واعترضت قوى سياسية ومدنية معارضة وناشطون في الحراك على تصريحات أدلت بها رئيسة اللجنة الفرعية لحقوق الإنسان في البرلمان الأوروبي ماري أرينا حول الوضع في الجزائر، وقال رئيس حركة مجتمع السلم عبد الرزاق مقري في تصريح صحافي، إنه ليس من حق البرلمان الأوروبي التعليق على الوضع في الجزائر.
وأضاف مقري "لن نصدق هؤلاء الأوروبيين ولن نعتمد عليهم في الكفاح من أجل الحرية ونرفض أي استقواء بجهات أجنبية للوصول إلى الحرية، معركتنا ضد الشمولية والديكتاتورية هنا في بلادنا جزائري جزائري".
وكانت أرينا قد قالت في فيديو بثته على مواقع التواصل الاجتماعي إن "الجزائر تعيش على وقع الأسبوع 32 لمسيرات الحراك الشعبي الذي لا يزال يستقطب حشودا من مختلف الفئات، ما يجري هو ثورة لقلب نظام الحكم، ونحن نعلن دعمنا لهم هنا في برلمان الاتحاد الأوروبي، بتنظيم جلسة استماع خاصة مع بعض الفاعلين في الثورة الحالية".
ودانت أرينا حملة الاعتقالات التي تقوم بها السلطات الجزائرية، وذكرت أن الحكومة الجزائرية اعتقلت تعسفيا أكثر من 83 متظاهرا منذ انطلاق المسيرات، مطالبة بإطلاق سراحهم ووقف الاعتقالات السياسية وفتح المجال لنقاش ديمقراطي حقيقي.
وقالت أرينا إن "هؤلاء المتظاهرين "يطالبون بتنظيم انتخابات، لكن ليس بالنموذج الجاري حاليا، ليس تحت إشراف النظام الحالي ولا بقواعد اللعبة التي يحاول فرضها. هم يطالبون بتعديلات على مستوى الدستور وبالتعددية السياسية وحرية التعبير والتجمع والتجمهر، وهذا غير مسموح به اليوم في الجزائر".
وفي السياق، دانت الكتلة النيابية للتحالف الإسلامي، التي تمثل ثلاثة أحزاب هي جبهة العدالة والتنمية وحركة البناء وحركة النهضة، الموقف المستجد للبرلمان الأوروبي.
وذكر بيان صادر عن الكتلة، أن الأحزاب الثلاثة "تلقت باستغراب وبارتياب شديد من حيث التوقيت ومن طبيعة التوظيف، ما جاء من تصريحات ومواقف جديدة للبرلمان الأوربي"، مشيرا إلى أن الجزائريين لم يطلبوا من أي جهة أن تقدم لهم نصائح في قضاياهم الداخلية.
واعتبر حزب العمال اليساري تعليقا على تطور الموقف الأوروبي أن تصريحات رئيسة لجنة حقوق الإنسان في البرلمان أرينا بمثابة "استفزاز للدولة والشعب، الانتخابات الجزائرية شأن داخلي، ونرفض رفضا مطلقا أي محاولة تدخل أجنبي، ومن الأولى للبرلمان الأوروبي مطالبة الحكومة الفرنسية باحترام حق التظاهر السلمي للفرنسيين وإطلاق سراح المعتقلين، ووقف العنف ضدهم".
وإضافة إلى القوى السياسية والمدنية، عبر نشطاء بارزون في الحراك الشعبي عن رفضهم التدخل الأوروبي في الشان الجزائري، وقال الناشط البارز عبد الوكيل بلام، لـ"العربي الجديد"، إن "الحراك حسم موقفه من التدخلات الأجنبية منذ الأسابيع الأولى، عندما ندد أولا بإقدام النظام على إيفاد مبعوث رسمي، نائب رئيس الحكومة حينها رمضان لعمامرة، إلى موسكو وبروكسل لشرح الوضع في الجزائر، ثم عبر الشعارات واللافتات التي كانت ترفع والتي كانت ترفض التدخلات الأجنبية".
وتصر التنظيمات المدنية بما فيها تلك المتضررة من سياسات السلطة وحملات التضييق، على إبقاء الأزمة السياسية في الجزائر في النطاق المحلي، درءا لكل المخاطر المحتملة من التدخلات الأجنبية.
وقال المتحدث باسم كبرى نقابات التعليم في الجزائر، وعضو منتدى التغيير مسعود بوذيبة، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "موقف الكتل المدنية واضح منذ البداية، ومنذ بدء الحراك الشعبي والأزمة السياسية، كنا نعتبر أنها أزمة جزائرية تحل بين الجزائريين وفي الجزائر وبأدوات جزائرية".
وتتخوف بعض الأطراف الفاعلة في المشهد الجزائري من أن يكون الموقف الأولي المعبر عنه من قبل نائب في البرلمان الأوروبي، مجرد مقدمة تفتح الباب لمواقف لاحقة، قد تكون أكثر تاثيرا، خاصة في وقت تتجه فيه الجزائر إلى حل أزمتها السياسية عبر الانتخابات.
وفي السياق، يعتقد الأستاذ الجامعي والناشط في تيار الحراك الأصيل يحيى جعفري أن "ما صدر عن البرلمان الأوروبي هو تدخل سافر، واستفزاز وتصرف غير دبلوماسي مدان ومرفوض شعبيا ورسميا، تقف وراءه دوائر فرنسية".
ويحتفظ الجزائريون على مر التاريخ السياسي للبلاد بحساسية سياسية بالغة تجاه أي تدخلات ومواقف أجنبية إزاء الوضع في الجزائر، وهو ما دفع إلى تجميد لافت في المواقف الدولية إزاء الأزمة السياسية الراهنة في الجزائر، حيث لم تعلن أي عاصمة غربية عن أي موقف منذ سبعة أشهر من الحراك الشعبي في الجزائر.
الجيش يردّ
بدوره، حذر قائد أركان الجيش الجزائري، أحمد قايد صالح، أطرافا خارجية من التدخل في الشؤون الداخلية للجزائر، وأطلق تهديدات جديدة ضد المجموعات السياسية والمدنية التي تعتزم تعطيل تنظيم الانتخابات الرئاسية المقبلة المقررة في 12 ديسمبر/كانون الأول القادم.
وقال قايد صالح، في اجتماع رفيع المستوى مع القيادات العسكرية في منطقة وهران، غربي الجزائر، إن "أطرافا خارجية معادية تحاول التدخل في شؤون الجزائر الداخلية بتواطؤ مفضوح مع العصابة في الداخل التي نحذرها من اللعب بالنار"، مضيفا أن "شعب الجزائري بكل أطيافه يرفض بصفة قطعية أي تدخل سافر في شؤونه، ما يجري في الجزائر شأن داخلي يخص الجزائريين وحدهم والشعب الملتف حول جيشه سيعرف كيف يتصدى لهذه المناورات".
وخاطب قايد صالح أطرافا وصفها بـ"المتطاولة"، قائلًا "اهتموا بشؤونكم وبمشاكل بلدانكم، فالجزائر ستعرف كيف تنتصر وتخرج من أزمتها قوية بشعبها وآمنة بجيشها".
وجدد قائد الجيش تحذيره السابق للمجموعات التي "قد تفكر في السعي لتعطيل الانتخابات الرئاسية المقبلة المقررة"، وقال إن "الجيش لن يتردد لحظة واحدة في التصدي الصارم والرادع لشرذمة قليلة تحاول إفساد عرس الانتخابات الرئاسية".
وكان قايد صالح يتوجه بخطابه التحذيري إلى مجموعات في الحراك الشعبي أعلنت رفضها للمسار الانتخابي، وهددت بتعطيل إجراء الانتخابات، خاصة بعد رفض عدد من رؤساء البلديات المنتمين لأحزاب الكتلة الديمقراطية، جبهة القوى الاشتراكية والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، السماح بإجراء مراجعة القوائم الانتخابية.
ووجه قائد أركان الجيش الجزائري تعليمات مشددة إلى قادة المناطق العسكرية وقيادات الأجهزة الأمنية لبدء اتخاذ الإجراءات الضرورية لتحضير وتأمين الانتخابات الرئاسية المقبلة.