"النصرة" تحسم السيطرة على الشمال السوري... وتركيا تنسب لنفسها دوراً بوقف المعارك

11 يناير 2019
العملية العسكرية التركية ليست مرتبطة بالانسحاب الأميركي (الأناضول)
+ الخط -
بعد سيطرتها على مساحات واسعة من مناطق الشمال السوري خلال الأيام العشرة الأخيرة، توصلت "هيئة تحرير الشام"، التي تمثل "جبهةُ النصرة" عمودها الفقري، إلى اتفاق مع "الجبهة الوطنية للتحرير" ينهي الاقتتال الدائر بينهما، ويثبت السيطرة الإدارية الكاملة لـ"الهيئة" على مناطق الشمال السوري، عبر ما يسمى "حكومة الإنقاذ" التابعة لها. وفيما تثار تساؤلات حول حقيقة الموقف التركي مما يجري، برغم إعلان أنقرة أنها اتخذت إجراءات (دون توضيحها) لوقف القتال في الشمال السوري، فإن الأنظار تتجه أيضاً إلى منبج وشرق الفرات في ظل الخلاف الناشئ بين تركيا والولايات المتحدة بعد "التريث" الأميركي في موضوع سحب قواتها، والمتضمن اشتراطات جديدة على تركيا رفضتها الأخيرة، ولوحت بالتنسيق مع محور روسيا وإيران لسد الفراغ الناجم عن الانسحاب الأميركي المحتمل.


ويتضمن الاتفاق بين "هيئة تحرير الشام" و"الجبهة الوطنية"، وهي ائتلاف من فصائل مسلحة في الشمال السوري توصف بالمعتدلة، تثبيت مناطق السيطرة الحديثة لكلا الطرفين في كل من محافظة إدلب وأرياف حماة وحلب الغربي واللاذقية. كما أكد الاتفاق أن تكون جميع تلك المناطق خاضعة إدارياً لسلطة "حكومة الإنقاذ" التابعة إلى "هيئة تحرير الشام"، على أن تبقى جميع المناطق التي تخضع لسلطة "الوطنية للتحرير" بيدها أمنياً وعسكرياً، أما الأمور الإدارية فستتولاها "الإنقاذ". كما نص الاتفاق على الوقف الفوري لإطلاق النار بينهما وإزالة السواتر والحواجز، بالإضافة إلى تبادل الموقوفين من الطرفين على خلفية الأحداث الأخيرة. ولاحظ ناشطون أن "حكومة الإنقاذ" كانت تدخل بشكل فوري إلى المناطق التي تسيطر "هيئة تحرير الشام" عليها لإدارتها خدمياً وتنظيمياً، ما يشير إلى وجود تحضير مسبق من جانب "تحرير الشام" للسيطرة على المنطقة وإدارتها عسكرياً ومدنياً.

وفي سياق متصل، اقترح القائد السابق لـ"هيئة تحرير الشام"، هاشم الشيخ (أبو جابر)، إشراك "الجبهة الوطنية للتحرير" في الهيئة التأسيسية لـ"حكومة الإنقاذ". وقال الشيخ، عبر حسابه في "تلغرام"، إنه "من الإعقال (العقل) والحكمة إشراك الأخوة في الجبهة الوطنية للتحرير في الهيئة التأسيسية مشاركة فاعلة تليق بمكانتهم وحجمهم، وتمكينهم من حمل حقائب وزارية ضمن حكومة الإنقاذ". ورغم هذا الاتفاق، واصلت "هيئة تحرير الشام" ملاحقة قادة من فصائل المعارضة في محافظة إدلب، إذ دهم عناصرها منازل مقاتلين من "صقور الشام" في قرية الغدفة جنوب إدلب، ومخفر "الشرطة الحرة" في الغدفة وصادروا معداته. وفي المقابل، ذكرت وسائل إعلام تابعة إلى "تحرير الشام" أن "حركة أحرار الشام" احتجزت عضو "الهيئة التأسيسية" التي انبثقت عنها "حكومة الإنقاذ" العاملة في مناطق سيطرة "الهيئة" المحامي عبد السلام القاسم، الذي يشغل منصب رئيس المجلس المحلي التابع إلى "حكومة الإنقاذ" في مدينة مورك بحماة. كما أعلنت مجموعة تابعة إلى "حركة أحرار الشام" في منطقة التح جنوب إدلب انشقاقها عنها والتزام مواقعها على خطوط التماس مع قوات النظام السوري، بالتنسيق مع "هيئة تحرير الشام". من جهة ثانية، أعادت الفصائل فتح الطرقات الرئيسية في محافظة إدلب وريف حلب الغربي، والتي أغلقت خلال الأيام الماضية، حيث تم فتح الطرقات الواصلة إلى مدينة معرة النعمان وأريحا. كما تمت إزالة السواتر الترابية على أطراف معرة النعمان في ريف إدلب الجنوبي.

في غضون ذلك، وبينما تثار تساؤلات حول حقيقة الموقف التركي مما يجري في الشمال السوري، أعلنت أنقرة أنها اتخذت خطوات ضرورية لوقف المعارك الدائرة هناك. وقال وزير الخارجية التركية، مولود جاووش أوغلو، أمس الخميس، إن "الجماعات الراديكالية تهاجم المعارضة السورية في إدلب، وأنقرة اتخذت خطوات ضرورية لوقف هذه الهجمات"، بحسب وكالة "الأناضول"، من دون أن يفصح عن طبيعة هذه الخطوات. وأضاف جاووش أوغلو أن النظام السوري جلب إلى إدلب "منظمات إرهابية" من باقي المناطق التي خضعت له خلال العام الماضي، بهدف إيجاد حجة لمهاجمة المدينة بدعوى وجود هذه التنظيمات.

ورفض قادة ومحللون من المعارضة السورية الاتهامات الموجهة لتركيا، وذلك في إشارة إلى كلام مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن عن أنه "لولا موافقة الاستخبارات التركية لما تجرأت هيئة تحرير الشام واكتسحت المناطق التي توجد فيها فصائل مدعومة منها". وقال عضو وفد أستانة للمعارضة السورية، العقيد فاتح حسون، إن "بعض الجهات غير الموثوقة تحاول أن تلصق كل سلبية تحدث على امتداد الساحة السورية بتركيا، وتنظر لكل إيجابية تحدث فيها بريبة وشك، ومن هذه الجهات المرصد السوري لحقوق الإنسان". من جهته، قال المحلل العسكري، العميد أحمد رحال، إن المسؤولية عن تمدد "تحرير الشام" في الشمال السوري تقع بالدرجة الأولى على عاتق فصائل المعارضة التي تقول إن لديها عشرات آلاف المقاتلين، لكن على الأرض لا نجد سوى العشرات. وأضاف رحال أنه ليس المطلوب من تركيا القتال نيابة عن هذه الفصائل التي لم تعرف كيف تنسق عملية الدفاع عن نفسها في مواجهة استفراد "الجبهة" بكل منها. غير أن رئيس اتحاد الديمقراطيين السوريين، ميشيل كيلو، اعتبر أن انشغال تركيا وتحضيراتها لمعركة شرق الفرات، سمح لـ"هيئة تحرير الشام" بالتقدم في إدلب وحماة وحلب، على حساب فصائل الجيش السوري الحر. واستبعد كيلو، في تسجيلات صوتية أن يكون لتركيا مصلحة بما يحدث، مشيراً إلى أنه يستحيل أن تتعامل تركيا مستقبلاً مع تنظيم مؤلف من 15 ألف مسلح يعلنون صراحة انتسابهم إلى تنظيم "القاعدة". ورأى أن موضوع الحسم في إدلب مؤجل لما بعد الانتهاء من تأسيس اللجنة الدستورية، التي ستحدد الهوية السياسية لسورية المستقبل. ولفت إلى أن تركيا تخشى وقوع خسائر بشرية في صفوف مقاتليها في حال شنّت حرباً على "الهيئة"، وقد تطلب من الدول الضامنة لاتفاق أستانة مشاركتها المعركة لاحقاً.

بدوره قال رئيس الائتلاف السابق وعضو هيئة المفاوضات السورية، هادي البحرة، لـ"العربي الجديد"، إن المعارضة السياسية تجري مشاورات على الصعيد الميداني والسياسي والدبلوماسي الإقليمي، من أجل تجاوز محنة الشمال السوري، فيما أعلن المتحدث باسم هيئة التفاوض، يحيى العريضي، لـ"العربي الجديد"، أن الدول المهتمة بالشأن السوري اتفقت على إنهاء الحالة العسكرية في سورية، لكن ما هو غير معلوم هو كيفية حدوث ذلك. وأشار إلى أن الفصائل التابعة إلى "الجيش السوري الحر"، غير متفقة فيما بينها، ما مكن "النصرة" من القضاء على بعضها، مشيراً إلى أن "إنهاء العسكرة والبدء في الجانب السياسي، لا يعني إعادة تأهيل النظام، بل على العكس، هناك نية دولية لإعادة فتح المفاوضات السياسية بشكلها الصحيح".

في غضون ذلك، تواصل تركيا تأكيد عزمها على القيام بعملية عسكرية في منطقتي منبج وشرق الفرات، بالرغم من الخلاف الناشئ مع الولايات المتحدة، بعد أن أعلنت الأخيرة نيتها "التريث" في سحب قواتها من سورية، واشترطت على تركيا حماية المقاتلين الأكراد الذين قاتلوا مع الولايات المتحدة أو عدم التعرض لهم بعد سحب قواتها. وأعلن جاووش أوغلو إن العملية العسكرية التركية في شرق الفرات ليست مرتبطة بالانسحاب  الأميركي من سورية. وقال، في مقابلة مع قناة "إن تي في" التركية أمس الخميس، "لن نتردد أبداً في اتخاذ الخطوات اللازمة شرق نهر الفرات، مثلما اتخذناها في عفرين وجرابلس والباب غرب الفرات". وأشار إلى أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أعلن اعتزام بلاده دخول شرق الفرات وإطلاق عملية هناك قبل قرار الولايات المتحدة الانسحاب من سورية. وأكّد أن "تركيا ستتخذ الخطوات اللازمة ضد التنظيم الإرهابي الذي يهدد أمنها القومي، سواء انسحبت الولايات المتحدة أم لم تنسحب". وفي هذا الإطار بحث وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو الوضع في منطقة "خفض التصعيد" في إدلب مع نظيره التركي خلوصي آكار، في اتصال هاتفي وفق وزارة الدفاع الروسية، فيما كشف موقع محلي عن قيام القوات الروسية الموجودة في سورية، بإنشاء نقطة عسكرية جديدة في ريف حماة الشمالي الغربي، وذلك بعد يومين من أنباء عن إرسال النظام السوري تعزيزات كبيرة إلى المنطقة قادمة من درعا في الجنوب السوري ومن مطار حماة.