عودة حزب بن علي في تونس: هل خرج أصلاً؟

20 اغسطس 2016
من تحرك شعبي في ذكرى الثورة التونسية (ياسين قائدي/الأناضول)
+ الخط -
تعيش تونس هذه الأيام على وقع أحداث "كبرى" كتشكيل الحكومة الجديدة، وأخرى قد تبدو ثانوية. لكن هناك أحداثاً تنظر إليها أوساط واسعة بقلق وتتعامل معها بوصفها خطراً على التجربة الديمقراطية في مرحلة ما بعد الثورة. يتعلق الأمر تحديداً بعودة أو محاولات عودة رموز النظام السابق. هذه "العودة" ليست بجديدة. فعدد كبير من رجال أعمال حقبة زين العابدين بن علي لم يخرجوا أصلاً لكي يعودوا. وعدد آخر من السياسيين ظلوا حاضرين في المشهد، بشكل أو بآخر. كما أن وزراء وزعماء أحزاب، شكلوا العمود الفقري لحكم النظام المخلوع، احتفظوا بنفوذهم وأحياناً بمناصبهم. وبعضهم عاد تحت عباءة ما يعرف بقانون المصالحة الاقتصادية والعفو الاقتصادي، والذي ازدهر في ظل رئاسة الباجي قائد السبسي، بخلاف ما كان عليه الحال تحت رئاسة المنصف المرزوقي.

سياسيون بارزون من رموز النظام السابق يعيشون اليوم على وقع أوهام إمكانية العودة رسمياً إلى واجهة المشهد. فعلى الرغم من فشلهم واصطدامهم بخسائر فادحة في الانتخابات التشريعية والرئاسية عام 2014، إذ لم يظفروا إلا بتمثيل خجول جداً في البرلمان التونسي (حققه حزب المبادرة)، ومع أنهم لم يتمكنوا من لمّ شملهم داخل حزب واحد، إلا أنهم يقومون بتحركات حثيثة لإعادة حجز مكان لهم في المشهد السياسي، على الرغم من تدني التأييد الشعبي لأحزابهم الصغيرة.

وشهدت نهاية الأسبوع الماضي انعقاد المؤتمر التأسيسي الأول للحركة الدستورية، في تونس العاصمة، والذي نظم تحت شعار "الثبات". ومن أبرز أركان هذه الحركة قيادات سابقة في حزب "التجمع الدستوري الديمقراطي" المنحل، مثل الوزير السابق حامد القروي، والمسؤولة السابقة لشؤون المرأة في حزب "التجمع"، عبير موسي.

المثير للجدل في هذه المسألة هو تلك التصريحات الإعلامية لقياديي النظام السابق، والذين أعلنوا صراحة أنهم لن "يعتذروا للشعب" عن الفترة التي تولوا فيها الحكم، بل إنهم على ثقة كبيرة وتامة بأنهم سيعودون إلى المشهد من الباب العريض.

وفي هذا السياق، اعتبرت موسي، من موقعها كرئيسة جديدة للحركة الدستورية، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنّ "حديثها المتواصل ودفاعها المستميت عن الدساترة والتجمعيين وثقتها في إمكانية عودتهم إلى المشهد السياسي من الباب الكبير نابع من تشخيص موضوعي وملموس للواقع الحالي، باعتبار أن السنوات الخمس الماضية من الشيطنة والتهميش والإقصاء من المشهد السياسي ومن إدارة شؤون الدولة وتعيين أشخاص من دون خبرة، أفرزت نتائج كارثية على البلاد" على حد تعبيرها.

وحول إمكانية احتلال الحركة الدستورية مكانة مهمة في المشهد السياسي الحالي، تعتبر موسي أن حظوظ أنصار الحزب المخلوع "وافرة للعودة من الباب الكبير إلى المشهد السياسي، ونريد العودة إليه بكرامة وليس كمواطنين وسياسيين من درجة ثانية وليس أيضاً بمنطق الهيمنة والتشفي والإقصاء، وإنما من أجل العمل على إنقاذ ما يمكن إنقاذه، وذلك بالانفتاح على الأطياف السياسية والحزبية التي تشاركنا التوجهات". وأضافت موسي "نحن على وعي اليوم بقانون اللعبة ومجرياتها وأنّ المشهد السياسي لم يعد يحتمل ويقبل منطق الحزب الواحد وسنعمل في ذات الوقت على أن تكون لنا استقلاليتنا الهيكلية والحزبية حتى نضمن الاستمرارية في المستقبل والمشاركة في الانتخابات المقبلة التي ستكون حظوظنا فيها وافرة".


العديد من المراقبين والمحللين يقرّون بأن حزب نداء تونس قد فتح الطريق لعودة رموز النظام السابق. فكل قياديي "النداء" كانوا سابقاً في حزب "التجمع"، ومن الوجوه البارزة لنظام المخلوع بن علي وفي مقدمتهم رئيس الجمهورية قائد السبسي نفسه. وبالتالي فإن تجرؤهم على العودة والعيش على أوهام القيادة من جديد "مسألة طبيعية"، بحسب بعض المراقبين. كما يذهب المحللون إلى اعتبار أن المشهد السياسي في فترة حكم "الترويكا" (التي كانت حركة النهضة تتزعمها) قد فتح الطريق لفكرة "العودة"، والتي تجلت إلى حد ما في الانتخابات التشريعية الماضية، وكذلك أثناء المعركة الرئاسية الماضية التي ترجمت توجهات الشعب من جهة، وعكست اللعبة السياسية التي اعتمدها حزب نداء تونس للظفر بسدة الحكم من خلال شيطنة حكم الترويكا من جهة ثانية، وتجنيد اليساريين لضرب صوت من أبرز أصوات الثورة، أي المنصف المرزوقي.

في هذا السياق، أكّد القيادي البارز في حزب المؤتمر من أجل الجمهورية، سمير بن عمر، لـ"العربي الجديد"، أن "ما يحدث اليوم وما يلاحظ من عودة لرموز النظام السابق هو تتويج لمسار كامل بدأ منذ الحوار الوطني وما تمخض عنه من تفاهمات، تمّ تدعيمها في انتخابات عام 2014 وما أفرزته من نتائج وفرت فرصة كبيرة لعودة منظومة الفساد والاستبداد"، في إشارة إلى رموز النظام السابق. وأضاف بن عمر أن "عودة التجمعيين هي عودة طبيعية وذلك بسبب هيمنة الضباع على مختلف مفاصل الدولة، ولا يستغرب ذلك باعتبار أن رئيس الدولة هو بدوره تجمعي".

واستطرد سمير بن عمر قائلاً إن "هذه العودة لن تكون لها آفاق واسعة في المستقبل، لكونها قامت في السابق على وعود انتخابية كاذبة وأوهام تمّ تسويقها إلى الشعب ولم تظهر أي نتائج اليوم؛ لأن الشعب التونسي استفاق على وقع عملية التحايل التي تعرضوا لها وأضحوا يعيشون على أخبار فضائح الفاسدين من النظام السابق".

كذلك، أوضح القيادي في حراك تونس الإرادة، طارق الكحلاوي، لـ"العربي الجديد"، أن "ثقة التجمعيين في العودة إلى المشهد تعود إلى دور حزب نداء تونس الذي أعاد العديد من الوجوه السابقة إلى الواجهة، ولكن على الرغم من الإحباط الذي يعيشه التونسيون فإنه يمكن الإقرار بأن الوضع في تونس لا يُعد وضعاً كارثياً حتى يهرعوا إلى إعادة النظام السابق وخير دليل على ذلك نتائج الانتخابات التشريعية".

من جهة أخرى، أوضح منسق شبكة دستورنا، المحلل السياسي جوهر بن مبارك، لـ"العربي الجديد"، أن "عودة التجمعيين والدساترة للمشهد السياسي ليس بالمفاجئ ولا بالجديد بل هو واقع ملموس منذ سنة 2011 عندما سارعت قيادات من التجمع الدستوري الديمقراطي المنحل إلى تكوين أحزاب والمشاركة في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي والفوز بمقاعد على غرار حزب المبادرة". وأضاف بن مبارك أن "ما عاشه الواقع التونسي في ما بعد مع حزب نداء تونس خير دليل أيضاً على أن التجمعيين لم يغادروا الحياة السياسية". لكن "حظوظ الدساترة وعودتهم بقوة إلى المشهد السياسي وإمكانية مشاركتهم في تسيير شؤون الدولة مسألة مشكوك فيها وغير واقعية بالمرة" وفق قوله. وأوضح بن مبارك أنّ "العودة من الباب الكبير لم تعد ممكنة باعتبار أن تونس قد تغيّرت، فقد يشارك الدساترة ويساهمون في الانتخابات المقبلة، ولكن لن يتمكنوا من تصدّر المشهد السياسي، باعتبار أن الشعب لم يعد يقبل بالعودة إلى الوراء".