مبادرة غسان سلامة الجديدة: الانقسامات الليبية تتفاعل داخل المعسكرين

26 نوفمبر 2017
يسعى سلامة لكسر الجمود في المفاوضات الليبية(فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -


تتزايد الانقسامات داخل المعسكرين المتنافسين في ليبيا، مجلس نواب طبرق والمجلس الأعلى للدولة، وكانت آخر مظاهرها مقاربتهما لمقترح المبعوث الأممي غسان سلامة، فيما يبرز دور اللواء المتقاعد خليفة حفتر واضحاً في كل مظاهر الخلاف السياسية والأمنية. وتقدّم سلامة بمقترح في 13 نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي لمجلسي الدولة والنواب، بهدف كسر الجمود السياسي الذي سيطر على المشهد، إثر توقف جلسات تعديل الاتفاق السياسي التي جرت في تونس والتي لا يبدو أنها توصّلت إلى نتائج ملموسة. وطالب سلامة في مقترحه بتعديل مواد السلطة التنفيذية في الاتفاق السياسي الليبي لتتكوّن من 14 مادة، بينها ما ينظّم تشكيل مجلس رئاسة الدولة من رئيس ونائبين على أن يتخذ كافة قراراته بإجماع أعضائه.
وبحسب نص المقترح، الذي اطّلع عليه "العربي الجديد"، فإن السلطة التنفيذية تتكوّن من المجلس الرئاسي (رئاسة الدولة)، ومجلس الوزراء، اللذين يُشكَّلان على أساس الكفاءة وتكافؤ الفرص، ويكون مقرهما الرئيسي في العاصمة طرابلس، وتستمر أعمالهما إلى حين إجراء انتخابات نيابية ورئاسية.

ولم يتأخر برلمان طبرق لإعلان موافقته بالإجماع على المقترح من دون إبداء ملاحظات عليه، بينما أعلن المجلس الأعلى للدولة في اليوم التالي عن تحفّظه على المقترح، مبدياً استغرابه من وصف سلامة في مقترحه بشأن تعديل المواد المتعلقة بالسلطة التنفيذية في الاتفاق السياسي، بـ"الصيغة التوافقية"، نافياً حصول توافق بينه وبين مجلس النواب على هذه الصيغة خلال مفاوضات تونس. وأكد مجلس الدولة أنه غير معني بتصويت مجلس النواب على مقترح البعثة الأممية لتعديل الاتفاق، مشدداً على التزامه بنص المادة 12 من الأحكام الإضافية التي تلزم بعثة الأمم المتحدة بضرورة توافق المجلسين على صيغة التعديل.

ومن ظاهر مجريات جلسات المجلسين خلال مناقشتهما المقترح الأممي، بدا أن تيارات داخلهما سعت إلى الاستحواذ على القرار النهائي بشأن المقترح؛ ففيما تعمّدت جهة مسلحة موالية لحفتر منع هبوط طائرة أممية كانت تقل 30 نائباً من مجلس النواب من الموالين للاتفاق السياسي وحكومة الوفاق في مطار طبرق الإثنين الماضي لحضور جلسة التصويت خوفاً من مغبة اعتراضهم على المقترح الأممي، عكست تصريحات لأعضاء من الطرف الآخر المتمثل في مجلس الدولة أن قرار التحفظ لدى المجلس لم يكن بالإجماع، متهمين رئيس المجلس عبد الرحمن السويحلي بإصدار بيان التحفظ من دون موافقة الأعضاء بالإجماع. وهو ما عكسه بيان حزب "العدالة والبناء"، إثر إعلان مجلس الدولة الأربعاء الماضي تحفظه على المقترح بدعوة السويحلي لـ"الالتزام بإرادة المجلس وعدم التفرّد بإصدار بيانات باسم المجلس مخالفة لإرادة أعضائه".

لكن البيان الصادر عن مجلس الدولة بالتحفّظ على جزئيّة تتعلق بضرورة التشارك في تشكيل السلطة التنفيذية والتصويت بالموافقة على أعضائها، أبرزت نقطة الخلاف بين الطرفين، إذ يطالب مجلس الدولة بضرورة التشارك في تشكيل أعضاء المجلس الرئاسي بالتساوي، بينما يصر مجلس النواب على ضرورة استحواذه على الموافقة النهائية على تشكيل المجلس الرئاسي واقتصار دور مجلس الدولة على الاشتراك في ترشيح الأسماء فقط، كما أنه يطالب بضرورة أن يتشكل من نائبين منه وثالث من مجلس الدولة.

سبب الصراع على الاستحواذ على قرار المجلس الرئاسي الجديد هو أنه سيكون القيادة السياسية التي اتفق مجلسا النواب والدولة خلال جلسات تونس على أنها ستتولى مهمة القائد الأعلى للقوات المسلحة في ليبيا، بعد أن وافق مجلس النواب على ضرورة خضوع القيادة العسكرية لسلطة مدنية متمثلة في المجلس الرئاسي. فمقترح سلامة الأخير يعطي لمجلس النواب حق التصويت النهائي على شكل المجلس الرئاسي الجديد وحكومته، لذلك جاءت موافقة البرلمان سريعة عليه، بينما تحفّظ مجلس الدولة مطالباً بضرورة التشارك في الموافقة بالتصويت النهائي عليه ليتمكّن من موازنة الكفة وعدم انفراد نظيره بالقرار.


ورأى مراقبون للشأن الليبي أن حفتر لم يغب عن المشهد وأنه لا يزال المعرقل الأول لأي تسوية سياسية في البلاد، معتبرين أنه بواسطة جهود حلفائه الإقليميين يسعى إلى تقديم كل التنازلات من أجل البقاء في المشهد العسكري.
واتهم النائب المؤيّد للاتفاق السياسي (الصخيرات) فرج أبو هاشم، رئيس برلمان طبرق، عقيلة صالح، باستغلال منصبه والترويج لنفسه كمرشح لرئاسة المجلس الرئاسي الجديد، وذلك على ضوء تصريحات مقابلة للمتحدث باسم قوات حفتر، أحمد المسماري، يوم الأربعاء الماضي، جاء فيها أنه "تم الاتفاق بين ضباط ليبيين في القاهرة على أن يكون رئيس الدولة المقبل هو القائد الأعلى للقوات المسلحة".

وفي إطار فهم استمرار حضور حفتر في المساعي الحالية، عكست تصريحات المسماري ذاتها إشارة إلى سعي حفتر لقلب الأوضاع في غرب البلاد وتحديداً في مصراتة، إذ أعلن المسماري أن لقاءات القاهرة التي تجمع ضباطاً موالين لحفتر وآخرين من قوات "البنيان المرصوص" في مصراتة (التابعة لحكومة الوفاق في طرابلس) انتهت إلى تشكيل أربع لجان رئيسية، منها اللجنة الهيكلية الإدارية وحل الجماعات المسلحة والشرطة والاستخبارات، مؤكداً أن قوات حفتر "تحترم تضحيات قوات البنيان المرصوص ولا تصفهم بالإرهابيين". وهو ما يشير إلى انقسام واضح في معسكر مصراتة السياسي والعسكري، ترجمه بروز جديد لرئيس حكومة الإنقاذ التابعة للمؤتمر الوطني السابق خليفة الغويل، الذي يمتلك قوة عسكرية في مصراتة والمدن المجاورة. ويدور حديث في الغرب الليبي اليوم حول تقارب بين الغويل وعبد الرحمن السويحلي، وقد ظهرا معاً قبل أسبوعين في مصراتة. وعلّقت وسائل إعلام ليبية على ذلك بالقول إن تقارباً كبيراً يجري بين الرجلين في إطار إعادة بناء تيار في المدينة يمكنه إيقاف اقتراب ضباط "البنيان المرصوص" من حفتر.

ولا يبدو أن اقتراب حفتر من معسكرات مصراتة، وتحديداً "البنيان المرصوص"، التي اكتسبت تأييداً دولياً واسعاً خلال حربها على تنظيم "داعش" في سرت العام الماضي، بدعم من المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، بعيد عن العلاقة التي تزداد سوءاً بين حفتر ورئيس حكومة الوفاق، فائز السراج. علاقة ازدادت سوءاً منذ لقائهما في باريس ثم أبوظبي قبل أشهر، وهو ما تُرجم بدعم متبادل قدّمه كل واحد لأعداء الآخر في الشرق الليبي وغربه. وظهر ذلك في حراك مسلح شهدته بنغازي يشبه الانقلاب بقيادة وكيل وزارة الداخلية فرج قعيم مطلع الشهر الحالي، أحدث ارتباكاً كبيراً في صفوف قوات حفتر في المدينة، بالإضافة إلى نجاح السراج في احتواء ضباط عسكريين في صبراته وصرمان غرب طرابلس كان حفتر قد قدّم لهم دعماً من أجل إعلان ولائهم له وتبعية المدينتين له. كذلك نجحت قوات السراج في اقتحام منطقة ورشفانة المحاذية لطرابلس مطلع هذا الشهر وطرد المجموعات المسلحة منها، والتي يبدو أنها كانت تنسّق مع حفتر من أجل إعلانها الولاء له.

مجمل هذه المجريات والأحداث تدفع بالشك إلى أن اقتراب حفتر من قوى مصراتة المسلحة يأتي في إطار انتقامه من السراج وحلفائه في غرب البلاد وسعيه لقلب موازين القوى عسكرياً في مصراتة، وسياسياً من خلال سيطرة الموالين له في مجلس النواب على قرار المجلس الرئاسي الجديد الذي سيتولّى مهام القائد الأعلى للقوات المسلحة.