السودان: الأجهزة الأمنية تستنفر لترهيب المحتجين

01 فبراير 2019
من التظاهرات في أم درمان أمس (فرانس برس)
+ الخط -
انتقل النظام السوداني في مساعيه لوقف الحراك الشعبي المطالب بتنحي الرئيس عمر البشير، والذي دخل أسبوعه السابع، إلى استخدام ورقة المؤسسات العسكرية والأمنية، التي بدت مستنفرة، في محاولة لترهيب الشارع والتحذير من الجهوزية لمواجهة "المخططات ضد أمن البلاد"، بالتوازي مع سخرية البشير أمس من استخدام معارضيه وسائل التواصل الاجتماعي لحشد المحتجين ضد حكمه، معتبراً أن الحكومات والرؤساء لا يمكن تغييرهم عبر "واتساب" و"فيسبوك". لكن التهديدات لم ترهب السودانيين، الذين خرجوا أمس في شوارع العاصمة ومدن أخرى، مرددين هتافاتهم بـ"الحرية، السلام، والعدالة"، استجابةً لدعوة وجهتها قوى المعارضة، وعلى رأسها "تجمع المهنيين السودانيين"، للمشاركة في موكب أطلقت عليه اسم "الزحف الكبير"، للمطالبة بسقوط النظام وتنحي البشير.

ووجّهت قيادات عسكرية وأمنية، على نحو متزامن، أكثر من رسالة بمضمون واحده أساسه الالتفاف حول البشير وعدم التفريط بأمن واستقرار السودان، كان أحدثها قول وزير الدولة في وزارة الداخلية السودانية، موسي محمد علي مادبو، في تصريحات نقلها المركز السوداني للخدمات الصحافية، أمس الخميس، "عدم التفريط في أمن واستقرار البلاد وتسليمها للعملاء والمُندسّين أو أي جهة أخرى كانت".

وقبل ذلك أكد وزير الدفاع السوداني، عوض بن عوف، يوم الأربعاء، التفاف الجيش حول قيادته لتفويت الفرصة على المتربصين. وأوضح خلال اجتماع مع كبار ضباط الجيش بحسب بيان للإعلام العسكري، أن "القوات المسلحة تعي تماماً كل المخططات والسيناريوهات التي تم إعدادها لاستغلال الظروف الاقتصادية الراهنة ضد أمن البلاد عبر ما يسمّى بالانتفاضة المحمية، وسعي البعض لاستفزاز القوات المسلحة وسوقها نحو سلوك غير منطقي ولا يليق بمكانتها وتاريخها"، مؤكداً أنهم لن يفرطوا في أمن البلد ولا في قيادتها.

واستكمل رئيس هيئة أركان الجيش السوداني، كمال عبد المعروف، الجزء الثاني من الهجوم ومحاولة الترهيب بالقول إن "القوات المسلحة لن تسلّم البلاد إلى شذاذ الآفاق من قيادات التمرد المندحرة ووكلاء المنظمات المشبوهة في الخارج، وأنها لن تتوانى في التصدي لهم مهما كلفها ذلك من تضحيات حفاظاً على أمن الوطن وسلامة المواطنين". وشدد على أن القوات المسلحة لن تسمح بسقوط الدولة السودانية أو انزلاقها نحو المجهول، قائلاً إن "الذين يتصدرون المشهد في التظاهرات الحالية هي ذات الوجوه التي ظلت تعادي السودان وتشوه صورته أمام العالم، وتؤلب عليه المنظمات وتوفر الدعم للحركات المتمردة التي ظلت تقاتل القوات المسلحة على مدى السنوات الماضية، ثم تأتي اليوم لتشكك في مواقفها الوطنية والإساءة إليها". وأعلن أن "القوات المسلحة سوف تتصدّى بالقانون والملاحقة القضائية لكل الألسن والأصوات المشروخة والأقلام المأجورة التي أساءت إليها"، حسب قوله. لكن مصدراً مقرباً من الحكومة أوضح أن حديث رئيس هيئة الأركان تحديداً أخرج من سياقه، وأن عبد المعروف كان يوجه رسالته للحركات المتمردة فقط، ولا يعني بعبارة "شذاذ الآفاق" التي أثارت غضباً كبيراً، إلا قادة المتمردين دون سواهم، ولم يكن يقصد مطلقاً المتظاهرين السلميين في الشوارع.


تحذيرات الجيش للمحتجين ضد نظام البشير، استكملها مدير المخابرات والأمن السوداني، صلاح عبد الله قوش، الذي قال إن "هناك خمسة جيوش تنتظر ساعة الصفر لتتقدم نحو الخرطوم، بعد إشغالها بالفوضى، وأعمال السلب، والقتل، وذلك حتى لا تجد من يقاومها". وأشار خلال حفل تخريج دفعة جديدة من ضباط الأمن، يوم الأربعاء، إلى أن "اليسار والحركات المتمردة تسعى لتسلم السلطة لبدء العهد الذي انتظروه طويلاً". ولفت إلى "ارتباط مصالح بعض القوى السياسية (في السودان) بالدوائر الخارجية ومحاولة الهجرة اليومية إلى سفاراتها". وأضاف "نحن نرصد كل ذلك، ومحاولة بنائهم أرضية للخنوع للقوى الخارجية والتبعية لها، مما يدفع باتجاه سلب القرار الوطني وإرادته الحرة". واعتبر أن "دخول القوى الشريرة إلى الاحتجاجات، ومحاولة توظيفهاـ فتح الباب للتخريب والفوضى وما تبع ذلك من تداعيات مؤلمة"، مشدداً على أن "استقرار البلاد يتحقق بالشرعية التي ترتبط باختيارات الشعب وليس بالهتاف والتظاهر".

أما البشير، فسخر من معارضيه قائلاً في كلمة أمام المئات من مناصريه في مدينة كسلا شرق البلاد "الحكومات والرؤساء لا يتم تغييرهم عبر الواتساب والفيسبوك وإنما عبر الانتخابات". وأضاف "لا بد من إرضاء جماهيرنا، وخصوصاً الشباب، وهم مركز اهتمامنا لنؤمن لهم مستقبلهم والمشاركة عبر الجلوس والحوار معهم"، فيما أعلن فتح الحدود مع إريتريا بعد عام من إغلاقها، في خطوة تعددت تفسيراتها وربطت بمحاولته كسب المزيد من الشعبية، في ظل الحراك الشعبي المطالب بتنحيه.

وتعليقاً على أجواء الترهيب التي يبثها النظام، قال رئيس القسم السياسي في صحيفة "السوداني"، عمرو شعبان، لـ"العربي الجديد"، إن كلام وزير الدفاع ورئيس الأركان، جعل هذه القيادات جزءاً من الأزمة الحالية بعد أن كانت تُعتبر جزءاً من معادلة الحل في مستقبل السودان، خصوصاً أن الدور الشامل والمانع والقومي للجيش يرتبط بالتهديدات الخارجية ولا يرتبط بأي حال من الأحوال بتقاطعات الأزمة الداخلية سياسياً واقتصادياً واجتماعياً. يُذكر أن الجيش لم يتدخل حتى الآن في مواجهة المتظاهرين وبقيت مهمته محصورة في تأمين المواقع الاستراتيجية مثل المقار الحكومية وغيرها.

من جهته، استبعد الناشط السياسي، طارق الياس، فرضية دخول جيوش إلى الخرطوم بعد فشل تجربتين سابقتين، الأولى لقوات "الجبهة الوطنية" المعارضة لنظام جعفر نميري والتي وصلت إلى الخرطوم لكنها فشلت، والثانية التي قادها زعيم حركة "العدل والمساواة" خليل ابراهيم ووصل حتى أم درمان قبل الفشل. وأضاف الياس لـ"العربي الجديد" أن قوش والحكومة يكرران الحديث عن الانزلاق الأمني والفوضى بهدف إخماد الحراك الثوري الراهن، والذي يشهد تصاعداً يوماً بعد يوم.

لكن كل ذلك لم يمنع المحتجين من الخروج إلى الشوارع أمس، حيث واجهتهم الشرطة بإطلاق الغاز المسيل للدموع لتفريقهم. وخرج المتظاهرون إلى شوارع الخرطوم وأم درمان، وتحديداً في منطقة شمبات شمال الخرطوم، وفي حي بري شرق العاصمة، بينما دخلت مدينة حجر العسل في ولاية نهر النيل، شمال السودان، لأول مرة على خط الاحتجاجات. كما شهدت قرى وبلدات في ولاية الجزيرة (وسط السودان) تظاهرات مماثلة. وعن أسباب استمرار الحراك على الرغم من التحذيرات الأمنية، قال يوسف مصطفى، أحد المتظاهرين أمس، لـ"العربي الجديد"، إن حديث مدير المخابرات قصد به إرهاب المتظاهرين السلميين باستخدام فزاعة الحركات المسلحة، مشدداً على أن مثل هذه التصريحات لا تؤثر مطلقاً على خروجهم إلى الشارع كشباب راغبين في التغيير والإصلاح.

المساهمون