تفاهمات منبج وتل رفعت: تشابه يكرس ترابط مصير المدينتين

15 يونيو 2018
ستسير أميركا وتركيا دوريات مشتركة في منبج(دليل سليمان/فرانس برس)
+ الخط -

تسير التفاهمات حول مدينتي منبج وتل رفعت بين تركيا من جهة وكل من الولايات المتحدة وروسيا من جهة أخرى، جنباً إلى جنب، على نحو يوضح الترابط بشأن مصير المدينتين، إذ تعمدت روسيا ومعها إيران إبطاء تنفيذ التفاهمات بشأن تل رفعت بانتظار جلاء الموقف حول مصير منبج، في ظل خشية روسيا من عودة الدفء إلى علاقات تركيا مع الغرب، وفي ظل حساسية وضع تل رفعت لإيران نظراً لقربها من منطقتي نبل والزهراء المواليتين لإيران ونظام بشار الأسد.

وأعلنت القوات المسلحة التركية عن توصل العسكريين الأتراك والأميركيين إلى تفاهم حول خارطة طريق مدينة منبج الواقعة في ريف حلب الشرقي، وذلك بعدما توقع وزير الخارجية التركي، مولود جاووش أوغلو، في وقت سابق، أن تبدأ عملية انسحاب "وحدات حماية الشعب" الكردية من منبج بداية الشهر المقبل. وحسب بيان رسمي صدر بعد اجتماع عقد في 12 و13 يونيو/ حزيران الحالي، في مقر قيادة القوات الأميركية في أوروبا في مدينة شتوتغارت الألمانية، فإن الجانبين اتفقا على خطة لتنفيذ اتفاق منبج، من المقرر أن يقدم مضمونها للسلطات العليا في كلا البلدين.

وذكرت وكالة "الأناضول" أن رئيس الأركان التركي، خلوصي أكار، أجرى اتصالاً هاتفياً بالقائد الأعلى لقوات حلف شمال الأطلسي في أوروبا، كورتيس سكاباروتي، بحثا خلاله "المبادئ الأمنية المدرجة في خارطة طريق منبج، والوضع الأمني في شمال سورية". وكانت مدينة منبج محل خلاف بين أنقرة وواشنطن، قبل أن يتوصل البلدان إلى اتفاق نهائي عقب لقاء جمع وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو ونظيره الأميركي مايك بومبيو. وكان جاووش أوغلو قد توقع، في وقت سابق، أن تبدأ عملية انسحاب الوحدات الكردية من مدينة منبج، بحسب الاتفاق مع واشنطن، بداية الشهر المقبل. وأكد وزير الخارجية التركي أن الولايات المتحدة ستستعيد الأسلحة التي سلمتها إلى "وحدات حماية الشعب" الكردية، خلال إخراج تلك القوات من مدينة منبج، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة وتركيا ستسيران دوريات مشتركة إلى حين تشكيل وحدات أمنية جديدة. وتوقع جاووش أوغلو أن تقوم الولايات المتحدة بسحب الأسلحة من أيدي "الوحدات" الكردية في حال تم تطبيق خارطة طريق مماثلة لمنبج في بقية المدن السورية.




وتخضع منبج لسيطرة "وحدات حماية الشعب" الكردية منذ أغسطس/ آب 2016. وفي مطلع 2017، سلمت تلك الوحدات قوات النظام السوري قرى تقع على خط التماس مع فصائل "الجيش السوري الحر"، غربي مدينة منبج، وأعلن المجلس العسكري في المدينة حينها أن عملية التسليم جاءت بالاتفاق مع الجانب الروسي، وذلك لتفادي توجه قوات "درع الفرات" المدعومة من تركيا إلى المدينة في ذلك الوقت. كما انتشرت في المدينة قوات روسية وأخرى أميركية، تزامناً مع تهديدات تركية بدخول المدينة منذ العام الماضي. وتتضمن خطة العمل التي توصلت اليها أنقرة وواشنطن أواخر الشهر الماضي، عدة مراحل تبدأ بانسحاب قادة "وحدات حماية الشعب"، يليها تولي عناصر من الجيش والاستخبارات التركية والأميركية مهمة مراقبة المدينة بعد 45 يوماً من اجتماع أول من أمس. وتقضي المرحلة الثالثة بتشكيل إدارة محلية في غضون شهرين، تتضمن تشكيل المجلس المحلي والعسكري اللذين سيوفران الخدمات والأمن في المدينة، حسب التوزيع العرقي للسكان. وتعتبر منبج النموذج الأول الذي يشهد إدارة مشتركة أميركية تركية، وسط تساؤلات عن مصير بقية المناطق التي تسيطر عليها "وحدات حماية الشعب" الكردية على الشريط الحدودي مع تركيا، إذ تقول أنقرة إن هذه التفاهمات ستسري على بقية المناطق، بينما تسعى واشنطن للمساومة على كل منطقة لوحدها.

في غضون ذلك، توصل الجانبان التركي والروسي إلى اتفاق ينهي الجدل حول مصير مدينة تل رفعت وريفها في ريف حلب الشمالي، يمهد الطريق أمام عودة عشرات آلاف النازحين إلى مدينتهم. وقال "المجلس العسكري" لمدينة تل رفعت، التابع للمعارضة السورية، في بيان أمس الخميس، إن الجانبين التركي والروسي توصلا إلى اتفاق حول المدينة يضمن عودة المدنيين وإخراج مليشيات تتبع للنظام السوري و"وحدات حماية الشعب" الكردية. وقال القيادي في المجلس، رامي أبو بهجت، في تصريح صحافي، إن الاتفاق يضع المدينة تحت إدارة مشتركة بين العسكريين الروس والأتراك، الذين سيشكلون مجلساً محلياً توافقياً، وشرطة مدنية من أبناء المدينة، ويتضمن عودة المدنيين كمرحلة أولى، مؤكداً أن العودة ستكون قريبة. وأكدت مصادر مطلعة أن الجانب الروسي اشترط انتشار قواعد عسكرية للجيشين التركي والروسي، مقابل انسحاب المليشيات المرتبطة بالنظام، إضافة إلى انسحاب "الوحدات الكردية"، ومنع دخول فصائل "الجيش السوري الحر" للمدينة، على أن يقتصر الدخول على المدنيين من دون سلاح بعد تقديم لوائح بأسماء العائلات إلى الجانب الروسي ليتم تدقيقها من قبله.

وتقع مدينة تل رفعت إلى الشمال من مدينة حلب بنحو 40 كيلومتراً، وكانت من أولى المدن في الشمال السوري التي خرجت عن سيطرة قوات النظام أواخر العام 2012. وسيطرت "الوحدات" الكردية على المدينة وقرى عربية في ريفها، في فبراير/ شباط 2016، خلال الأزمة التركية الروسية، إذ دعمت موسكو "الوحدات" الكردية رداً على إسقاط طائرة روسية من قبل طائرة تركية. وتسيطر "وحدات حماية الشعب" الكردية على نحو 60 مدينة وبلدة وقرية في شمال حلب، عدد كبير منها سكانها عرب، كما أن هناك قرى يسكنها أكراد سوريون، أو تركمان، أو شركس. ومن بين تلك القرى والبلدات كفرنايا، ودير جمال، والشيخ عيسى، وكفر ناصح، وإحرص، وحربل، وعين دقنة، وأم حوش، ومنغ، ومرعناز، وفافين، والزيارة، وتل شعير، وتل رحال، ومريمين، وتل عجار، وأم القرى التي تم تهجير أغلب سكانها جراء قيام الطيران الروسي بقصفها.
وكان وجهاء من مدينة تل رفعت قد اجتمعوا، أول من أمس، مع مسؤولين أتراك لبحث مصير مدينتهم. وقالت مصادر محلية إنه تم الاتفاق خلال الاجتماع على خروج قوات النظام والمليشيات المساندة لها من المدينة، وأن تحل قوات تركية روسية مشتركة مكانها. كما تم الاتفاق على أن يدخل المدينة أهلها المدنيون فقط من دون أي فصائل عسكرية، وأن يمنع وجود السلاح في المدينة ويتم تشكيل مجلس محلي مع شرطة محلية يتم اختيار عناصرها من شبان المدينة، مشيرة إلى أن وجهاء تل رفعت بدأوا بتسجيل أسماء الراغبين بالعودة كمرحلة أولى، على أن تقدم تلك اللوائح إلى الجانب الروسي ليتم تدقيقها.

ولاحظ نشطاء أن هذا الاتفاق، غير الرسمي، في تل رفعت يشبه خارطة الطريق التي توصلت إليها تركيا والولايات المتحدة في مدينة منبج، والتي قضت بخروج القوات الكردية، وإدارة المدينة من قبل مجلس محلي بوجود قوات تركية وأميركية. وشهدت الأيام الأخيرة تحركات عسكرية من قبل قوات النظام في المدينة، بالتزامن مع حديث عن انسحاب أرتال من الفرقة الرابعة إلى نقاط خارج المدينة. وقد ثارت تكهنات أخيراً بأن الجانب الروسي، وبضغط من إيران، طلب من أنقرة مقايضة تل رفعت بمنطقة جسر الشغور بريف إدلب الغربي، وهذا ما لم تقبله تركيا. ورأى مراقبون أن "العامل الإيراني" هو الذي عرقل تنفيذ التفاهمات التركية – الروسية حول تل رفعت حتى الآن، إذ تطالب إيران بضمانات روسية وتركية بشأن حماية بلدتي نبّل والزهراء القريبتين من تل رفعت، وأن تكون المنطقة منزوعة السلاح وتحت إشراف روسي تركي بإدارة مدنية غير مسلحة بأسلحة ثقيلة أو متوسطة.

المساهمون