انتخابات الجزائر: "الكتلة الصامتة" الفائزة الأولى تليها أحزاب بوتفليقة

25 نوفمبر 2017
مليونا ورقة اقتراع ألغيت (العربي الجديد)
+ الخط -
انتهت الانتخابات البلدية في الجزائر بعد يوم انتخابي طويل الخميس، حافظت خلاله أحزاب السلطة على صدارة المشهد السياسي، مستفيدة من عوامل المال والقبيلة وولاء الجهاز الإداري المشرف على الانتخابات، ليبدأ بعد هذا التمرين الانتخابي التطلع إلى الانتخابات الرئاسية المقررة في ربيع 2019، والتي يتوجه إليها الاهتمام الأكبر في المرحلة المقبلة في البلاد، خصوصاً مع غموض الموقف بشأن ترشح الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة لولاية خامسة، أو ترشيحه خليفة له لم يُعرف بعد.

وتشير الأرقام الأولية لنتائج الانتخابات البلدية إلى أن الحزب الحاكم، "جبهة التحرير الوطني"، حصد رئاسة أكثر من 603 بلديات من مجموع 1541 بلدية، فيما حصد غريمه السياسي "التجمع الوطني الديمقراطي" رئاسة 451 بلدية، وصنعت جبهة "المستقبل" المنشقة عن الحزب الحاكم المفاجأة بحلولها في المرتبة الثالثة والفوز بـ71 بلدية. أما "جبهة القوى الاشتراكية"، أقدم احزاب المعارضة في الجزائر، ففازت برئاسة 64 بلدية، بينما حازت حركة "مجتمع السلم" التي تمثّل "إخوان" الجزائر 49 بلدية، وفاز حزب "تجمّع أمل الجزائر" المنشق عن "إخوان" الجزائر برئاسة 31 بلدية، وحزب "العمال" اليساري برئاسة 17 بلدية، فيما عجز حزب رئيس الحكومة السابق علي بن فليس، أبرز منافسي بوتفليقة في انتخابات 2014، عن تحقيق نتيجة مهمة.

لا تغيّر هذه النتائج من واقع المشهد السياسي في الجزائر، لكنها تؤشر إلى تراجع كبير في مجموع الأصوات التي تحصدها أحزاب السلطة، خصوصاً حزبي "جبهة التحرير الوطني" و"التجمع الوطني الديمقراطي"، ويُعد بوتفليقة رئيس الأول، بينما رئيس الحكومة أحمد أويحيى هو رئيس الحزب الثاني. وخسر حزب بوتفليقة أكثر من 300 بلدية كانت في رئاسته في الانتخابات البلدية التي جرت في 2012، فيما خسر حزب أويحيى 50 بلدية كانت في حوزته منذ تلك الانتخابات، في مقابل تمدد أحزاب المعارضة التي باتت تسيطر على 32 في المائة من مجموع البلديات في الجزائر.

ومن هذه النتائج، بدا أن الكتلة الفائزة في الانتخابات هي الكتلة الصامتة أو المقاطعون، الذين بلغت نسبتهم 57 في المائة، ما يعادل 13 مليون ناخب من مجموع 22.3 مليون ناخب مسجل، ناهيك عن مليوني ورقة ملغاة لم يحترم أصحابها شروط الانتخاب عبر تمزيق الأوراق أو وضع صور ورموز وكتابات في الظرف الانتخابي. وتبدو هذه النسبة كبيرة جداً، ويعمل كثير من الباحثين لفهم أسباب ودوافع ما يُوصف بالاستقالة السياسية والشعبية عن المشاركة في الانتخابات، والتمرد على المشاركة السياسية ورفض التعبير عن موقف تجاه الأحزاب والمرشحين، وعما إذا كان ذلك تجاهلاً للعمل السياسي كتعبير عن موقف من الأوضاع الراهنة التي يرفضها الكثير من الجزائريين، أم تعبيراً عن مستوى من اليأس تجاه إخفاق مجمل التجارب الانتخابية في إنجاز تغيير جدي وحقيقي في البلاد، وغياب الثقة في المؤسسة السياسية، إضافة إلى تداعيات التزوير الذي ما زال يطبع الممارسة الانتخابية في الجزائر.


ويفسر الأستاذ الجامعي، هواري حمزة، مسبّبات العزوف الانتخابي في هذه الانتخابات بحالة اليأس التي تسود الفئات الشبابية، والإحباط بشأن التغيير الممكن على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي في الجزائر. ويقول إن "الشباب استقال من الشأن العام بسبب الخيبات المتكررة، وبات يشكك في مصداقية المبادرات التي ترعاها السلطة وفي قدرتها على تغيير واقعه، فلا خطابات الأحزاب ولا الدعاية التي سخّرتها الدولة لحث الشباب نجحت في إقناعهم، وهناك مشكلة ثقة تتسع مع كل موعد انتخابي". ويشير إلى أن "الشباب أصبح يدرك أن المجالس المحلية غير قادرة على معالجة مشاكله، وربما هذا هو سبب إضافي لنفوره من المشاركة، في حين كل الأصوات التي تعادي الوضع الحالي أصبحت لها شعبية كبيرة، خصوصاً لدى الشباب كما رأينا في فيديوهات بعض الشباب الرافض للواقع الاجتماعي".

وعلى الرغم من هذا العزوف، فإن المحلل السياسي، مروان الوناس، يعتقد أن السلطة حققت هدفاً برفع نسبة التصويت والمشاركة إلى 43 في المائة، مقارنة مع انخفاضها إلى 37 في المائة في الانتخابات البرلمانية التي جرت في الرابع من مايو/أيار الماضي. ويقول إن "نسبة 43 في المائة يمكن وصفها بالإنجاز بالنسبة للسلطة، إذا أخذنا بعين الاعتبار الظروف الاقتصادية والاجتماعية المتردية والمخاوف من عزوف انتخابي كبير، وأعتقد أن السلطة استفادت من عامل خصوصية الانتخابات المحلية، إذ إن المترشحين أقرب من ناحية المكان للناخبين، وتلعب القرابات العائلية والقبلية دوراً بارزاً في تشجيع الناخبين على التصويت". ويشير الوناس أيضاً إلى أن السلطة نجحت في الحفاظ على صدارة الأحزاب الموالية لها، بسبب عزوف 57 في المائة من الناخبين عن التصويت، لاستيائهم من الوضع الاجتماعي، مضيفاً: "لو تُرجم هذا الموقف إلى تصويت لصالح أحزاب معارضة، لكانت النتائج مغايرة تماماً".

وبغض النظر عن أن المجالس البلدية والولائية في الجزائر تحمل صورة سياسية رمزية، لكونها تفتقر إلى أي صلاحية، فإن مستوى التدافع السياسي الحاصل بشأنها، دفع إلى بروز عاملين تدخلا في حسم النتائج، هما عامل المال وعامل القبيلة. ويشير الناشط السياسي أحمد صادوق إلى أن عامل المال لعب دوراً كبيراً في حسم نتائج الانتخابات لصالح أحزاب السلطة، معرباً عن أسفه لأن "المال أصبح اللاعب البارز في الانتخابات ويحسم نتائجها. ما زلنا نشاهد شراء الأصوات بالمال ودفع عمولات للناخبين، واعتقد أن من يفعل هذا من أحزاب السلطة والمقاولين، سيستفيد من أضعاف ما يدفع"، مضيفاً: "عندما يتحالف المال والإدارة ضد أحزاب المعارضة ومرشحيها، نكون أمام أمر واقع لا تملك أحزاب المعارضة قوة لصده، غير الاستمرار في المقاومة السياسية والسلمية".

وإضافة إلى المال، برز عامل رئيسي ثانٍ مفصلي في هذه الانتخابات، كان القبيلة أو ما يُعرف في الجزائر بـ"العروشية "، خصوصاً في المدن الداخلية، حيث ما زالت التركيبة الاجتماعية والانتماءات القبلية تغلب على الخيارات السياسية المحلية، وتتفوق في كثير من الأحيان على المؤسسة الحزبية والبرامج والكفاءات الشخصية. وحسمت القبيلة في مناطق تبسة وسوق أهراس وباتنة والجلفة وورقلة وبشار ووادي سوف ومدن أخرى نتائج الانتخابات، وهو ما أقر به رئيس الحكومة والأمين العام لحزب "التجمع الوطني الديمقراطي" بتأكيده أن حزبه عانى في ولايات الوادي جنوبي الجزائر وباتنة شرقي الجزائر بسبب الانتماءات القبلية وسلطة "العروش"، والتي ما زالت تفرض سطوتها الاجتماعية في بعض المناطق.

هذه الانتخابات البلدية كانت بمثابة تمرين انتخابي بالنسبة للأحزاب والإدارة المشرفة على الانتخابات، قبل أهم انتخابات يتطلع اليها الجزائريون في ربيع 2019، كما كانت منصة للسلطة المهتمة بمعرفة الموقف الشعبي إزاء مؤسساتها الحزبية وخطابها، في مواجهة حملة قاسية من التيئيس والانتقاد الحاد الذي واجهت به أحزاب المعارضة السلطة، مستفيدة من سلسلة الإخفاقات التي انتهت إليها الجزائر على صعيد الأزمة الاقتصادية والمالية والأوضاع الاجتماعية. وقد تكون النتائج المعلنة، والتي جاءت لصالح أكبر أحزاب السلطة، والمدانة سياسياً وشعبياً بكونها جزءاً من رصيد الأزمة ومسبّباتها والداعمة للسياسات التي تنهك جيوب الجزائريين وحياتهم، أكبر مشجع للسلطة الجزائرية، لرسم الخيارات التي تريد بشأن رئاسيات 2019، سواء تعلق الأمر بترشح بوتفليقة لولاية رئاسية خامسة، أو ترشيح خليفة له، من دون التردد أو وضع حساب لجبهة المعارضة.