هل لديك معلومات جديدة حول اغتيال خاشقجي منذ صدور تقريرك؟
وصلتني معلومات من جهات عدة. ولكنني لم أقتنع بأي منها حتى الآن، إذ لم أستطع التدقيق بها لتبيان مدى صحتها. في مقابلة حديثة له مع قناة التلفزيون الأميركية PBS اعترف ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بأن الجريمة كانت قد حصلت في عهدته أو نطاق إدارته، بمعنى آخر أنه اعترف ولو بشكل غير مباشر بأن هذه الجريمة هي جريمة دولة، بما أنه رجل دولة، بل ويوحي بأنه أشبه برئيس الدولة. ولكنه لا يعترف بمسؤوليته الشخصية، الفردية، عن هذه الجريمة، بل على العكس تماماً. لقد نأى بنفسه عنها قائلاً إن هناك ملايين من الموظفين الذين يعملون في إدارته، وثمة وزراء يلاحقون الملفات وإنه لا يستطيع مراقبة كل أفعالهم والتحكّم بها جميعاً. فهو لا يعترف بمسؤوليته الجنائية الشخصية، لكونه على أقل تعديل، لم يتخذ التدابير الضرورية للحيلولة دون وقوع مثل هذه الجريمة.
هل لديك معلومات حول المحاكمة الجارية حالياً في المملكة العربية السعودية ضد بعض المتهمين؟
كما تعلمون، ثمة 11 شخصاً يخضعون للملاحقة القضائية ومن ضمنهم 9 من أصل فريق يضم 15 شخصاً، أي الأشخاص الذين تم التعرف إليهم على أنهم ينتمون للمجموعة الخاصة المرسلة إلى إسطنبول. لماذا تم توقيف هؤلاء بالذات لا غيرهم؟ هذا ما لا نعرفه. منذ صدور تقريري، عُقدت جلسة واحدة على حد علمي في المحاكمة، لكنّ المحاكمة مغلقة، والحاضرون، ومنهم ممثل عن الحكومة الفرنسية، لا يبوحون بأي معلومة حول ما يجري فيها.
أياً كان الحال، لا يمكن اعتبار هذه المحاكمة منصفة حتى لو انتهت بأحكام تدين المتهمين. من جهة أخرى، حتى لو كان الجنرال أحمد العسيري من ضمن المتهمين، إلا أن سعود القحطاني المسؤول الرئيسي لم توجّه إليه التهمة. مع أن هذا الشخص المقرب من محمد بن سلمان والذي ذكره العديد من الشهود في قضية اختطاف رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري وفي قضايا تعذيب ناشطات حقوق المرأة في السعودية، هو من المشتبه بهم بشكل أساسي. بل إن اسمه ذكر على لسان المدعي العام السعودي بصفته أحد الأشخاص الذين حرّضوا على الجريمة ودفعوا المجموعة إلى الإتيان بخاشقجي لأنه يشكل تهديداً على الأمن الوطني. وثمة بعض الشائعات التي تدعي أنه قُتل، ولكنني لم أستطع التأكد من ذلك.
كيف كانت ردود الفعل على نشر التقرير؟
ردود الفعل في مجلس حقوق الإنسان وفي الصحافة كانت إيجابية عموماً. بعض الدول أدلت بتصريحات قوية للغاية، مثل كندا وكذلك أستراليا. أما فرنسا فهي من الدول المؤيدة لتواصل الأمور كالمعتاد. لم يسفر اجتماع المجلس عن أي عمل ملموس. بل على العكس، كانت قمة الـ20 التي عُقدت بعد أسابيع من تقديم التقرير، ساحةً لمشهد محزن فعلاً، إذ رأينا الرئيس الأميركي دونالد ترامب يعانق محمد بن سلمان. كما أُتحفنا بصورة أخرى نهاية الاجتماع، رأينا في صدارتها دونالد ترامب يصافح محمد بن سلمان، وحولهما رؤساء الدول الآخرون يوجّهون تحية باتجاه الكاميرا. مما يشي بقلة الاحترام لكل الأشخاص الذين يتعرضون للقمع في السعودية، وللمبادئ التي تنادي بها مجموعة الـ20، وللعمل الذي قمت به من ناحيتي. لم يحاول رئيس أي دولة أن يحيد عن هذا الاستغلال للقمة في مسرحية رتبها الرئيس الأميركي والأمير السعودي.
اجتماع قمة العشرين المقبل سوف يُعقد في الرياض عام 2020؟
لقد كانت قمة أوساكا مثيرة للجدل لكن قمة العام المقبل ستكون كارثة بالنسبة للمبادئ التي ندافع عنها. هناك خياران ممكنان، إما أن تتطوع دولة أخرى لاستضافة القمة بدل الرياض. وإما أن يوضع شرط لمشاركة الدول، مثلاً الإفراج عن الناشطات السعوديات وبشكل عام عن كل الذين سُجنوا بسبب تجريم معتقداتهم، وأن تُشترط المشاركة أيضاً بطلب محاسبة من أمر بقتل جمال خاشقجي. كما أن من الحيوي أن يطلب رؤساء الدول إدراج حرية الصحافة على جدول أعمال القمة، وأن ينظّموا لقاءات صحافية حول هذه القضية وألا يسمحوا باستغلال القمة لأغراض منافية للقيم التي تنادي بها عدة دول في مجموعة العشرين.
بصدد الردود على تقريرك، هل استطعت مقابلة عدد من أعضاء الكونغرس الأميركي؟
بالفعل، التقيت بحوالي عشرة نواب من الكونغرس وشعرت بأن ثمة تعبئة حقيقية لديهم. لقد تبنّى مجلس النواب في منتصف شهر يوليو/تموز وبأغلبية ساحقة (405 أصوات ضد 7) نصاً تقدّم به النائب توم وولينسكي يطلب من مدير وكالة الاستخبارات الوطنية التعرف على هوية مرتكبي جريمة جمال خاشقجي وفرض عقوبات عليهم. وإذا تبنّى مجلس الشيوخ هذا القرار فسوف تكون له تبعات خطيرة، إذ سيؤدي على سبيل المثال إلى معاقبة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان وحرمانه من تأشيرة الدخول إلى أميركا. آمل أن تشكل هذه المواقف الحازمة حافزاً لوعي برلمانات أخرى في العالم بأن عليها دوراً لا بد أن تلعبه في هذه القضية، بغض النظر عن الدور الذي تؤديه السلطات التنفيذية.
هل يمكن للأمم المتحدة أن تُتبع هذا التقرير بعمل آخر؟
يمكنها ذلك. ولكن هل ستفعل؟ لقد طلبت من الأمين العام (أنطونيو غوتيريس) أن يشكّل لجنة مستقلة تستطيع تحديد المسؤوليات الفردية في ارتكاب الجريمة لكنه رفض. وادعى أن ليس لديه الصلاحية للقيام بذلك وأن على تركيا أن تتقدّم بطلب رسمي، وهو الأمر الذي لم تُقدِم عليه حتى الآن. ولمّح أخيراً إلى أنه قد يحتاج إلى قرار من مجلس الأمن وهو الأمر الذي يخالفه الرأي فيه خبراء الشؤون الإجرائية في الأمم المتحدة. واقترحتُ عندها حلاً لملء الفراغ المؤسساتي الذي كشفته قضية خاشقجي، عن طريق آلية دولية للتحقيق يمكن أن تكلف نفسها ذاتياً، من دون اللجوء إلى قرار سياسي، مما يسهل مهمة الأمين العام؛ فليس من السهل بالفعل بالنسبة له أن يتصدى للولايات المتحدة الأميركية أو السعودية. إلا أن بإمكانه أن يقول لنا كيف نحرز تقدماً في المستقبل في تفادي تسييس اتخاذ القرارات، والطريقة الوحيدة للتمكن من ذلك هي بالفعل وضع آلية جديدة تقوم بتحقيق مستقل. يمكن أن يطلب من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة أو حتى من الجمعية العامة أن تنشئ مثل هذه الهيئة. تحقيق العدالة في قضية جمال خاشقجي سوف يستغرق بعض الوقت. في هذه الأثناء، لا بد من إحباط كل محاولات إعادة إسباغ الشرعية على الدولة السعودية، التي تأكد فيها الطابع القمعي. لا بد من اتخاذ التدابير المطلوبة في هذه المرحلة للمضي قدماً على طريق المبادئ التي تدافع عنها الأمم المتحدة.