مقابلة بن سلمان: ترويج مكرَّر وتغييب للملفات المحرجة

16 يونيو 2019
أول مقابلة لبن سلمان منذ أشهر (Getty)
+ الخط -
اختار ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، وسيلة إعلامية تابعة له هي صحيفة "الشرق الأوسط"، في أول ظهور إعلامي له منذ مقابلته مع موقع "بلومبيرغ" في أكتوبر/تشرين الأول عام 2018 والتي نفى فيها وجود الصحافي المعارض جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول. وفي إطلالته الجديدة التي نُشرت أمس السبت، رفع ولي العهد السعودي نبرة خطابه ضد إيران، محاولاً ترويج ادعاءات نظامه بعدم مسؤوليته عن قتل خاشقجي، وسيطرته على معظم الأراضي اليمنية، فيما تجاهل الحديث عن حصار قطر.

واتهم ولي السعودي في المقابلة، إيران صراحة بالوقوف خلف هجوم الناقلات الأربع بالقرب من ميناء الفجيرة، على الرغم من عدم توصل التحقيقات التي تم إجراؤها إلى نتيجة تحدد الفاعلين.

كما اتهم بن سلمان النظام الإيراني بـ"زعزعة استقرار المنطقة" لتصدير الثورة ومفهوم "ولاية الفقيه"، فيما قال إن بلاده تسعى لاستقرار المنطقة في الخليج العربي والقرن الأفريقي وشمال أفريقيا، متناسياً الحصار الذي بدأه ضد دولة قطر عام 2017، والذي أدى إلى انقسام منظومة مجلس التعاون الخليجي، ودعمه لمليشيات اللواء المتقاعد خليفة حفتر في ليبيا ضد حكومة الوفاق المعترف بها دولياً، واستقباله حفتر في الرياض على الرغم من اتهامه بارتكاب جرائم ضد الإنسانية في ليبيا.

وقلّل بن سلمان من أهمية الانتقادات العنيفة الموجهة له ولنظامه على خلفية اغتيال الصحافي خاشقجي داخل القنصلية السعودية في إسطنبول وإذابة جثته بالأسيد بعد تقطيعها بالمنشار، في جريمة وُصفت بأنها "الأكثر ترويعاً" بحق صحافي في تاريخ الخليج العربي. وقال بن سلمان إن بلاده سبق أن واجهت حملات شبيهة بهذه الحملات الإعلامية والتي تستند غالبها إلى التحيز والمعلومات المغلوطة، حسب وصفه، وأن العلاقة الأميركية مع السعودية ممتدة لأكثر من سبعين عاماً ولن تتأثر بهذه الحملات الإعلامية.

وحاول بن سلمان حصر الجدل حول قضية خاشقجي في حملات إعلامية تطلقها الصحف والمنظمات الحقوقية، لكنه تجاهل تصريحات قادة الكونغرس، ومنهم الجمهوري ليندسي غراهام، والديمقراطي ماركو روبيو، ضد النظام السعودي على خلفية اغتيال خاشقجي، كما تجاهل هروب شقيقه الأمير، خالد بن سلمان، من منصبه كسفير للسعودية في واشنطن وعودته إلى رياض عقب ثبوت تورطه في الإيقاع بخاشقجي وإرساله إلى فخ القنصلية في إسطنبول، إلى جانب فرض الحكومة الأميركية عقوبات على 17 شخصية متورطة في الاغتيال ومنهم الذراع اليمنى لبن سلمان، المستشار في الديوان الملكي سعود القحطاني.

ولم يظهر بن سلمان في المقابلة اهتمامه بالملف السوري، إذ أجاب بشكل مقتضب عن اتفاق أهدافه مع أهداف الولايات المتحدة على الرغم من إعلان الأخيرة العمل على سحب جنودها من سورية، وإنهاء وجود الجماعات الإرهابية.

في سياق آخر، بدت لغة ولي العهد ناعمة تجاه تركيا بعكس المقابلات الصحافية السابقة، وقال في جواب عن تصاعد وتيرة تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حول قضية خاشقجي وتشكيك المسؤولين الأتراك في القضاء السعودي؛ إنّ بلاده تسعى لأن تكون علاقاتها قوية مع كل الدول الإسلامية بما فيها تركيا وليس الدخول في "مناكفات" تضر مصلحة الوطن والعالم الإسلامي، وإن ما يصدر من بعض المسؤولين الأتراك يعود إلى ما وصفه بـ"الأسباب الداخلية".

وتحدث ولي العهد بإسهاب عن الحرب في اليمن، معترفاً بوجود ضربات حوثية امتدت إلى قلب الأراضي السعودية، قائلاً إن الهجمات التي تشنها المليشيات الحوثية بشكل مستمر على مطارات أبها وجازان والمصالح النفطية في البلاد مدعومة من إيران. لكنه لم يتطرق للخسائر العسكرية التي مُني بها الجيش السعودي على طول الجبهات جنوب البلاد والاقتحامات المتكررة التي يشنها الحوثيون تجاه مدينة نجران السعودية.

وقال بن سلمان إن بلاده "حررت" معظم الأراضي اليمنية، متجاهلاً الحديث عن المأساة الإنسانية التي يعيشها الشعب اليمني بفعل القصف العشوائي لطائرات التحالف السعودي الإماراتي، وانتشار الأمراض بسبب نقص الأدوية والحصار المفروض على الموانئ والمدن.

وخلت المقابلة الصحافية من أي ذكر لدولة قطر، بينما اعتاد ولي العهد في كل لقاء صحافي على مهاجمة قطر وتأكيد استمرار حصار المحور الرباعي لها، لكنه لم يتحدث هذه المرة عنها. كما أنه تحدث عن جماعة "الإخوان المسلمين" بشكل مقتضب، وتجاهل كلياً الحديث عن وجود الآلاف من المعتقلين في السجون السعودية من المنتمين لـ"تيار الصحوة" أو الناشطين والناشطات الحقوقيات والنسويات الذين جرى تعذيبهم والتهديد باغتصابهم، وفق ما يقول أقرباؤهم.

كذلك تجاهل بن سلمان القضية الفلسطينية كلياً ولم يعلّق عليها، ولم يتحدث عن الجدل الدائر حول خطة الإملاءات الأميركية لتصفية القضية الفلسطينية والمعروفة إعلامياً بـ"صفقة القرن"  أو مؤتمر البحرين الاقتصادي الذي تقوده الولايات المتحدة، أو حتى الدعاية السعودية المستمرة حول الدعوة إلى حل الدولتين. ولم يتطرق ولي العهد للقمم الثلاث التي عُقدت في مكة والتي حاولت الرياض من خلالها استنجاد العالمين العربي والإسلامي والسعي للتوصل إلى إدانة مشتركة لإيران بعد تصاعد التوترات بينهما.

في سياق آخر، أكدت المقابلة بشكل قاطع سعي السلطات السعودية إلى فرض اقتصاد نيو ليبرالي متوحش على البلاد والاستمرار في سياسة رفع الدعم عن السلع الأساسية وفرض الضرائب ورفع أسعار الوقود والمحروقات، قائلاً إن برامج التخصيص ستشمل 12 قطاعاً وأن رؤيته الاقتصادية المسماة بـ2030 ماضية في طريقها ولن يتم إيقافها.

وأعلن بن سلمان بشكل صريح استمرار مشروع طرح "أرامكو السعودية" للاكتتاب العام والبيع الأسواق بين عامي 2020 و2021، وتحديد مكان الطرح السابق لأوانه، وأن الاستعدادات للطرح الأولي لـ"أرامكو" قد تمت عبر إصدار نظام ضريبة المواد الهيدروكربونية وتعيين مجلس إدارة جديد للشركة وتعزيز مبدأ الشفافية فيها.

وكان العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز قد أصدر أوامره بشكل مباشر في أغسطس /آب عام 2018 بإلغاء طرح "أرامكو" في الأسواق بحسب وكالة "رويترز"، وقام بتسريح المستشارين الماليين المشرفين على موضوع البيع، لكن نجله محمد بن سلمان الذي يعد الحاكم الفعلي للبلاد، لا يزال مصراً على هذه الفكرة التي رآها اقتصاديون سعوديون، منهم عصام الزامل، "فكرة مجنونة وخاطئة ومغامرة" تؤدي إلى إفلاس البلاد فيما بعد وفقدانها لدجاجتها التي تبيض ذهباً. ولم يتحمل بن سلمان الانتقادات الموجهة لطرح "أرامكو" فقام بسجن الزامل برفقة خبراء اقتصاديين آخرين.

المساهمون