الحوار في الجزائر: الحل في مأزق

28 اغسطس 2019
لن تستطيع السلطة القفز فوق الحراك الشعبي (فرانس برس)
+ الخط -
عند كل مأزق يفترض أن يكون بدء الحوار مؤشرا على قرب انفراج سياسي، وتحلل من المأزق نفسه. ليس هكذا الحال في الجزائر. فالحوار الذي ابتُدئ منذ أسبوعين بدا مأزقاً في حد ذاته، في شكله والشخصيات المديرة له، والقضايا المطروحة للحوار والمتعلقة إجمالاً بملف واحد، هو شكل الانتخابات الرئاسية وترتيبات تنظيمها.

يفترض أن تقوم هندسة الحوار على ثلاثة مرتكزات رئيسة، شخصيات حوارية مستقلة وذات مصداقية، وتوفير المناخ المساعد والمشجع، والتحضير والاستعداد لمناقشة كل التفاصيل المرتبطة بالأزمة وأساسات الحل السياسي. في الحالة الجزائرية تغيب المرتكزات الثلاثة، ففي صلب الهيئة المكلفة بإدارة الحوار توجد شخصيات من زمرة المستفيدين من عهد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، مالياً وسياسياً، ومسؤولين في هيئات مدنية زكت ترشحه لولاية خامسة (في انتخابات 18 إبريل/نيسان الماضي التي ألغيت)، وكوادر أحزاب بوتفليقة، واستئصاليين من دعاة القطيعة مع الإسلاميين، وشخصيات لا علاقة لها بأي نضال أو درب سياسي، ما ينزع الكثير من المصداقية عن الهيئة ويجعلها مجرد مركز متقدم للسلطة.

في المقام الثاني، فقدت هذه الهيئة منذ اللحظة الأولى كل القدرة على توفير مناخات التهدئة، واعترض الجيش بعنف على أي مسعى في هذا الاتجاه. وعلى مستوى ثالث ظهر أن الهيئة لم تكن مستعدة لإنجاز حوار جاد في لحظة متأزمة، بل إن أعضاء فيها ليس لديهم أدنى فكرة عن مهمتها الرئيسية. برغم هذه العوامل قد تكون الرعاية والدعاية الرسمية التي جُيرت لصالح هيئة الحوار، أتاحت لها تحقيق اختراق مهم في جدار الرفض المعارضاتي، عندما نجحت في دفع قوى وشخصيات بارزة من كتلة المعارضة وقوى التغيير (علي بن فليس، وجيلالي سفيان مثلاً) إلى الموافقة على الجلوس معها. ومع أنه لا يعرف ما إذا كانت تلك الجلسات استضافة لطارق باب لا تسمح الأخلاق واللياقة السياسية بصده، فإنها ومن الناحية العملية ما زالت تسبح في الهوامش السياسية، وبعيدة كل البعد عن جغرافيا الحل السياسي بما فيها الذهاب إلى انتخابات رئاسية مقبلة.

ثمة اتفاق إلى حد الإجماع بين كل المكونات السياسية والمدنية على الضرورة الملحة لإجراء حوار أولاً، والتوجه ثانياً إلى صناديق الاقتراع، ومنح الشعب حرية اختيار رئيس جديد، وإنهاء المرحلة المؤقتة المستمرة منذ الثاني من إبريل الماضي. لكن القوى الحيوية تلفت دائماً إلى أن مشكلة الجزائر لم تكن في الانتخابات، وإنما في وجود نية جدية لدى السلطة والجيش لتحرير الانتخابات والعمل السياسي. ومشكلة الانتخابات في الجزائر لم تكن إطلاقاً مع النصوص المنظمة للانتخابات أو الهيئات المشرفة، ذلك أن السلطة كانت أيضاً تطور تقنيات التزوير والتأثير والتسيير القبلي لنتائج الانتخابات في الاتجاه الذي تريد، تزامناً مع كل خطوة قانونية يتم من خلالها توسيع هامش مراقبة المعارضة للعملية الانتخابية في جانبها الشكلي. في محطات سياسية مختلفة، وبالأساليب نفسها، كانت السلطة تنجز استحقاقاتها بمن حضر، سواء تعلق الأمر بحوار سياسي أو انتخابات أو مسارات سياسية أخرى. وتبدو السلطة هذه المرة أيضاً عازمة على إنجاز حوار وانتخابات بمن حضر أيضاً، غير أنها لن تستطيع هذه المرة القفز أعلى من موج الحراك الشعبي الذي أطلق نَفَسه الثاني قبل أسبوعين.
المساهمون