تعويل إسرائيلي على تركيا لصفقة تبادل أسرى مع "حماس"

03 يوليو 2016
لم تعط "حماس" أية معلومات عن الأسرى(مجدي فتحي/فرانس برس)
+ الخط -
منذ انطلقت "قاطرة" تطبيع العلاقات بين إسرائيل وتركيا، أخيراً، بدا أنّ تل أبيب تعوّل على العلاقات التركية المتميزة مع حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في قضية الجنود الإسرائيليين المفقودين في غزة، وتريد من أنقرة أن تقوم بدور في هذا الملف لإنجازه، وطيّ صفحته مع اقتراب ذكرى أسرهم الثانية.

وعقب الاتفاق، طالب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو ووزراء آخرون في حكومته، تركيا بالقيام بدور لإنهاء الملف، وعلى الرغم من أنهم لم يعلنوا الرغبة في التوصل لاتفاق تبادل مع "حماس" حول جنودهم المفقودين، فإن تصريحاتهم أوحت برغبتهم هذه. وحمل أهالي المفقودين الأربعة على الحكومة الإسرائيلية ونتنياهو شخصياً لأنّه لم يدرج أبناءهم في صفقة تطبيع العلاقات بين تل أبيب وأنقرة، وهو ما ردت عليه تركيا بالقول إنّ الملفات مختلفة، وإنها مستعدة للتوسط وإنهاء القضية.

ووسط الموقفَين الإسرائيلي والتركي، والأسئلة المطروحة عن قدرة تركيا على القيام بدور للوصول إلى صفقة لتبادل أسرى بين "حماس" وإسرائيل، وسط إصرار المقاومة على شروطها، يبدو أنّ هناك عائقاً واحداً قد يحول دون ذلك، وهو مصر، التي رعت صفقة التبادل السابقة، والتي لا ترغب في أن يشاركها أحد في الملفات الخاصة بقطاع غزة.

في هذا السياق، يقول الناشط السياسي في "حماس"، حازم قاسم، لـ"العربي الجديد"، إنّه "مهما كانت هوية الوسيط ومدى علاقة حماس به، فالحركة ستظلّ على موقفها وشروطها"، مشيراً إلى أنه في السابق أصرّت "حماس" على شروط محددة في صفقة الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط عام 2011، على الرغم من تدخل وساطات من دول مختلفة تربطها بالحركة علاقة قوية. ويلفت قاسم إلى أنّ "حماس" ظلّت على موقفها، وهو ما سيكون الحال عليه هذه المرة، موضحاً أنّ "الحركة وأهلنا في قطاع غزة تحملوا الكثير من العدوان والحصار حتى يرى أسرانا النور، فلا مجال أمام حماس إلا إتمام صفقة مشرّفة".

ويوضح أننا "لسنا في مجال المفاضلة بين الأطراف، ومعنيون بعلاقة قوية وأخوية مع الجميع على حد سواء، ونرحب بأي وساطة جادة وقادرة على إنجاز الصفقة وضمانها، وقبل ذلك أنجزت مصر صفقة شاليط وكانت هي الوسيط". ويلفت قاسم إلى أنّ "حماس" تضع قضية تحرير الأسرى ضمن الأولويات الاستراتيجية لها، وهي ترحب بأي وساطة حقيقية قادرة على العمل من أجل إبرام صفقة مشرفة، وقادرة على توفير ضمانات حقيقية وملزمة لما بعد إنجاز الصفقة. ويشدد على أنّ "لا معلومات مجانية حول الأسرى الإسرائيليين لدى حماس"، وأنّ على الاحتلال الإسرائيلي أن يطلق سراح أسرى صفقة شاليط الذين أعاد اعتقالهم قبل الحديث عن صفقة جديدة، على حدّ تعبيره.

ويتهم الناشط السياسي في "حماس" نتنياهو بالمراوغة في هذا الملف، مشيراً إلى أنه يتلاعب بعائلات الجنود الأسرى، لأنه يدرك أن لا سبيل لإنهاء الملف إلا بإنجاز صفقة جديدة وحقيقية مع "حماس"، وما عدا ذلك وعود كاذبة يوزّعها نتنياهو على العائلات. وينفي قاسم وجود اتصالات حول التبادل حالياً، مؤكداً أننا "سنرى صفقة جديدة عندما يستعد الاحتلال لدفع ثمن جنوده المحتجزين لدى حماس في غزة".






من جهته، يرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر في غزة، ناجي شراب، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ تركيا تعتبر وسيطاً مقبولاً لدى "حماس" وإسرائيل، بفعل العلاقات المشتركة بينها وبين الجانبين، ما يعني قبول الطرفين إمكانية قيامها بدور بارز في أي مفاوضات خاصة بصفقة تبادل الجنود المفقودين في القطاع. ويوضح شراب أنّ أهم العقبات التي ستواجه تركيا في ملف المفاوضات غير المباشرة بين الطرفَين هي مطالب "حماس" المتمثلة في ذراعها العسكرية "كتائب القسام"، وغياب حسن النوايا عند إسرائيل، إضافة لمدى استجابتها لسير عملية المفاوضات حول الجنود الأسرى. وينبّه أستاذ العلوم السياسية إلى إمكانية أن تحاول تركيا خلال سير المفاوضات تحويل الأخيرة إلى شكل عام يشمل رفع الحصار عن غزة، والوصول إلى اتفاق تهدئة طويل الأمد بين "حماس" وإسرائيل، بالإضافة إلى صفقة تبادل الأسرى الفلسطينيين بالجنود المفقودين.

ويلفت شراب إلى أنه من الصعب أن تتجاوز "حماس" الدور المصري في أي مفاوضات محتملة أو صفقة أسرى، بأي حال، كون قطاع غزة يشكّل صمام أمان للأمن القومي المصري على الرغم من توتر العلاقات بين النظام المصري الحالي و"الحركة". ويضيف أنّ العلاقات التركية ـ الإسرائيلية تعتبر أكثر عمقاً واستراتيجية من علاقة إسرائيل ومصر اللتين تربطهما حدود واتفاقية سلام، ما قد يدفع بمنح الملف لتركيا التي تتمتع بعلاقات جيدة مع "حماس" وإسرائيل، مقارنة مع النظام المصري الحالي. ويرجح شراب إمكانية إنجاز صفقة تبادل قريبة بين "حماس" والاحتلال الإسرائيلي في ظلّ وجود ضغوط كبيرة على الجانبين، لا سيما الإسرائيلي بعد الحراك الذي بدأته عائلات الجنود المفقودين لدى المقاومة، بالإضافة إلى كون ورقة الأسرى هي الوحيدة بيد "حماس"، على حدّ قوله.

من جانبه، يتفق المحلل السياسي، الكاتب مصطفى الصواف، مع شراب في إمكانية قيام تركيا بدور الوساطة بين "حماس" وإسرائيل للتوصل إلى صفقة تبادل أسرى، على غرار صفقة شاليط، كونها تعتبر أفضل من الوسيط الألماني، ولا تختلف كثيراً عن الدور المصري. ويشير الصواف لـ"العربي الجديد" إلى أنّ موقف "حماس" المعلن بشأن الجنود الأسرى بغزة، أنه لا معلومات من دون ثمن، سيبقى على ما هو عليه، سواء توسّطت تركيا أو غيرها، للمساهمة في إنجاز صفقة تبادل جديدة بين المقاومة وإسرائيل.

ويشير إلى أنه لا يوجد أي عائق لدى "حماس" وذراعها العسكرية "كتائب القسام" من الدور التركي أو غيره، مقارنة مع الحواجز التي يضعها الاحتلال الإسرائيلي، والتي قد تصطدم هذه الجهود والتحركات بعقباته، ما قد يؤدي إلى إطالة أمد المفاوضات من أجل تقليص الثمن. ويوضح الصواف أنّ مصر ليست صاحب الشأن في هذا الملف، كونها لا تريد للمقاومة الفلسطينية في غزة تحقيق أي إنجاز على الأرض، وفي ظل حاجة إسرائيل لاستعادة جنودها المفقودين في القطاع، المحاصر إسرائيلياً منذ عشر سنوات، عبر أي وسيط حال توفرت الشروط. ويستبعد الصواف إمكانية الوصول إلى صفقة تبادل قريبة بين "حماس" وإسرائيل خلال العام الحالي بفعل التردد الإسرائيلي الدائم في أية مفاوضات، ومدى قدرة الوسيط ونشاطه لمحاولة تقريب وجهات النظر بين الطرفين، مع الترجيح بإمكانية الوصول إلى صفقة تبادل بعد عام.

بدوره، يتّفق المختص في الشأن الإسرائيلي، حاتم أبو زايدة مع الصواف بشأن صعوبة التوصل لصفقة تبادل قريبة بين المقاومة الفلسطينية في غزة والاحتلال الإسرائيلي، خصوصاً بعد مرور نحو عامين، على أسر الجنود من دون وجود أي معلومات حول مصيرهم. ويقول أبو زايدة لـ"العربي الجديد" إنه من الممكن أن تقوم تركيا بدور الوساطة بين إسرائيل و"حماس" في هذا التوقيت، بعدما أعادت تطبيع علاقاتها مع إسرائيل، إلا أنّ إمكانية الوصول إلى صفقة تبادل ستحتاج إلى سنوات، كما حدث مع صفقة شاليط التي استمرت عملية أسره خمس سنوات.

ويشير إلى أنّ أي حراك محتمل في ملف الجنود الإسرائيليين الأسرى في غزة، سيكون بطلب إسرائيلي، في ظل تصاعد المطالبات بضرورة استعادتهم، وعدم وجود أي معلومات حقيقية بشأن مصير كل من الأسرى هدار غولدن وشاؤول أرون، وأبراهام منغستو.