رسائل متباينة يوجهها النظام المصري من خلال قيام النيابة العامة باحتجاز الحقوقي المصري، خالد علي، قبل إطلاق سراحه بكفالة أمس الأربعاء، وتحديد جلسة في 29 مايو/أيار الحالي لبدء محاكمته أمام محكمة الجنح. فتوقيت الاحتجاز يعطي الانطباع بأن من شأن الخطوة أن تساهم في "تطويبه" مرشحاً للرئاسة في الانتخابات المقبلة المقررة دستورياً خلال النصف الأول من عام 2018. وقد تكون أيضاً رسالة تحذير مبكرة له، لتقويضه سياسياً. أما هو، فلم يصدر بعد أي مؤشر فعلي يوضح نواياه. فعلى الرغم من استمرار الحملة الأمنية ضد الناشطين اليساريين وشباب أحزاب "الدستور" و"المصري الديمقراطي الاجتماعي" و"العيش والحرية" منذ 10 أيام، وربطها ببدء نشاط حملة خالد علي الجماهيرية، إلّا أن علي نفسه لم يخرج إلى الرأي العام معلناً ترشحه ضد الرئيس عبدالفتاح السيسي.
وكان علي قال في تصريحات صحافية في شهر فبراير/ شباط الماضي، عقب حصوله على حكم بات ببطلان التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير، إنه يفكر في الترشح للرئاسة. لكنه لم يعلن تشكيل فريق لمساعدته، ولم يصرح بأنه سيخوض الانتخابات بالفعل. وكانت بعض الدوائر الحقوقية والسياسية المعارضة للنظام ترى أنه تأخر في إعلان خطوته، لا سيما بعد مرور نحو شهر على حديث السيسي لأول مرة عن ضرورة وجود منافسة في الانتخابات المقبلة.
إلا أن خطوة احتجاز خالد علي، يوم الثلاثاء الماضي، والتحقيق معه على مدار يومين بتهمة ارتكاب "فعل فاضح" لتلويحه بإشارة "بذيئة" بيده في وجه قوات الأمن بعد جلسة الحكم بمصرية جزيرتي تيران وصنافير في يناير/ كانون الثاني الماضي، جعلت منه منافساً، قد يكون وحيداً، للسيسي في الانتخابات. وأسرع مساعدو علي والمقربون منه لإعلان أنه مرشح محتمل للرئاسة، بل وأعلنوا أيضاً أن حملة الاعتقالات الأخيرة، والتي كشفت "العربي الجديد" أسبابها ودوافعها في 18 مايو/ أيار الحالي، تستهدف بالأساس التحركات الشعبية التي قامت بها المجموعات الشبابية الموالية لخالد علي، وهو ما لم يكن يعلنه الأخير نفسه.
والمثير للانتباه أن أول حديث في الإعلام المصري عن ترشح علي لم يصدر عنه أو عن المقربين منه أو عن صحف خاصة، بل صدر عن الإعلامي عمرو أديب، مساء السبت الماضي، في برنامجه اليومي على قناة "أون" وهو البرنامج المفضل حالياً للسيسي ومنصته المعتادة لإجراء المداخلات المسائية. وتحدث أديب، المعروف بعلاقاته الوطيدة بالأجهزة الأمنية والسيادية وبدائرة السيسي الشخصية، معلقاً على طرح حمدين صباحي لعدة أسماء يرى أنها تصلح لمنافسة السيسي مثل عضو حزب "الكرامة" الناصري، السفير معصوم مرزوق، والمستشار هشام جنينة، وخالد علي. وهنا قال أديب إن الأخير سيكون مرشح القوى الثورية أو مرشح المعارضة "الوحيد" في الانتخابات. وأبدى استنكاره للإبطاء في إعلان ترشحه بحجة ضيق الفترة الزمنية التي تفصلنا عن الانتخابات، وضرورة تعريف الرأي العام بمشروعه وأفكاره.
وتباينت رؤى عدد من المصادر الأمنية والحكومية والسياسية تعليقاً على هذا المشهد. فقال مصدر أمني في وزارة الداخلية إن "خطوة احتجاز خالد علي لا يمكن أن تكون وليدة قرار قضائي خالص من المحامي العام لنيابات شمال الجيزة، لأن قراراً بذلك يتطلب تنسيقاً مع جهات أعلى من الأجهزة الأمنية، وقد تصل لدائرة السيسي الشخصية"، مؤكداً أنها تحذير صريح لخالد من استخدام القضايا الموجودة ضده لـ"حرقه" إذا كان جاداً في خوض الانتخابات.
وأضاف المصدر الأمني الذي يعمل بمصلحة الأمن العام، إن "خالد علي متهم في القضية المعروفة إعلامياً بالتمويل الأجنبي لمنظمات المجتمع المدني، وعلى الرغم من ذلك كان مسموحاً له دون غيره من المتهمين بالسفر والعودة دون عوائق، لكن هذه القضية لها شق جنائي خفي وراء الظاهر السياسي، فهناك اتهامات بغسيل الأموال والتهرب الضريبي والتلاعب في أوراق إنشاء المراكز الحقوقية، وهي كافية لإحراج علي شعبياً، كما فعل نظام الرئيس المخلوع، حسني مبارك، مع أيمن نور بعدما حصل على المركز الثاني في انتخابات 2005"، وفق قول المصدر. وأوضح أن محاولة تصوير قرار النيابة ضد علي بأنه اعتباطي أو لا يرتبط بأي جهة تنفيذية "هو كلام فارغ"، بحسب تعبيره. وأشار إلى أن "النيابة لا يمكنها التعامل مع شخصيات بثقل خالد علي إلا بتوجيهات عليا، تماماً كما حدث مع هشام جنينة ونقيب الصحافيين السابق، يحيى قلاش، والأمين العام السابق لمجلس الدولة، وائل شلبي". وأكد أن الهدف الأساسي من التحركات الأمنية والتضييق على القوى السياسية حالياً يتمثل بـ"السيطرة على الأسماء التي يبدو أنها جادة في خوض الانتخابات، لتخفيف العبء على النظام الذي لم يحسم موقفه بعد بإجراء الانتخابات أو تأجيلها بواسطة الدعوة لاستفتاء لتعديل الدستور أولاً"، على حد تعبير المصدر.
وعلى الرغم من أن احتجاز خالد رسالة سلبية للناشطين السياسيين وتؤكد أنه لا حصانة لأحد من الاعتقال أياً كانت قيمته الإعلامية أو علاقاته داخلياً وخارجياً، إلا أن المقربين من علي متفائلون بأن يحسم هذا الحدث وقوف مختلف القوى الثورية والمعارضة خلفه فقط، وتراجع أسهم شخصيات أخرى كانت تفكر جدياً في الترشح للرئاسة، كمعصوم مرزوق، والنائب هيثم الحريري، والمحامي طارق العوضي. لكن منبع القلق الوحيد على المستوى القانوني هو التخوف من إحالة خالد علي لمحاكمة سريعة في قضية ارتكاب فعل فاضح، واستصدار السلطة حكماً جنائياً بإدانته، قد تفسره اللجنة أو الهيئة التي ستشرف على الانتخابات الرئاسية بأنه حكم مخل بالشرف ويمنعه من الترشح، علماً بأنه لا يوجد في القانون المصري تحديد حصري للجرائم المخلة بالشرف، ولم تعرض حالة كهذه من قبل على اللجان المشرفة على الانتخابات.
وفي المقابل، يملك مصدر حكومي بمجلس الوزراء رأياً آخر. ويؤكد أن احتجاز خالد علي وإخراج بلاغات (وصفها بالتافهة) ضده، هي عملية سياسية بامتياز تهدف لدفعه للترشح ضد السيسي، بل وإحراجه في حال قرر عدم الترشح، على أساس أنه لم يعد هناك الآن مجال لتراجعه بعدما تم تصوير الخصومة بينه وبين النظام كخصومة شخصية، ما يضمن للسيسي انتخابات تعددية إذا أجريت من الأساس، وفق قول المصدر.
وكشف المصدر الحكومي عن أن مسألة إجراء انتخابات تعددية استحوذت على حيز كبير من مناقشات السيسي ومساعديه مع مسؤولي إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الشهر الماضي في واشنطن، وأنه على الرغم من أن احتمال تأجيل الانتخابات لظروف أمنية أو لتعديل الدستور، هو احتمال قائم، إلا أن إجراء الانتخابات أو التظاهر بالاستعداد لها سيصب أيضاً في مصلحة السيسي خارجياً.