النجف تزعج الإيرانيين... لاءات "الحنّانة" تتصاعد لصالح انتفاضة العراقيين

بغداد

براء الشمري

avata
براء الشمري
01 ديسمبر 2019
67C89B96-2C29-491C-A175-8FA6C77BF46A
+ الخط -

أظهرت مواقف المرجعية الدينية العليا في النجف والداعمة للحراك الاحتجاجي في العراق الذي انطلق منذ نحو شهرين اختلافا كبيرا مع التوجهات الإيرانية، وتحديداً مكتب المرشد الإيراني، علي خامنئي، الذي يعاني حلفاؤه اليوم من ارتباك غير مسبوق على المستوى السياسي، بعد أن تمكنت الانتفاضة من إرغام رئيس الوزراء، عادل عبد المهدي، المدعوم بقوة من طهران وتحالف "الفتح" (الجناح السياسي لمليشيات "الحشد الشعبي")، على تقديم استقالته للتخلص من ضغط الشارع العراقي الغاضب ضده وضد باقي حلفاء إيران.


وتصاعدت خلال الأسابيع الأخيرة وبشكل تدريجي حدة خطاب المرجع الديني، علي السيستاني، حول التظاهرات وتأييد مطالبها مقابل انتقاد القوى السياسية والحكومات المتعاقبة على البلاد منذ عام 2003 محملا إياهم مسؤولية الوضع الحالي، بخطب أسبوعية كل جمعة يلقيها ممثله في النجف.

وكان لافتاً أن أغلب خطب السيستاني ليست على هوى أو خط التوجهات الإيرانية المهاجمة للتظاهرات والمطالبة بقمعها كما في تصريحات خامنئي الأخيرة، أو تلك التي صدرت عن قيادات بالحرس الثوري الإيراني واعتبرت تظاهرات العراق مؤامرة أميركية ـ إسرائيلية.

ومما زاد ذلك هو امتناع مرجعية النجف التعليق على حرق القنصلية الإيرانية في النجف ومن قبلها مهاجمة القنصلية الإيرانية في كربلاء، وحرق الأعلام الإيرانية وصور خامنئي، رغم توقعات صدرت عن سياسيين عراقيين بصدور ما يمكن اعتباره رفضا لهذه الحوادث.

ومن أبرز المواقف اللافتة في الفترة الأخيرة هو رفض السيستاني تصريحات خامنئي التي طالب فيها السلطات العراقية بإنهاء التظاهرات وإخمادها ووصفه المحتجين بـ"المشاغبين"، حيث أعلن أنه "ليس لأي شخص أو مجموعة أو جهة بتوجه معين أو أي طرف إقليمي أو دولي أن يصادر ارادة العراقيين ويفرض رأيه عليهم".

تلاه مواقف أخرى لحراك سياسي برعاية زعيم "فيلق القدس" بالحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، عبر توقيع وثيقة أطلق عليها "وثيقة الاتفاق السياسي"، في بغداد في ذروة التظاهرات العراقية الشهر المنصرم تنص على منح الحكومة مهلة لتنفيذ الإصلاحات. كما أعقبها مواقف أخرى برفض العنف وإنهاء التظاهرات ومن ثم أخيراً ما اعتبر نسفاً لصفقة سليماني في الإبقاء على عبد المهدي رئيساً للحكومة، وهي الصفقة التي رضخت لها القوى السياسية التي كانت تطالب بإقالته أيضا، حيث أدت مطالبة السيستاني للبرلمان بمراجعة خياراته، إلى إعلان الكتل السياسية "الشيعية" الرئيسة في البرلمان بدء إجراءات استبدال الحكومة، وهو ما دفع برئيس الوزراء عصر الجمعة إلى الإعلان عن استقالته.

وأخيراً جاء حديث السيستاني على أن لا وصاية لأحد على الشعب العراقي وهو صاحب الشرعية والكلمة، بإشارة مباشرة إلى رفض أي شكل من أشكال الوصاية الدينية على العملية السياسية خاصة والمشهد العراقي عموما.

وحاولت المرجعية الدينية طوال الفترة الماضية النأي بنفسها عن التدخل المباشر بالشؤون السياسية بحسب الباحث في الشؤون الدينية، علي المنذري، الذي قال لـ"العربي الجديد"، إن "مرجعية النجف اضطرت للحديث بشكل واضح وصريح لأسباب عدة أبرزها تمادي الحكومة في قضية قتل المتظاهرين، بالإضافة إلى تزايد ضغط الشارع عليها للتحدث وأن يكون لها موقف واضح فالشارع العراقي اليوم غير الذي كان قبل الأول من أكتوبر/تشرين الأول".


وأضاف المنذري أن "الخلاف واضح وجلي بين النجف وطهران سواء في فكرة أو مشروع الولي الفقيه الذي يرفضه السيستاني بالمطلق أو في استخدام إيران التشييع للسيطرة على قرارات الشعوب وإخضاعهم لها"، لافتاً إلى أن "صناع القرار في إيران وتحديدا المرشد علي خامنئي يدركون قوة السيستاني في العراق وفي دول عربية أخرى جزء من شعوبها من المذهب الجعفري".

وبين أن "إرغام المرجعية عبد المهدي على الاستقالة يمثل كسرا لإرادة إيرانية واضحة في الإبقاء على الرجل، فضلا عن أن تأكيده في ثلاثة أسابيع ماضية على سن قانون انتخابي جديد غير الحالي، رغم أن القانون الحالي موافق لتوجهات القوى السياسية الموالية لإيران على وجه التحديد وقد يتسبب بخسارة جزء كبير من نفوذها البرلماني بالدورة الانتخابية المقبلة بدا اصطفافا واضحا مع الشارع".

وأوضح المنذري أن المواقف الأخيرة الخارجة من "الحنّانة" (مقر إقامة السيستاني في النجف) والتي رافقت التظاهرات، تعد الأقوى لمرجعية النجف منذ فتوى الجهاد الكفائي التي أعلنت عام 2014 للوقوف بوجه تمدد تنظيم "داعش" الإرهابي حينها.

ولفت المنذري إلى وجود تغيير واضح في توجهات المرجعية التي أصدرت عام 2014 فتوى تسببت فيما بعد بتعزيز النفوذ الإيراني، إلى موقف أخر بعد خمس سنوات تسبب باستقالة أكثر الحكومات ولاءً لإيران منذ احتلال العراق عام 2003.

من جهته، اعتبر عضو البرلمان، رياض التميمي، خطبة المرجعية الأخيرة إنقاذا للعراق والعملية السياسية من الضياع، مشددا في بيان على ضرورة تحرر النواب من سيطرة الكتل السياسية والعمل بروح الوطنية ووضع خطوات سريعة للإصلاح من أجل تلبية نصائح المرجعية.

إلا أن ناشطين بالتظاهرات مرحبين بدعم المرجعية الدينية الذي نتج عنه إزاحة حكم عبد المهدي لا يريدون أية مساهمة من الطبقة السياسية الحالية في الإصلاح السياسي والانتخابي المقبل.

وقال الناشط في احتجاجات ساحة التحرير، سعد الزهيري، إن الهم الأول للمتظاهرين اليوم هو إنهاء النفوذ الإيراني في العراق الذي تسبب بقتل المئات وجرح الآلاف، مؤكداً لـ"العربي الجديد" أن المرجعية رفضت هذا النفوذ في أكثر من خطبة من خلال انتقادها للتدخلات الإقليمية.

وبين أن المتظاهرين ليس لديهم أية أطماع أو أهداف شخصية، بدليل أن بعضهم فقد حياته بحثا عن الوطن الذي أضاعته الطبقة السياسية الحالية وسلمته للإيرانيين والأميركيين وغيرهم، مضيفا "قبل التظاهرات وصلت مظاهر تبعية بعض الجهات والمليشيات لطهران إلى حد لا يطاق حتى أصبحنا نرى صور خامنئي مثلا في قلب بغداد خلال مناسباتهم واحتفالاتهم". وتابع "إلا أننا نتفاءل كثيرا بتوجهات المرجعية الدينية التي دعمتنا لإنهاء هذا النفوذ".


أما أستاذ العلوم السياسية، خالد عبد الله، فيرى أن لخطاب المرجعية الدينية الداعم للاحتجاجات بعدين الأول داخلي يهدف لإزاحة تدريجية لطبقة سياسية أثبتت فشلها، والأخر خارجي يهدف للحد من النفوذ الإيراني الذي أخذ أخيرا أحد أشكال الانتداب.

وبين أن كل هذه المؤشرات تبين أن المرجعية وضعت نفسها في المعسكر المضاد للأطراف التي تريد جعل العراق تابعا بشكل مطلق لطهران.

ذات صلة

الصورة
تظاهرات في ذكرى الثورة السورية (العربي الجديد)

سياسة

خرجت تظاهرات في مدن وبلدات شمال غربي سورية اليوم الجمعة، إحياءً للذكرى الـ13 لانطلاقة الثورة السورية.
الصورة
تظاهرة ضد "هيئة تحرير الشام" في إدلب وحلب (العربي الجديد)

سياسة

تظاهر الآلاف من الأهالي في مدن وبلدات ريفي حلب وإدلب، مطالبين بإسقاط زعيم "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً)، أبو محمد الجولاني.
الصورة
تظاهرات في لندن تضامنا مع غزة (إكس)

سياسة

شهد عدد من المدن والعواصم حول العالم تظاهرات وفعاليات تضامناً مع قطاع غزة، وتنديداً بالحرب الوحشية المستمرة عليه منذ نحو 100 يوم.
الصورة
تحدى الشباب الأوروبي قرار حظر رفع العلم الفلسطيني (العربي الجديد)

سياسة

بدأ اتساع موجات التضامن مع فلسطين، وضد حرب الإبادة التي تشنها قوات الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة، يحرج الحكومات الغربية، خصوصاً أن موجات التضامن أظهرت وجود اختلاف لدى الجيل الشاب الحالي عن الذي سبقه.