الإحباط يقتل أيضاً في غزة: انهيار بلا مؤشرات لحلول

18 ابريل 2018
الحركة في الشوارع لم تعد كالسابق(عبد الحكيم أبو رياش)
+ الخط -
لم ينجح الموظف في السلطة الفلسطينية، ساهر عبدالله، في إقناع صاحب البقالة في غزة باستمرار التعامل بينهما حتى يحصل على راتبه الشهري، فالبائع لا يزال غير واثق من إمكانية عودة السلطة عن قرارها بوقف رواتب موظفيها في القطاع الساحلي المحاصر. ولم يتلقَ موظفو السلطة الفلسطينية في قطاع غزة رواتبهم حتى الآن، على الرغم من أنهم عادة ما يتلقونها في الأسبوع الأول من كل شهر، لكن هذه المرة لم تُدفع، وسط تأكيدات مختلفة أنّ السلطة قطعتها نهائياً عن غزة، وحديث آخر بشكل خجول عن وجود خلل فني يعيق دفعها، لكن ذلك لا يقنع أحداً من الموظفين.

وحاول عبد الله مراراً إقناع الرجل باستمراره في الدين لحين تحصيل راتبه، ولم ينجح بتاتاً، ومثله كثيرون لم يستطيعوا تدبير أمورهم في ظل أوضاع اقتصادية غاية في الصعوبة، وظروف معيشية تقترب من الانهيار الشامل. يقول عبدالله لـ"العربي الجديد": "في السابق كان أصحاب البقالات يعطون موظف السلطة الوطنية ما يريد ويتم الدفع مع تلقي الرواتب، أما اليوم فإن معظم أصحاب البقالات توقفوا عن ذلك، لأنّ أحداً منهم لا يستطيع مراكمة الديون في ظل هذه الظروف والإرباك الحاصل في الرواتب".

أما صاحب البقالة، فبرر لعبدالله أنه لا يستطيع تحمّل المزيد من تراكم الديون على الموظفين في ظل غياب المؤشرات الحقيقية على عودة السلطة لصرف رواتب موظفيها، وأبلغه أيضاً بأن التجار الذين يتعامل معهم يطالبون بأثمان البضائع، وهو لا يستطيع في هذه الحالة أن يدفع، وأنه يفكر جدياً في إغلاق البقالة التي تُعتبر مصدر دخله الوحيد.

وأغلقت بعض المصالح التجارية أبوابها في غزة، وباتت أسواق القطاع خالية من المتسوقين، وحتى الشوارع لم تعد فيها حركة كالسابق، وسط حالة من الإحباط تعمّ الجميع، في ظل غياب الرؤية للخروج من المأزق الحالي، مع استمرار الانهيار في الأوضاع المعيشية ووصول الفقر والبطالة إلى معدلات قياسية غير مسبوقة. وتوقفت عجلة الحياة في غزة بشكل كبير مع وقف السلطة الفلسطينية دفع رواتب موظفيها، وتأخر رواتب المتقاعدين بالشقين المدني والعسكري، على الرغم من أنها عملياً لا تتبع لوزارة المالية في الحكومة الفلسطينية، وتراكم الديون على الموظفين بعد عام من الحسومات التي طاولت رواتبهم.


وفي أحدث تقاريره، ذكر الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، أنّ نسبة الفقراء وصلت إلى ما يزيد عن نصف السكان في قطاع غزة، فقد بلغت 53 في المائة، أي تفوق نسبة الفقر في الضفة الغربية بحوالي أربعة أضعاف. أما بناءً على خط الفقر المدقع، فقد بلغت نسبة الفقراء في الضفة الغربية 5.8 في المائة، بينما وصلت في قطاع غزة إلى 33.8 في المائة، أي تفوق نسبة الفقر في الضفة الغربية بحوالي ستة أضعاف، وفق الجهاز المركزي للإحصاء.

وكان الرئيس الفلسطيني محمود عباس قد هدد أخيراً بفرض مزيد من العقوبات على قطاع غزة المحاصر، في إطار مساعيه لدفع حركة "حماس" لتسليم القطاع كاملاً لحكومة الوفاق الوطني الفلسطيني بعد تعثّر المصالحة والتفجير الذي أصاب موكب رئيس الحكومة رامي الحمدالله ورئيس جهاز المخابرات ماجد فرج الشهر الماضي في شمال غزة. وقالت مصادر لـ"العربي الجديد"، إنّ رواتب موظفي السلطة في غزة معلّقة بقرار من عباس، ولن يجري صرفها قبل أن ترد حركة "حماس" على الشروط التي أعلنها ونقلها الوفد الأمني المصري إلى الحركة السبت الماضي، وأن يكون الرد إيجابياً. لكن حركة "حماس" التي تسيطر على القطاع منذ أحد عشر عاماً، ليست مستعدة لتسليم غزة بالشكل الذي يريده عباس، واكتفت بدعوة السلطة الفلسطينية للتوقف عن فرض العقوبات على القطاع، وطالبتها بإعادة الحسومات لموظفيها وصرف رواتبهم.

ووصل وفد من "حماس" أمس الثلاثاء إلى القاهرة، ويُتوقع أن يخوض مع وفد من "فتح" نقاشات جديدة في العاصمة المصرية، بعد زيارة الوفد الأمني المصري إلى غزة السبت الماضي. لكن الحوارات الجديدة في القاهرة، إن حصلت، لن تُقدّم شيئاً جديداً للفلسطينيين في ظل إصرار القيادة الفلسطينية على مخرج واحد للأزمة الحالية، وهو تسليم غزة كاملاً. ويبقى مصير موظفي غزة الذين عيّنتهم حكومات "حماس" غامضاً في ظل إصرار السلطة الفلسطينية على تسلّم كل شيء في القطاع، وتقول "حماس" وفصائل أخرى إنّ ذلك نوع من استمرار تفرّد قيادة السلطة، وإنّ المطلوب هو شراكة وطنية وليس إحلال موظف بدل آخر.

وباتت السلطة تتحدث بشكل واضح عن سلاح واحد في غزة، وهو ما كرره عباس أكثر من مرة، وأعاد التأكيد عليه رئيس حكومة الوفاق رامي الحمدالله، وهو ما يقلق "حماس" كثيراً، إذ إنها تفهم المقصود على أنه سلاح ذراعها العسكرية "كتائب القسام"، على الرغم من أنها تعهدت في أوقات سابقة بأنّ يبقى السلاح بعيداً عن التجاذبات ووافقت على أنّ يكون جزءاً من الإجماع الوطني.

في الشارع الفلسطيني، باتت الأصوات ترتفع كثيراً، في ظل الحاجة لدعم صمود الفلسطينيين في وجه مخططات تصفية القضية الفلسطينية، وفي ظل الحراك الحدودي اليومي والأسبوعي للتذكير بقضية فلسطين، ويعتقد كثيرون أنّ انفصال غزة رسمياً سيصبح أمراً واقعاً إذا ما استمرت السلطة في عقوباتها على القطاع، وإذا ما واصلت "حماس" تمسكها في الحكم من دون إيجاد بدائل حقيقية على الأرض.