قالت مصادر مصرية مطلعة إنها تتخوّف من أنّ قطاع مصلحة السجون بوزارة الداخلية ينتهج سياسة واضحة إزاء ملف "الإهمال الطبي" المتعمّد داخل السجون أخيراً، وخصوصاً حيال قيادات جماعة الإخوان المسلمين المعارضة للرئيس عبد الفتاح السيسي، بهدف تصفيتها داخل مقار الاحتجاز، عوضاً عن إثارة الرأي العام في الخارج باستصدار أحكام قضائية بإعدامها، على غرار ما حدث مع المئات من أعضاء الجماعة خلال الآونة الأخيرة.
وقالت المصادر، وهي سياسية وحقوقية، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ قطاع السجون لديه تعليمات من وزير الداخلية، اللواء محمود توفيق، والذي كان يقود جهاز الأمن الوطني قبل شغله المنصب الحالي، بعدم الاستجابة نهائياً لمطالب أي من قيادات جماعة "الإخوان"، الذين يعانون من أمراض مزمنة وخطيرة، بالعلاج داخل مستشفى السجن أو على نفقتهم الخاصة في مستشفيات خارجه، علاوة على منع إدخال الأدوية لهم من خلال ذويهم.
وأكدت المصادر أنّ الانتهاكات التي تتعرّض لها قيادات "الإخوان" داخل السجون متكررة ومستمرة، وتستند إلى تعليمات "رئاسية" بدرجة أعلى، وتهدف إلى وفاة أكبر عدد من هؤلاء القادة داخل السجون، وعلى رأسهم الرئيس المعزول محمد مرسي، وبذلك يتجنّب النظام الحاكم مهاجمته من الخارج في حال تنفيذ حكم الإعدام بحق هؤلاء.
وطاول "الإهمال الطبي" أخيراً القيادي البارز في جماعة "الإخوان" محمد البلتاجي، الذي حمّلت أسرته يوم الجمعة الماضي، السلطات المصرية المسؤولية الكاملة عن حياته المعرّضة للخطر داخل سجن "العقرب" الشديد الحراسة، على ضوء تدهور حالته الصحية التي بلغت ذروتها بتعرضه لجلطة دماغية لا تعلم الأسرة حتى توقيتها، أو ما اتخذ من إجراءات لعلاجه منها.
وقالت الأسرة في بيان "مع استمرار منع التواصل والزيارة عن معتقلي العقرب للعام الثالث على التوالي، في انتهاك صارخ لأحكام الدستور والقانون والمعاهدات الدولية كافة، يزداد الوضع سوءاً، بعد أن فوجئت الأسرة والمحامون الذين حضروا الجلسة الأخيرة لمحاكمة د. البلتاجي بآثار الإجهاد عليه، وعدم قدرته على تحريك ذراعه، فضلاً عن رفض القاضي محمد شرين فهمي مطالبة محاميه باتخاذ إجراءات طبّية عاجلة له".
ومرّر نظام السيسي تعديلات تشريعية تقضي بمحاكمات سريعة ومستعجلة للمتهمين في قضايا "الإرهاب" تحت شعار "العدالة الناجزة"، وخصّص خمسة قضاة حصراً ممن لهم مواقف متشددة ضدّ معارضي النظام، للنظر في قضايا العنف ذات الطابع السياسي، من بينهم القاضي حسن فريد، الذي دان 734 معارضاً، ووقّع عقوبات تصل للإعدام بحق 75 من قيادات "الإخوان"، في القضية المعروفة إعلامياً بـ"فض اعتصام رابعة".
اقــرأ أيضاً
كذلك، لم يشفع للمرشد العام السابق لجماعة "الإخوان"، محمد مهدي عاكف، وضعه الصحي الصعب، أو المناشدات للإفراج عنه التي أطلقتها منظمات حقوقية، إذ توفي في 22 سبتمبر/ أيلول 2017، عن عمر ناهز 89 عاماً، ودفن في صمت من دون مشيّعين، بعد معاناته من الإصابة بانسداد في القنوات المرارية (الصفراوية)، ومرض السرطان، في وقت رفضت المحكمة مراراً طلب الإفراج الصحي عنه.
واعتبرت منظمات حقوقية أنّ ما حدث مع عاكف هو "القتل بالامتناع"، على اعتبار أن تلك إحدى الجرائم التي ترتكبها وزارة الداخلية ومصلحة السجون من دون استخدام السلاح، وذلك بمنع تقديم العلاج للسجناء المرضى، أو الإفراج الصحي عنهم، محذرةً من أن الآلاف من المحتجزين السياسيين في السجون المصرية معرضون لخطر الموت من جراء الإهمال الطبّي، وعدم تقديم الرعاية الصحّية لهم.
وفي أغسطس/ آب 2017، توفي عضو مكتب الإرشاد في جماعة "الإخوان"، عبد العظيم الشرقاوي، إثر تدهور حالته الصحية داخل سجن بني سويف، ما دفع "جبهة قيادات الإخوان" لإصدار بيان آنذاك يؤكد أنّ الشرقاوي "اغتيل داخل السجن بواسطة الإهمال الطبي"، كونه رحل بعد رحلة قاسية من منع العلاج والدواء عنه، ومعاناته من الموت البطيء لفترة طويلة داخل سجن انفرادي شديد الحراسة.
وحمّلت الجبهة، النظام المصري، المسؤولية الجنائية عن وفاة الشرقاوي، وغيره من قيادات جماعة "الإخوان" الذين رحلوا من جراء الإهمال الطبي، مثل وكيل لجنة الدفاع والأمن القومي في مجلس الشعب السابق، فريد إسماعيل، والبرلماني السابق محمد الفلاحجي، وأستاذ الأمراض الجلدية بكلية الطب في جامعة عين شمس، طارق الغندور، الذي تعرّض لنزيف حاد داخل محبسه لثماني ساعات بلا مغيث، حسب رواية شقيقه أسعد الغندور.
كذلك، قال تقرير مشترك لمركز "النديم لمناهضة العنف والتعذيب"، ومركز "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية"، بعنوان "يا تعالجوهم يا تفرجوا عنهم... الإهمال الطبّي في السجون جريمة"، إنّ "عام 2017 شهد النسبة الأكبر من حالات الوفاة في سجون مصر نتيجة تدني مستوى الخدمات الطبّية داخلها، والنقص الحادّ في الأدوية الضرورية داخل مستشفى وعيادة السجن، وصعوبة نقل المحتجزين إلى المستشفيات العامة خارج السجون".
وفي 24 سبتمبر/ أيلول 2018، وثّقت "المنظمة العربية لحقوق الإنسان" في بريطانيا، وفاة تسعة محتجزين في مقارّ الاحتجاز المصرية، نتيجة التلوث وانعدام النظافة ورداءة التهوية، وتكدّس المحتجزين بصورة غير آدمية، ما ضاعف من الآثار السلبية لذلك عليهم، وحوّل هذه المقار إلى بيئة خصبة لانتشار الأمراض والأوبئة، إلى جانب رفض إدارة السجن تقديم أي عناية طبّية للمعتقلين، بالمخالفة للائحة تنظيم السجون.
وبيّنت المنظمة أنّ إجمالي المتوفين داخل مقارّ الاحتجاز المصرية، بلغ 718 محتجزاً منذ انقلاب الثالث من يوليو/ تموز 2013، من بينهم 331 محتجزاً توفوا نتيجة حرمانهم من الرعاية الطبّية المناسبة، محمّلةً النظام المصري "المسؤولية الكاملة عن إزهاق أرواح المئات من المحتجزين، من خلال إهداره لحقوقهم الأساسية، المنصوص عليها في الدستور المصري، وكذلك القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء".
تجدر الإشارة إلى أنّ "مركز الشهاب لحقوق الإنسان" (مستقل) وثّق أربع حالات وفاة بسبب الإهمال الطبي في السجون المصرية، خلال الثلث الأول من شهر يناير/كانون الثاني الماضي، داعياً المنظمات والمؤسسات الدولية إلى الضغط على الحكومة المصرية لوقف تلك الانتهاكات، وتقديم العون الطبي أو الرعاية الصحية للمعتقلين السياسيين.
وسبق لمنظمة "هيومن رايتس مونيتور" أن اتهمت الأجهزة الأمنية في مصر بـ"الإمعان في قتل المعارضين والمعتقلين، من خلال احتجازهم في ظروف غير إنسانية، ومنع الدواء عن المرضى منهم"، مؤكدةً أنّ "السلطات المصرية لا تريد اتخاذ موقف جاد لمحاولة تحسين أوضاع السجون، وأماكن الاحتجاز، غير اللائقة آدمياً، رغم اكتظاظ أعداد المعتقلين داخلها، وانتقال العدوى بسرعة في ما بينهم".
كما أفادت "المفوضية المصرية للحقوق والحريات" في 17 فبراير/ شباط الماضي، بأنّ رئيس حزب "مصر القوية"، عبد المنعم أبو الفتوح، والذي كان أحد قياديي جماعة "الإخوان" البارزين في السابق، يتعرّض للإهمال الطبّي المتعمّد والقتل البطيء داخل محبسه، مشيرة إلى أنه أتمّ عاماً كاملاً في الحبس الاحتياطي في قضية ملفقة، وفي ظروف حبس غير آدمية لا تناسب سنّه أو حالته الصحّية.