مع عودة الخلافات المصرية الإثيوبية أخيراً بشأن رؤى التعامل مع أزمة سدّ النهضة، ورفض أديس أبابا الحضور إلى القاهرة خلال انعقاد الاجتماع السداسي على مستوى وزراء المياه والخارجية في كل من مصر والسودان وإثيوبيا في مارس/ آذار الماضي، لتسريع وتيرة التوصل لحلّ للأزمة، توجّهت القاهرة إلى تفعيل أوراق ضغط جديدة من أجل تحريك الموقف الإثيوبي، وفق مصادر دبلوماسية تحدثت لـ"العربي الجديد". وكشفت المصادر عن توجيه الخارجية المصرية، مطلع شهر إبريل/ نيسان الحالي، دعوة لوفد من حكومة إقليم أرض الصومال "صوماليا لاند"، الذي أعلن انفصاله من جهة واحدة عن دولة الصومال، لزيارة القاهرة، وذلك لمحاصرة أديس أبابا عبر حدودها.
هذه السابقة لمصر، تتناقض مع موقفها المعلن من وحدة أراضي الصومال، كما تخالف الموقف العربي الرسمي، المتمثل في رفض جامعة الدول العربية الاعتراف باستقلال الإقليم المتمرد. كما أنّ تلك الخطوة تزامنت مع هجوم حاد من الحكومة الإريترية على كل من قطر وتركيا، متهمةً إياهما بالسعي إلى "عرقلة مسار السلام مع إثيوبيا، والقرن الأفريقي". ويأتي ذلك مع احتدام السباق على توسيع دوائر النفوذ بين عدد من القوى الإقليمية في منطقة القرن الأفريقي والبحر الأحمر، إذ تقود السعودية، مدعومة من مصر والإمارات، ما يعرف بتحالف الدول المتشاطئة على البحر الأحمر، والذي تم تدشينه حديثاً، بهدف محاصرة النفوذ التركي والقطري في تلك المنطقة.
وقالت المصادر الدبلوماسية لـ"العربي الجديد"، إنّ الخطوة المصرية الأخيرة، تستهدف في المقام الأول توجيه إنذار شديد اللهجة لأديس أبابا، في ظلّ موقفها الذي عاد مجدداً للمراوغة في ملف سدّ النهضة، وعدم تجاوبها مع الملاحظات المصرية، مع استئناف حكومة آبي أحمد العمل في السد بقوة.
وأضافت المصادر أن "القاهرة تسعى خلال الفترة المقبلة لتغيير سياستها التي كانت أكثر مواءمة وتوافقية مع إثيوبيا، إذ كانت تتّبع سبلاً دبلوماسية لا تهدف إلى الصدام مع أديس أبابا، إلا أنّ الأخيرة ما زالت متمسكة بموقفها الرافض لأي تعاطٍ مع المخاوف المصرية، وفرْض سياسة الأمر الواقع، وهو ما دفع مصر إلى التوجّه نحو صوماليا لاند ومحاصرة أديس أبابا عبر حدودها، لما تمثله أراضي الإقليم الصومالي من موقع استراتيجي مهم للغاية، سواء بالنسبة لمنطقة القرن الأفريقي أو للأزمة المصرية الإثيوبية".
وبحسب مصدر دبلوماسي مصري، تحدّث لـ"العربي الجديد"، فإنّ تحرّك مصر الأخير، وإن كان محرّكه الأساسي هو الضغط على أديس أبابا، إلا أنه يحظى أيضاً بدعم من رباعي حصار قطر، وبالتحديد السعودية والإمارات، نظراً لما يمثله من ضغط ومحاصرة للنفوذ التركي في تلك المنطقة الحيوية، والتي تتجه إليها أنظار الرياض وأبوظبي للسيطرة عليها، وإقامة قواعد عسكرية ومناطق نفوذ اقتصادي فيها.
اقــرأ أيضاً
وتمتلك أبوظبي نفوذاً كبيراً في الإقليم غير المعترف به، من خلال مجموعة "موانئ دبي العالمية" التي تنفذ مشاريع عملاقة هناك، في مقدمتها تطوير ميناء بربرة المطل على خليج عدن، علماً أنّ الحكومة الصومالية الرسمية كانت قد قطعت علاقاتها مع هذه المجموعة، متهمة أبوظبي بتمويل أنشطة تخريبية وانقلابية هناك.
من جهتها، تدعم تركيا حكومة الصومال بـ4.5 ملايين دولار شهرياً، ولديها قاعدة عسكرية كبرى هناك، ضمن مناطق نفوذ واسعة لأنقرة بمنطقة البحر الأحمر. إذ تمتلك حقّ انتفاع إعادة تأهيل جزيرة وميناء سواكن السوداني المواجه للسواحل السعودية.
تجدر الإشارة إلى أنّ إقليم أرض الصومال يقع في منطقة القرن الأفريقي، وتحدّه جيبوتي من الغرب، وإثيوبيا من الجنوب، التي يرتبط بحدود كبيرة معها، ومنطقة بونتلاند الصومالية من الشرق. وتملك أرض الصومال ساحلاً طويلاً على خليج عدن يمتد بطول 740 كيلومتراً.
وفي ديسمبر/ كانون الأول 2018، أطلقت مجموعة من الدول العربية والأفريقية كيان "الدول العربية والأفريقية المشاطئة للبحر الأحمر وخليج عدن"، وهو اتفاق بين دول عدة يهدف إلى حماية حركة التجارة والملاحة العالمية والدولية. وهو يضم السعودية، مصر، السودان، جيبوتي، اليمن والأردن.
وفي الأول من فبراير/ شباط الماضي، أكّد مدير مشروع سدّ النهضة الإثيوبي، كفلي هورو، أنّ نسبة البناء في السدّ بلغت 66 في المائة. وجاء ذلك خلال اجتماع لبحث سير عملية بناء السد الإثيوبي والمفاوضات الثلاثية بين إثيوبيا ومصر والسودان، وعملية ملء السد، ومراجعة اتفاقية الإطار التعاوني لدول حوض النيل، بحضور رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد ونائبه دمقي مكنن.
وأشار هورو، وقتها، إلى أنّ الأعمال المدنية في السدّ بلغت 83 في المائة، بينما بلغت الأعمال الكهروميكانيكية نسبة 25 في المائة، وأعمال الصلب نسبة 13 في المائة. وأوضح أنّ تكاليف تمويل بناء السدّ بلغت نحو 98.7 مليار بر إثيوبي (نحو 3.5 مليارات دولار أميركي) حتى الآن، متجاوزة التقديرات الأساسية، مرجعاً ذلك إلى تأخر إنجاز المشروع، وفقاً لما ذكرته وكالة الأنباء الإثيوبية.