومنذ أول رسالة كتبها جنرالات متقاعدون رفضاً لترشيح الملياردير النيويوركي، في خريف العام 2016، تتعمق فصول الحرب التي تعيشها الولايات المتحدة، بعناوين كثيرة، لامست فكرة العزل، وصولاً لاتهام البيت الأبيض بالاستحواذ على السلطة، وتخطي الدستور، لتبدو خطوط التناغم بين الفريقين هشّة، وكذلك حدود الانقسام، ولتبدو إمكانية تحديد الفائزين، ضبابيةً أكثر من أي وقت مضى، مع خطر، ولو ضئيل، بانفلات الأمور.

وقد يكون ترامب قد ساعد خصومه في منحهم العصا التي سيُضرب بها، عبر إعلانه حال الطوارئ الوطنية، لتمويل جداره بالمليارات التي ستبنيه، وتجاوز رفض الكونغرس منحه إياها. فالقرار زاد من احتمالات تحول الانقسام إلى تمرد ضد الرئيس، ومن النخب في واشنطن إلى الشارع. لكن الولايات الأميركية الـ16 التي تقدمت بدعوى إلى المحكمة العليا تطعن بدستورية قرار الرئيس، وعزمه على صرف مليارات الدولارات لأغراض لادستورية، تنتمي بمعظمها إلى المحور الديمقراطي، وإلى قضاء "الدائرة التاسعة" الذي كان له سوابق في رفع قضايا ضد الرئيس وإبطال قرارات. ورغم أن ترامب قد وصفها بولايات "اليسار الراديكالي" لرفع منسوب تضامن مؤيديه، فإنه يبدو أن الاستياء، الذي قد ينقلب تمرداً، بات يملك كتلةً ثابتة، تبلورت في معركة الجدار المكسيكي. ويقول استطلاع أخير لآراء الأميركيين، إن 60 في المائة منهم يعارضون إعلان حال الطوارئ، التي ستدور حولها معارك كثيرة من الآن فصاعداً. وفي المقلب الآخر للاستطلاعات، لا يزال الرئيس الأميركي يحتفظ بقاعدته الانتخابية التي لم تتزحزح، والتي تلامس منذ عامين الـ40 في المائة من الناخبين.

وتتوسع في مسألة الجدار، وإعلان حال الطوارئ، المعركة الدستورية والقانونية، بين الرئيس وخصومه. فمجلس النواب من جهته، يتحضر اليوم، بدعوة من رئيسته نانسي بيلوسي، لوقف قرار إعلان حال الطوارئ، بعدما اعتبر الديمقراطيون، الذين يسيطرون على المجلس، أنه يمثل تخطياً من ترامب للسلطة الممنوحة إليه. ودعت بيلوسي جميع أعضاء المجلس ومجلس الشيوخ للتعاون في هذا الإطار، مؤكدة أن المجلس سيتحرك بشكل سلس لتمرير قانون في هذا الشأن. كما وعدت بتسريع مروره عبر اللجان للوصول إلى مجلس الشيوخ، حيث سيواجه معركة قاسية، رغم أن بعض الجمهوريين قد أبدوا "عدم ارتياحهم" لإعلان ترامب "الطوارئ". وإذا ما تم تمرير القانون في الكونغرس، فهو قد يواجه بـ"فيتو" الرئيس، الذي لن يوقفه سوى صده من قبل ثلثي أعضاء المجلسين. وفي تناغم مع الدعوة الديمقراطية في الكونغرس، دعت غالبية وسائل الإعلام الأميركية المعارضة لترامب أعضاءه للوقوف ضد ما وصفته بـ"احتكار ترامب للسلطة". وفي الشارع، يبدو التمرد قيد التبلور، مع عزم 250 منظمة النزول إلى الشارع في الأيام المقبلة للاعتراض على حال الطوارئ، بعدما نظم بعضها احتجاجات في "يوم الرئيس". ويغلب على هذه المنظمات التوجه "اليساري"، مثل حركة "move on"، و"مركز الديمقراطية الشعبي"، و"اتحاد الحريات المدنية الأميركية".


وفي موازاة دعاوى الطعن من الولايات، تتحضر منظمات أهلية ومتخصصة لرفع دعاوى ضد ترامب، وجداره، لأسباب تختص بالبيئة، والتعدي على الأملاك العامة، وحقوق السكان الأصليين، والاقتطاع من ميزانية الجيش وغيرها. لكن هذه الدعاوى شبيهة بتلك التي رفعت ضد "قانون الجدار الآمن" في 2006 الذي مر في عهد جورج بوش الابن، والتي لم يُبت فيها حتى الآن. وتشكل الحرب الدائرة حالياً حول "الطوارئ" وجدار المكسيك، علامة جديدة من علامات الانقسام الذي تعيشه الولايات المتحدة في عهد ترامب، في جميع القطاعات، كالإعلام وداخل المؤسسات التقليدية، وبين البنتاغون والاستخبارات من جهة، والمهيمنين على قرارات البيت الأبيض، من ستيف بانون، قبل أن يُقال، وجاريد كوشنر، وصولاً إلى جون بولتون من جهة أخرى.

وفي هذا الإطار، يظلّ قطاع سياسي واسع من المعارضين، تحت سقف الحرب السياسية، يسعى للنيل من دونالد ترامب في أكثر من مكان، من التعامل مع الروس، إلى العلاقة مع حلف شمال الأطلسي، ومع السعودية والإمارات بعدما ثبت دورهما في دعمه، ومن تحويل جريمة قتل الصحافي جمال خاشقجي إلى قضية دولية، إلى الانسحاب من سورية، ومن الاتفاق النووي وما يتبعه من حدود المواجهة مع إيران، مروراً بالحرب على اليمن، والحوار مع كوريا الشمالية، والصراع التجاري مع الصين، وإمكانية التدخل العسكري في فنزويلا، وصولاً إلى إلغاء اتفاق المناخ، وتفاصيل السياسة الداخلية الأميركية. كذلك تحتدم المعركة في فصولها المتطورة، بين الإعلام المنضوي في إطار منظومة الأمن القومي، واليميني الداعم للرئيس. وليس التحقيق المطول الذي نشرته صحيفة "نيويورك تايمز"، قبل يومين، سوى أحد أشكال تكثيف الضغط الذي سيكون سمة المرحلة المقبلة حتى "الرئاسيات"، وذلك بعد تكريسها لأكثر من 6000 كلمة، عددت فيها الحالات التي استخدم فيها ترامب أساليب الإهانة والترهيب والضغوط لعرقلة التحقيقات التي تلاحقه منذ عامين، ما يفتح إمكانية تعرضه لاتهامات بإعاقة العدالة. في المقابل، يدأب الإعلام الموالي لترامب على تفنيد "أكاذيب" الإعلام المناوئ، متسلحاً بعدم إقدام الأخير على إقالة مولر، أو العفو عن أي ممن طاولهم التحقيق، أو استخدام صلاحياته لوقفه.

ويبدو المشهد، ومعه الصراع، في ظلّ هذه التطورات، أكثر تعقيداً من أي وقت سابق. فالرئيس الأميركي، الحامل مشروعه اليميني الراديكالي، والذي عنوانه الأساسي هو استبدال النخب السياسية في الولايات المتحدة بأخرى، وإعادة تعويم التيارات البيضاء والإنجيلية واليمين المتشدد الذي ينتهز فرصة فشل العولمة، وما شابهها من التيارات، لم يخرج بعد بالكامل عن "بيت الطاعة" في المسائل الرئيسية، وفي قلبها الدور المهيمن للولايات المتحدة في العالم. فالإجماع لا يزال يُسَوِّر ضرورة الإبقاء على مئات من القواعد العسكرية الأميركية، واللجوء إلى استخدام القوة، متى دعت المصلحة الوطنية إليها، وهي كثيرة. ولا يزال "حزام واشنطن"، بما يضمّ من مؤسسات أبحاث وجماعات ضغط مختلفة، وإدارات، يتمتع بمناعة، لا يعكر انسجامها سوى أصوات قليلة لا طائل منها. وقد نجح المعارضون لترامب في لجمه في أكثر من مكان، رغم خسارتهم في أمكنة أخرى.

وتأخذ المعركة اليوم بعداً جديداً، مع تسليط المعارضين لترامب الضوء على مسألة احتكاره للسلطة، ونزوعه إلى الفاشية في التعامل مع المسائل الدستورية والمتعلقة بالأمن القومي، وهي الزناد الذي قد يضغط للنزول إلى الشارع، وتبلور حالة التمرد فيه، مع إمكانية إثارة الشارع المضاد. وبالرغم من أن "الطوارئ" و"الجدار" يبدوان الأكثر ترجيحاً لتحريك امتدادات الشارع، إلا أن الانقسام، على ما هو عليه، قد ينتقل أيضاً إلى الشارع، ويتحول معه الاستياء السياسي والشعبي، إلى تمرد، إذا ذهبت الأمور إلى اتخاذ قرار بالحرب على أي من الجبهات الخارجية، سواء في إيران أو فنزويلا، حيث يرجح في الثانية احتمال اللجوء إليها أكثر من أي وقت مضى؛ فالأميركيون، بخلاف دولة الأمن القومي، يؤيدون أي قرار بالانسحاب من أي جبهة كانت، بسبب الكلفة العالية، البشرية والمادية، للحروب.

حدود الانقسام وبراغماتية الرئيس

تصعب العودة بالولايات المتحدة إلى ما قبل عهد ترامب، ويصعب كذلك المضي بالسير معه، تماماً كصعوبة التنبؤ بمآلات المخاض الذي تسلكه أميركا، لتحديد الشكل المقبل لهيمنتها، في ظلّ ما تخوضه من تحولات. ويعارض محللون في السياسة الخارجية الأميركية، فكرة الانقسام الأميركي الخطير، طالما تتوافق الولايات المتحدة في تحديد من هو الصالح ومن هو الشرير، لينحصر الخلاف في "التكتيك"، كما يدعي مؤيدو ترامب. لكن، في مؤتمر ميونخ للأمن، لم تلق تحية الرئيس الأميركي، الذي نقلها نائبه مايك بنس، أي تصفيق من الحضور. رغم ذلك، زعم البيت الأبيض أن التقرير الذي أرسله بنس، عن المؤتمر، يحتوي على كلمة "تصفيق". في المقلب الآخر، كان نائب الرئيس الأميركي السابق، جو بايدن، ووفد ديمقراطي كبير، حضر المؤتمر، يعِدون زعماء العالم، لا سيما الأوروبيين، بـ"قرب الخلاص" و"عودة أميركا".

داخلياً، يؤخذ على ترامب، بقدر ما يحسب له، التحسن "المرحلي" للاقتصاد، وانخفاض البطالة، والدفاع عن مصالح الأميركيين، في وجه كل شيء تقريباً، خارج الحدود، حتى في وجه السيارات الألمانية التي باتت "تهدد الأمن القومي". وحتى انجلاء معركة "الرئاسيات" المقبلة، تستعر الحرب الأميركية بين ترامب وخصومه. انقسامٌ سمته الأبرز تسجيل نقاط في السباق، مع إمكانية حدوث مفاجآت. مفاجآت لا يبددها أن خصوم الرئيس الأميركي الحالي، ليسوا كتلة موحدة، سواء أكانوا ديمقراطيين أو من منظومة الأمن القومي، أو حتى من الجمهوريين، يقابلهم رئيس براغماتي جداً، متمسك بوعوده الانتخابية، لكنه منفتح كذلك، على أنواعٍ من الصفقات. مع ذلك، يبقى الاستياء من ترامب، ومن شخصه، الأكثر تأثيراً. حروب الحفاظ على ما جنته أميركا منذ الحرب العالمية الثانية، تبدو أمام خطره، كنملة أمام فيل.