يوم إعدامات السعودية: استنفار في المملكة وخارجها

03 يناير 2016
من تظاهرات مؤيدة للنمر في المنامة أمس (أيمن يعقوب/الأناضول)
+ الخط -
فاجأت السلطات السعودية، العالم، صباح أمس السبت، بإعلانها تنفيذ إعدامات بالجملة في حق شخصيات تتهمهم بـ"الإرهاب"، بعضهم يمتلك وزناً شعبياً ورمزية طائفية في المملكة والمنطقة، من بينهم الشيخ السعودي الشيعي المعروف، نمر باقر النمر، فضلاً عن عدد من رموز تنظيم "القاعدة"، مثل أحد المنظرين السابقين للتنظيم بين 2003 و2006، فارس آل شويل.

ويكفي النظر إلى ملابسات الإعدام وخلفياته بالنسبة للنمر تحديداً، لترجيح أن يكون لإعدام عدد ممن نفذت الأحكام في حقهم، تداعيات سياسية، داخلية وإقليمية. وبدا واضحاً أن الرياض رغبت، من خلال إعدام شخصيات تنتمي للمذهب السني أيضاً، وهم يشكلون الغالبية الساحقة ممن تم "قتلهم تعزيراً" (الوصف القانوني الديني السعودي للحكم)، أن تؤكد أن قرارها تنفيذ الحكم الصادر في حق النمر، لا ينطلق من أجندة طائفية بل قضائية بحتة على حد تعبير المتحدثين باسم وزارتي الداخلية والعدل، منصور التركي ومنصور القفاري.

وتفاوتت التهم التي سبق للنمر أن حكم بالإعدام بسببها بين "التحريض على الفتنة" والمطالبة بـ"استقلال العوامية" وإسقاط الدولة، و"الخروج على ولي الأمر"، وكلها لا تعتبر جرماً مادياً، على عكس التهم الموجهة للغالبية الساحقة من الآخرين المتهمين بالانتماء إلى "القاعدة". كما أن بصمة المواجهة السعودية ــ الإيرانية ظهرت واضحة في قضية النمر، على الرغم من أن للنمر مواقف لا تتفق بتاتاً مع الأجندة الإيرانية ولا مع سياساتها التي تندرج في خانة الطائفية تجاه عدد من ملفات المنطقة، تحديداً لناحية ما هو معروف عنه من مواقف شديدة العداء لنظام بشار الأسد في سورية.

الشعبية التي يحظى بها الشيخ داخلياً وإقليمياً، لم تشفع له، فنفذ الحكم وقامت التظاهرات واشتعلت المواقف المنددة التي وصلت حدّ التهديد الأقصى، وهو ما صدر من حكام طهران، السياسيين والدينيين، ضد المملكة والعائلة الحاكمة، وقد وبلغت ذروتها مع قول رجل الدين الإيراني البارز، حسين نوري همداني، في بيان بث على التلفزيون الحكومي، إن "المنطقة يجب أن تتوقع رد فعل من جانب مسلمين شيعة وسنة على حد سواء".

أما الاستنفار الأكبر، فكان داخل المملكة في منطقتها الشرقية ذات الكثافة الديمغرافية الشيعية، حيث شهدت تحركات عفوية وتظاهرات لم تهدأ مع دعوة شقيق الشيخ النمر إلى الهدوء، علماً أن النمر قد لا يكون المنتمي الوحيد إلى المذهب الشيعي من بين من نفذ في حقهم الإعدام، أمس، إذ نقل محامي سعودي في المنطقة الشرقية لوكالة "أسوشييتدبرس" إن النمر كان من بين "ما لا يقل عن أربعة محتجزين سياسيين شيعة تم إعدامهم".

اقرأ أيضاً: إيران تصعّد بعد إعدام النمر ... وشقيقه يدعو لـ"الهدوء"

وتم التمهيد للحدث الاستثنائي في المملكة مبكراً، إذ إنها كانت المرة الأولى التي يتم فيها تنفيذ أحكام إعدام بهذا العدد وبالتزامن، خلال العقود القليلة الماضية، بالإضافة إلى أنها أول أحكام إعدام تنفذ في حق منتمين لتنظيم "القاعدة"، بعد موجة الإرهاب التي ضربت المملكة ما بين عامي 2003 و2005.

وتم تنفيذ الأحكام في 12 منطقة سعودية هي مكة والرياض والمنطقة الشرقية، والباحة وعسير والجوف والحدود الشمالية والمدينة المنورة وحائل وتبوك، وذلك "بالسيف والرمي بالرصاص" بحسب توضيح منصور التركي الذي فنّد تهم المحكومين بـ"اعتناق المنهج التكفيري، والترويج له، وتنفيذ مخططات إجرامية باستهداف منشئات مدنية وعسكرية، بالإضافة إلى محاولة نشر الفتنة، وضرب الاقتصاد الوطني، ونشر الفوضى والاضطراب في المملكة، والإساءة لعلاقتها الدولية من خلال استهداف أجانب".

وظهر التمهيد السعودي، منذ أشهر، من خلال تسريب خبر قرب تنفيذ الإعدام عبر وسائل إعلام محلية مختلفة، ثم نشر فيلم وثائقي، مكون من ثلاثة أجزاء، حمل عنوان "كيف واجهت السعودية القاعدة؟" وأخيراً، عبر إطلاقها حملة تلفزيونية الأسبوع الماضي، بالتزامن وفي قنوات إعلامية مختلفة، بعنوان "تطبيق الحدود أمن ورحمة"، وتمت تغطية الحملة في وسائل التواصل الاجتماعي على نطاق واسع.

هناك ثلاثة مسارات متوقعة لردود الأفعال على تنفيذ أحكام الإعدام التي تم تنفيذها: الأول دولي يتعلق بانتقاد زيادة الإعدامات المنفذة في المملكة، خلال السنوات الماضية، وهو ما كررت الحديث عنه منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش ومنظمات حقوقية أخرى، بالإضافة إلى انتقادات قد تتعلق بالجهاز القضائي السعودي. ورد الفعل الثاني المحتمل مصدره تنظيم "القاعدة في جزيرة العرب" وتهديده قبل حوالي شهر بـ"الانتقام للأسرى لدى السعودية". أما رد الفعل الثالث المحتمل، فيتعلق ببعض المناطق شرق المملكة، كالقطيف، والعوامية، والتي شهدت بالفعل موجة احتجاجات على إعدام النمر.

اقرأ أيضاً: ردود فعل على إعدام النمر... وتظاهرة بالقطيف
المساهمون