أميركا في العراق: أبعاد إعادة الانتشار

28 مارس 2020
القوات الأميركية تريد تجميع جنودها بقواعد رئيسية (مرتضى سوداني/الأناضول)
+ الخط -


من المرجح أن تنسحب القوات الأميركية خلال الأسابيع القليلة المقبلة من قواعد عسكرية جديدة في العراق، توجد في أغلبها منذ خريف عام 2014 ضمن التحالف الدولي، بقيادة واشنطن، وذلك بعد انسحابها من قاعدتي القائم، غرب الأنبار، على الحدود مع سورية (180 كيلومتراً غرب الرمادي)، والقيارة، شمالي العراق، ضمن محافظة نينوى (60 كيلومتراً جنوب الموصل)، وهما من القواعد المصنفة أميركياً بالمواقع المتقدمة لقربهما من خطوط التماس خلال معارك استعادة السيطرة على المدن والبلدات التي احتلها مقاتلو تنظيم "داعش" في شمال وغرب العراق بين 2014 و2017.

القواعد المقرر الانسحاب منها، وفقاً لمصادر عسكرية عراقية، تحدثت لـ"العربي الجديد"، هي التاجي (25 كيلومتراً شمالي بغداد)، وبسماية (18 كيلومتراً جنوبي بغداد)، إضافة إلى موقع القصور الرئاسية في الموصل. بينما تحبس بغداد أنفاسها بما يتعلق بوضع قاعدة بلد الجوية في محافظة صلاح الدين، شمالي البلاد، إذ توجد فيها قوة هندسية وفنية أميركية ضمن عقد صيانة وإدارة سرب مقاتلات "أف 16" العراقية، والتي تعتبر عماد سلاح الجو العراقي، إذ ما زالت الكوادر الفنية والهندسية العراقية غير قادرة على إدارة السرب من حيث التجهيز القتالي أو الصيانة بشكل كامل. ووفقاً لمصادر في غرفة التنسيق المشترك للتحالف الدولي، والتي تعمل مع قيادة العمليات العراقية المشتركة ببغداد، فإن جميع القوات التي انسحبت أو التي ستنسحب في الأسابيع المقبلة تتجه إلى قاعدتي حرير (75 كيلومتراً شرقي أربيل)، وعين الأسد (110 كيلومترات غرب الرمادي عاصمة محافظة الأنبار، غربي البلاد، والحدودية مع السعودية والأردن وسورية).

وقال جنرال عراقي في غرفة التنسيق المشتركة، لـ"العربي الجديد"، إن خريطة الانسحاب التدريجي جرى الاتفاق عليها مسبقاً وبشكل سريع مع الجانب الأميركي، بصفته قائداً للتحالف الدولي، إذ هو الذي حدد القواعد التي لم تعد هناك حاجة للبقاء فيها لانتفاء السبب، وهو المعارك والرصد والإسناد المروحي والمدفعي. لكن بالعودة إلى تلك القواعد ومواقعها، فهي الأكثر ضعفاً من ناحية إمكانية استهدافها بصواريخ يراوح مداها بين 12 و20 كيلومتراً، وتشمل صواريخ الكاتيوشا والغراد وقذائف الهاون من عيار 120 ملم، وتركت قوات التحالف تجهيزات وبنى تحتية بالمواقع التي تخلت عنها كهدية للقوات العراقية، إضافة إلى معدات عسكرية مختلفة. ولفت إلى أن قاعدتي عين الأسد وحرير في أربيل، غير مطروح الانسحاب منهما، بل على العكس هناك تطوير وتأهيل لهما من قبل القوات الأميركية.

الانسحابات السريعة من القواعد العراقية التي تستضيف قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن، والتي تمثل قوات الأخيرة عمودها الفقري، إذ يبلغ عدد القوات الأميركية من مجمل الجهد العسكري والعملياتي للتحالف أكثر من 60 في المائة، وصفتها أوساط سياسية وأمنية عراقية، وحتى من داخل "الحشد الشعبي"، بأنها "غير مريحة". وطرح مسؤول عراقي في حكومة تصريف الأعمال الحالية برئاسة عادل عبد المهدي مخاوف من أن تخفي خطوة الانسحابات المتتالية نيّة مبيتة من قبل الأميركيين لتصعيد أكبر داخل العراق ضد من تسميهم واشنطن وكلاء إيران. وأضاف، في حديث عبر الهاتف من بغداد لـ"العربي الجديد"، أن خطوة انتقال الأميركيين من القواعد سهلة الاستهداف، أو الواقعة ضمن مدى ترسانة الفصائل المسلحة، قد تعني أنهم يريدون تأمين حياة جنودهم قبل تنفيذ سلسلة عمليات ضد قيادات وزعامات بفصائل مسلحة.



وتابع "الحديث الآن عن تفسير ذلك وتحليله من بين أربعة ملفات بارزة بالعراق، وهي تشكيل الحكومة برفض عدنان الزرفي أو قبوله، وانحسار واردات العراق المالية نتيجة انهيار أسعار النفط، والأزمة الصحية والمخاوف من تفشي فيروس كورونا داخل المدن العراقية، إضافة إلى هذا الملف". وقال "حتى الآن الموضوع عبارة عن تحليل خطوة الانسحاب، وسبب اختيار هذه القواعد بالذات، وهي القواعد التي نجحت فصائل مسلحة في استهدافها صاروخياً. وتطرح سيناريوهات أو استراتيجية أميركية للتعامل مع العراق لا تحوي أي منها إشارات مريحة، خصوصاً أنها تتزامن مع تشديد أميركي أكبر في ما يتعلق بفترة السماح للعراق باستيراد الغاز والكهرباء من إيران، إذ تم تقليصها، الأربعاء الماضي، من 90 يوماً كما جرت العادة منذ فرض العقوبات على إيران، إلى 30 يوماً فقط، من دون معرفة سبب ذلك".

وخلال الأسبوعين الماضيين شهدت بغداد خمس هجمات صاروخية استهدفت قاعدتي التاجي وبسامية والمنطقة الخضراء حيث تقع السفارة الأميركية، وغرفة عمليات لقوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن. وأسفرت الهجمات، التي طاولت قاعدة التاجي، عن مقتل أميركيين اثنين وبريطاني واحد ضمن وحدة مهام قوات التحالف الدولي، فضلاً عن إصابة 13 جندياً آخرين، جميعهم أميركيون. وردت واشنطن، منتصف الشهر الحالي، على القصف بسلسلة غارات عنيفة على مواقع ومعسكرات لفصائل "الحشد الشعبي" في بابل وكربلاء والأنبار، نفذتها مقاتلات أميركية، أسفرت عن مقتل 14 عنصراً ونحو 55 جريحاً، بحسب مصادر طبية عراقية وأخرى مقربة من "الحشد الشعبي".

وكشفت وزارة الخارجية الأميركية، في وقت سابق، عن فحوى اتصال هاتفي بين وزير الخارجية مايك بومبيو وعادل عبد المهدي. وبحسب بيان للمتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية مورغان أورتاغوس، فإن الاتصال تناول الهجمات الأخيرة على قاعدة التاجي العسكرية في شمالي بغداد. ونقل البيان عن بومبيو تأكيده واجب الحكومة العراقية بالدفاع عن أفراد التحالف الدولي الذين يدعمون جهود الحكومة العراقية لهزيمة "داعش". كما أكد بومبيو أنه يجب محاسبة الجماعات المسؤولة عن هذه الهجمات. وأشار، وفقاً للبيان، إلى أن "أميركا لن تتسامح مع الهجمات والتهديدات التي تطاول الأرواح الأميركية وسوف تتخذ إجراءات إضافية عند الضرورة للدفاع عن النفس"، وذلك في تلويح جديد من قبل واشنطن باستخدام القوة.

وقال كريم عليوي، النائب عن تحالف "الفتح"، الجناح السياسي لفصائل "الحشد الشعبي"، في حديث مع "العربي الجديد"، إنهم يرون نوايا للقوات الأميركية خلال المرحلة المقبلة، لشن هجمات واستهداف فصائل في "الحشد" والقيادات المرتبطة بها. وأضاف "لهذا تم سحب الجنود الأميركيين من بعض القواعد في العراق إلى قواعد كبرى تحافظ على قواتها وقدرتها فيها، فهي تخشى من وجودها في القواعد الصغيرة، حتى لا تكون معرضة لنيران فصائل المقاومة. ولهذا جمعت كل قواتها بقواعد رئيسية وموحدة، حتى تكون محمية". وبيّن عليوي أن "القوات الأميركية تدرك أن أي استهداف منها لفصائل المقاومة والحشد الشعبي، سيكون هناك رد عليه، ولهذا تريد حماية قواتها من هجمات صواريخ المقاومة إذا حصلت في المستقبل"، مؤكداً أنه "لا يوجد أي انسحاب للقوات الأميركية من العراق، وما جرى هو إعادة انتشار وتموضع في قواعد رئيسية، منها عين الأسد وحرير، فالقوات الأميركية تريد المحافظة على هذه القواعد وتعزيزها بقواتها". وكشف النائب عن "الفتح" أنه "حتى السفارة الأميركية في العاصمة العراقية، تم تحصينها، لأن هذه القوات لديها خطة لتنفيذ ضربات ضد الحشد الشعبي وفصائل المقاومة أو قادتها، فهي تريد الحفاظ على جنودها من أي رد فعل قد يحصل على تحركاتها".

من جهته، قال الخبير الأمني العراقي المقرب من دوائر الاستخبارات العراقية فاضل أبو رغيف إن "هناك جملة أسباب للانسحابات المتتالية للأميركيين من قواعد عسكرية في العراق، منها أن القواعد التي انسحبت منها فيها عدد قليل من الجنود، وعملية انتشار الجنود بهذه الأعداد القليلة تؤدي لصعوبة حمايتهم، ولهذا من الضروري جمعهم في مكان واحد". وأضاف "السبب الآخر أنه لكل قاعدة، انسحبوا منها، خصوصية. فقد انتفت أهمية قاعدة القائم، التي كانت تقدم دعماً لقسد (قوات سورية الديمقراطية)، وتشرف على البوكمال ودير الزور، بعد انتهاء معركة الباغوز (ضد داعش). كما أنه يتم استهدافهم وهم في العراء بين فترة وأخرى من قبل عدة فصائل ومن عدة جهات". ولفت أبو رغيف إلى أن "الانسحاب من بعض القواعد جاء لأن القوات الأميركية تريد تجميع الجنود والمعدات في قواعد رئيسية، فهم يخططون لجلب منظومة باتريوت. ليس من المعقول نصب منظومة كهذه من أجل 100 أو 150 جندياً". وكشف عن أن "القواعد التي انسحبت منها القوات الأميركية، تعتبر غير مركزية. ما حصل ليس عمليات انسحاب للقوات الأميركية من العراق، وإنما عملية حشر أفراد مع مجموعات أكبر"، مؤكداً أن "هذه الانسحابات لها علاقة أيضاً بقضية فيروس كورونا، فهذا الفيروس غيّر استراتيجية دول بأكملها، ومنها انسحاب 160 جندياً فرنسياً، وبعدها انسحاب قوة من دولة التشيك".

المساهمون