الدستور السوري هدف فيينا وسوتشي... والنظام يقترب من أبو الظهور

18 يناير 2018
لم تنجح الفصائل بوقف تقدّم النظام(عمر حج قدور/فرانس برس)
+ الخط -


حسمت روسيا موعد مؤتمر سوتشي في الثلاثين من الشهر الحالي، محددة هدفه ببدء العمل على الدستور الجديد في سورية، ما يعني أن هذا المؤتمر سيكون أساسياً في مسار حل الأزمة السورية، على الرغم من تجديد موسكو وصف المؤتمر بأنه "حدث مرحلي نحو التسوية السياسية في إطار المفاوضات برعاية الأمم المتحدة". تزامن ذلك مع إعلان المبعوث الأممي إلى سورية ستيفان دي ميستورا، عقد جول جديدة من محادثات السلام حول سورية في فيينا في 25 و26 يناير/كانون الثاني، على أن تركز على حزمة القضايا المتعلقة بالدستور.

يتزامن ذلك مع تطورات ميدانية جديدة في معارك مطار أبو الظهور العسكري شرقي محافظة إدلب، تشير إلى أن قوات النظام السوري تقترب شيئاً فشيئاً من تحقيق هدفها ببسط نفوذها على مناطق شرقي سكة قطار حلب-دمشق، بعد تقدّمها خلال اليومين الماضيين عبر محاور القتال المنطلقة من جنوب حلب، نحو شمال وشرق أبو الظهور، فيما ترابط بالتزامن قوات النظام التي كانت قد تقدمت من جبهات شمال حماة، على بعد ثلاثة ونصف كيلومترات جنوب أبو الظهور؛ وهو ما يعني فعلياً أن القوات المُهاجمة اقتربت من تطويق المطار العسكري شرقاً وشمالاً وجنوباً.

وأكدت "قاعدة حميميم" الروسية، أن "عقد مؤتمر سوتشي سيكون في يوم 30 يناير/كانون الثاني الحالي، وسيستمر ليوم واحد فقط، وقد تم بالفعل تحديد الشخصيات التي ستكون حاضرة في المؤتمر، ليعلن البدء بالعمل على الدستور الجديد، وستعطى الكلمة للجميع حكومة ومعارضة بما فيها الداخلية والخارجية والمسلحة والسياسية على حدٍ سواء".
في موازاة ذلك، بحث وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، خلال اتصالٍ هاتفي مع نظيره الروسي سيرغي لافروف تطورات الملف السوري. وذكرت وكالة "الأناضول" التركية نقلاً عن مصادر دبلوماسية، أن المحادثة الهاتفية أجريت بناءً على طلب من الطرف الروسي، موضحة أن الوزيرين ناقشا التطورات في سورية واجتماع سوتشي وانتهاكات نظام بشار الأسد لوقف إطلاق النار.

من جهتها، ذكرت الخارجية الروسية في بيان، أن لافروف وجاويش أوغلو بحثا "سير التحضير لمؤتمر سوتشي كحدث مرحلي نحو التسوية السياسية في إطار المفاوضات برعاية الأمم المتحدة على أساس قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254". وبحسب البيان، فقد طرح الطرفان "المسائل المتعلقة بالتخفيف من حدة المشاكل الإنسانية التي يعاني السكان المدنيون منها في سورية، فضلاً عن مسألة الالتزام بنظام وقف العمليات القتالية في مناطق خفض التصعيد، بموجب الاتفاقات الموقعة في أستانة".
وكانت شخصياتٌ ومجموعات سياسية سورية، وفصائل عسكرية من المعارضة، قد أكدت مقاطعتها لمؤتمر سوتشي، معتبرة أن هدفه "تصفية القضية السورية وتعويم نظام الأسد"، ويُنتظر أن تُعلن الهيئة العليا للمفاوضات موقفها من المشاركة أو عدمها، وهو ما قد يتبين خلال أيام، بعد الاجتماعات التي تعقدها الهيئة العليا في العاصمة السعودية الرياض.

أما في التطورات الميدانية، فتواصل قوات النظام منذ مساء الثلاثاء تقدّمها شمال شرق أبو الظهور، إذ سيطرت على مواقع استراتيجية أبرزها تلّتا أبو رويل والشهيد، وقرى هوبر وعوينات صغيرة وعوينات كبيرة ومرحمية، على امتداد محاور شمال تل الضمان. وإذا نجحت هذه القوات مع المليشيات الأجنبية المساندة لها، في السيطرة على طريق تل الضمان (البالغ طوله نحو 15 كيلومتراً) نحو قرية حميدية التي تسيطر عليها هذه القوات أيضاً، فإنها تكون قد أكملت سيطرتها على كامل ريف إدلب الجنوبي الشرقي الواقع شرق سكة قطار حلب-دمشق.

وعلى الرغم من مواجهة القوات المهاجمة لمقاومةٍ عسكرية، وفتح فصائل متعددة معركة ضدها الأسبوع الماضي، حاولت فيها ضرب خاصرة قوات النظام المتقدمة جنوب أبو الظهور، إلا أن ذلك لم يوقف تقدّم قوات النظام، المدعومة بغطاء ناري جوي من الطيران الروسي.
وبعدما غلب طابع الكر والفر على مجريات المعارك خلال الأسبوع الأخير من جانب جنوب أبو الظهور، مع رجحان كفة قوات النظام، فإن الصورة مغايرة في محاور القتال شمال شرق أبو الظهور، إذ تتقدم قوات النظام مع المليشيات منذ أسبوع بوتيرة سريعة، في قرى وبلداتٍ تحت نفوذ "هيئة تحرير الشام"، وفصائل عسكرية أخرى من الجيش الحر.


ووسط معلوماتٍ تفيد بوصول تعزيزاتٍ عسكرية للمليشيات الموالية للنظام جنوب حلب، وتهاوي مناطق تسيطر عليها المعارضة السورية و"هيئة تحرير الشام"، جنوبي وشرقي إدلب، فإن التطورات العسكرية الحاصلة، تؤكد جزئياً صحة خرائط أستانة المُسربة، التي كانت قد انتشرت في سبتمبر/أيلول 2017، وحددت مناطق شرقي سكة قطار حلب-دمشق، التي كانت تسيطر عليها المعارضة ولـ"هيئة تحرير الشام" نفوذ فيها، كمناطق ستكون منزوعة السلاح، تحت "الحماية الروسية"، وهي الآن تقترب لتكون تحت سيطرة قوات النظام والمليشيات المساندة لها.

وواصل الطيران الروسي منذ فجر أمس الأربعاء، شن غاراته الكثيفة في مناطق متفرقة جنوب وشرقي إدلب، إذ قُتل مدنيان اثنان، بقصف جوي روسي طاول أطراف مدينة سراقب في ريف إدلب الشرقي، في حين استهدفت هجماتٌ مماثلة قبل الظهر، أطراف مدينة معرة النعمان، وكذلك الأحياء الشرقية لمدينة خان شيخون، ومناطق أخرى.
وتسببت عملية النظام العسكرية هذه، والمستمرة منذ أسابيع، بموجة نزوح ضخمة من قرى ريفي حماة الشمالي وإدلب الجنوبي الشرقي. وقال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية منذ يومين، إن ما يزيد عن مائتي ألف مدني اضطروا للنزوح من مناطق سكنهم جنوب إدلب وشمال حماة، منذ منتصف ديسمبر/كانون الأول الماضي حتى منتصف الشهر الحالي، فيما كان فرّ نحو ستين ألف شخص من شرقي إدلب وريف حماة الشرقي، قبل نحو ثمانية أسابيع، جراء حملة النظام العسكرية هناك.

إلى ذلك، أكد عضو وفد المعارضة السورية إلى مفاوضات أستانة، فاتح حسون، أنّ الوفد لم يوقع على أي خطط أو خرائط تقضي بتسليم مناطق تحت سيطرة المعارضة للنظام السوري. وقال حسون، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنّ وفد المعارضة لم يوقّع على أي شيء مما ورد في التسجيل الأخير لزعيم "هيئة تحرير الشام" أبو محمد الجولاني.
وكان الجولاني قد اتهم في تسجيلٍ صوتي له الثلاثاء، الفصائل التي شاركت في أستانة، بالتخلي عن مناطق شرقي سكة قطار حلب-دمشق، لصالح موسكو وطهران والنظام الروسي، قائلاً "إننا أمام مرحلة حرجة أعدتها المؤتمرات والمؤامرات"، وإن "مسار أستانة نجح في إسباغ الشرعية على المحتل الروسي(...) بل جعله الضامن لوقف الجرائم التي يعاون النظام المجرم على ارتكابها". وعلاوة على مهاجمته مسار أستانة، والمشاركين فيه من المعارضة السورية، إذ حمّلهم مسؤولية تقدّم النظام في معارك إدلب الحالية، فإن اللافت في كلمة الجولاني، كان تعبيره عن استعداد "الهيئة" التي يقودها، لـ"التصالح مع الجميع وفتح صفحة جديدة عبر مصالحة شاملة"، الأمر الذي فُسر على أنه محاولة من "الهيئة" للتقرب من الفصائل التي كانت حاربتها، استشعاراً بحرج المرحلة سياسياً وعسكرياً.