لواء العمالقة... قصة معسكر يمني سقوطه يعلّق مشاورات الكويت

02 مايو 2016
أُنشئ "اللواء" من تشكيلات الجيش المتنوعة(عبدالناصر الصديق/ فرانس برس)
+ الخط -
حين قدّمت الحكومة اليمنية رؤيتها، أول من أمس، في مشاورات الكويت لترتيبات ما بعد الانسحاب من المدن وتسليم السلاح، اعتُبر "لواء العمالقة" أحد الألوية التي ستسند لها مهمة تسلّم السلاح من الحوثيين وحماية المدن بعد انسحاب المليشيات، لكن الحوثيين استبقوا هذا المشهد وسحبوا سلاح "اللواء" قبل أن تُسحب أسلحتهم. فجّر هذا الخرق للحوثيين وقوات الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح محادثات الكويت، ما دفع الوفد الحكومي إلى تعليق مشاركته. إلّا أنّ ضغوطاً دولية، وفقاً لمراقبين، قد تعيد الوفد الحكومي للجلوس إلى الطاولة مع الانقلابيين. واعتبر رئيس الوفد حكومي في محادثات الكويت، وزير الخارجية اليمني، عبد الملك المخلافي، أن "جريمة اقتحام معسكر العمالقة تنسف مشاورات السلام". وأضاف في تغريدة له عبر "تويتر"، "سنتّخذ موقفاً مناسباً، رداً على جريمة الحوثي من أجل شعبنا وبلادنا". 

وشنّت مليشيات الحوثي وقوات المخلوع هجوماً عسكرياً على معسكر اللواء في منطقة حرف سفيان بعمران (شمال صنعاء)، واستولوا على كمية كبيرة من الأسلحة، خلال الساعات الأولى من صباح أمس الأحد. 

ومثّل سقوط قيادة قوات "لواء العمالقة" بأيدي الحوثيين ضربة موجعة لما تبقى من مكوّنات الجيش اليمني الذي كان يفترض أن يكون نواة لعملية سلام يديرها هذا اللواء بمكوناته العسكرية الكبيرة. لم يسقط "لواء العمالقة" إلا بعد فترة طويلة من حصاره من قبل الحوثيين بشتى الطرق. وعمد الحوثيون إلى توقيف رواتب جنود وضباط "اللواء" منذ أشهر، وبعدما سمحوا بصرف تلك الرواتب اشترطوا أن تُسلّم في مدينة عمران وفي العاصمة صنعاء. وتقول مصادر عدة إنّ الحوثيين قاموا بصرف رواتب الجنود من صنعاء وعمران ومنعهم من العودة إلى وحداتهم في حرف سفيان، وهي المنطقة الواصلة بين عمران وصعدة.

وتشير مصادر عسكرية مطلعة إلى أن معسكر القيادة الأساسي أُفرغ من القوة الحقيقية للواء، وبقي فيه مئات الجنود بعدما كانت قوات اللواء تصل إلى أكثر من 10 آلاف جندي، إذ تُرك لأشهر في ظل حصار ثم مُنعت عودة الجنود من العاصمة وعمران إلى مقر اللواء. فيما يقول مصدر عسكري لـ"العربي الجديد" إن منتسبي اللواء رفضوا، أخيراً، تعيين العميد مصلح الوروري، قائداً للواء خلفاً للعميد حميد التويتي الموالي للحوثيين، والذي غادر اللواء قبل ثلاثة أشهر بسبب احتجاجات اندلعت ضده في معسكر اللواء، ما أدى إلى تفجّر الأوضاع.

أُنشئ لواء العمالقة من تشكيلات متنوعة من الجيش اليمني في السبعينيات، أثناء رئاسة القاضي عبدالرحمن الإرياني للجمهورية اليمنية، والذي عيّن القيادي الراحل، المقدم عبدالله الحمدي، قائداً له في عام 1971. تطورت إمكانات اللواء أثناء فترة رئاسة الرئيس الراحل إبراهيم الحمدي الذي اغتيل بعد ثلاث سنوات من توليه الحكم مع شقيقه قائد قوات العمالقة عبدالله الحمدي بعدما كان اللواء قد أصبح بمثابة أقوى قوة ضاربة في الجيش اليمني.



تشكّل اللواء من مجموعة ألوية للجيش في السبعينيات بينها قوات الصاعقة، والمظلّات، والعروبة والمغاوير، واللواء العشرين الذي كان يقوده عبدالله الحمدي قبل أن يُعيّن قائداً لـ"العمالقة". وتلك الألوية معروفة بخبرتها القتالية بعد معارك تثبيت ثورة سبتمبر/ أيلول عام 1962 حتى نهاية الستينيات. تولى الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح السلطة بعد اغتيال الرئيس الحمدي، وشقيقه، إضافة إلى الرئيس الجديد محمد الغشمي، والذي اغتيل بعد أشهر قليلة من توليه الرئاسة في عام 1978.

حرص صالح على إبعاد "لواء العمالقة" عن العاصمة صنعاء في فترات حكمه. شارك اللواء عقب اغتيال قادته باجتياح عدد من المناطق ومن بينها محاولة اقتحام العاصمة صنعاء في محاولة منه للتمرد على القيادة الجديدة للبلاد، والتي اتهمت حينها باغتيال قائد اللواء ورئيس البلاد لكن تسوية عسكرية تمت وأخمدت التمرد. شارك أفراد اللواء في الحرب العراقية الإيرانية عام 1980، ما أكسبهم خبرة قتالية عالية وأدت إلى شهرة أفراد هذا اللواء.

بقي مقر "اللواء" في محافظة ذمار جنوب العاصمة لسنوات ثم نُقل إلى محافظة البيضاء. وأثناء حرب صيف 1994، تولى "اللواء" مهام أكبر العمليات العسكرية من خلال قتاله في الجبهة الشرقية لمحافظة عدن، إذ دارت أعنف معارك تلك الحرب في محافظة أبين مع هذا "اللواء"، واستطاع إسقاط محافظة أبين واقتحام عدن من الجهة الشرقية، وسيطر على مطار عدن لتسقط بقية مناطق الجنوب في أيدي قوات الشمال. أصبحت قوة "اللواء" ضاربة بعد تحقيقه تلك الانتصارات في الجنوب، ما جعل صالح يفكر بمخاوف من هذه القوة، فقرّر نقله من البيضاء وأبين إلى شمال اليمن، وتحديداً إلى حرف سفيان. أدخله في حروب طاحنة مع الحوثيين تميّز فيها "اللواء" بالقوة والحزم، حيال تلك التمردات، غير أن التسويات السياسية التي كانت تتم مع الحوثيين أضعفت الموقف العسكري للجيش خلال الحروب الست.

أُنهك "اللواء"، تدريجياً، وتم تفكيكه إلى وحدات بقي منها اللواء 29 ميكا، وهو اللواء الذي استمر حتى اليوم. في عام 2011، أعلن قائد اللواء علي الجائفي وهو القيادي الذي تسلم زمام القيادة منذ نهاية السبعينيات حتى اليوم، وقوفه إلى جانب الثورة الشبابية السلمية عام 2011، لكنه أبقى اللواء على الحياد ولم يدخله في أية مواجهات مع أي من التشكيلات العسكرية الأخرى. اعتُبر الجائفي أقرب إلى اللواء علي محسن الأحمر، آنذاك، والذي يشغل حالياً منصب نائب الرئيس اليمني، عبدربه منصور هادي، منه إلى الرئيس المخلوع. وحين قرر الرئيس هادي إعادة هيكلة الجيش عيّنه قائداً لقوات الحرس الجمهوري خلفاً لأحمد علي عبدالله صالح، وتم تغيير مسمى الحرس الجمهوري إلى قوات الاحتياط.


المساهمون