ولوحظ أنّ القوة النارية المستخدمة من قبل الاحتلال الإسرائيلي، تسعى لاستجلاب ردّ أقوى من قوى المقاومة الرئيسية، وذلك لتنفيذ مخطّط عسكرة الهبّة الجماهيرية، للاستفراد بقطاع غزة، ومحاولة تحييد الضفة الغربية والقدس المحتلة عنها. وفي السابق، حاولت إسرائيل عبر القوة النارية المستخدمة في غزة استدراج المقاومة للردّ عليها، كما جرى في عام 2014، ما أدى لاندلاع حرب قاسية استمرت 51 يوماً، وانتهت بدمار هائل طاول أحياء سكنية كاملة في القطاع.
لكن يبدو أنّ المقاومة متنبّهة لذلك هذه المرة، ومتيقّنة أنّ دخولها العسكري على خطّ المواجهة لن يكون في صالح الانتفاضة والهبة الحالية، المراد استمرارها فلسطينياً، لإلغاء قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ووقف أي إجراءات تمسّ القدس خاصة، والقضية الفلسطينية عامةً. وفي غزة، لا يوجد تماس عسكري مباشر مع الاحتلال الإسرائيلي، ولكن نقاط عسكرية مدججة بالأسلحة ومعزّزة بالدبابات على الحدود، يسهل على الإسرائيليين منها استهداف الفلسطينيين وقتلهم بأقل الأثمان، كما جرى في اليومين الماضيين.
ويحذّر فلسطينيون من تحويل الانتفاضة الشعبية الرافضة لقرار ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال، في هذه المرحلة إلى أعمال عسكرية من القطاع، لأنّ ذلك سيعطي الاحتلال فرصة خوض حرب جديدة على غزة، سيكون من الصعب معها استمرار الهبة الجماهيرية في مناطق الضفة الغربية والقدس والداخل المحتل.
وفي هذا السياق، يوضح الكاتب والمحلل السياسي تيسير محيسن في حديث لـ"العربي الجديد"، أن رؤية الفصائل والقوى الوطنية وتحديداً المقاومة منها، تدعو لانتفاضة وهبة جماهيرية عامة وإعطاء ضوء أخضر لتنفيذ واستخدام كل وسائل العمل الكفاحي لا سيما إمكانية تنفيذ عمليات في الداخل. ويقول محيسن إن قطاع غزة "يجب أن يختلف من ناحية الفعل النضالي، بحكم الواقع المعاش فيه وامتلاك المقاومة لوسائل عسكرية وأسلحة تختلف كلياً عن الواقع في الضفة الغربية وساحة العمل، لا سيما أنّ أي فعل من غزة قد يقابل بعدوان ومواجهة جديدة تُجهض الانتفاضة أو الهبة".
ويؤكد أنّ "أضرار الفعالية العسكرية من القطاع ستكون أكبر تماماً، كما حدث عام 2014، وسيدفع القطاع ثمناً أكثر تكلفة من الثمن الذي دفعه في العدوان الإسرائيلي الأخير عليه، وهو ما يتطلّب أن يكون هناك برمجة عسكرية لقدرات المقاومة يمكنها من توجيه خلاياها في الضفة وفق المساحة المتوفرة".
ويضيف محيسن أنّ الفعل الشعبي في الضفة الغربية إلى الآن "محكوم بشكل محدود، خصوصاً بعد الخطاب العادي للرئيس الفلسطيني محمود عباس، وهو ما سيضع أي فعل لقوى المقاومة هناك تحت حكم الهروب من الواقع والوضع الأمني الذي تخشى السلطة انفلاته ضدها"، معتبراً أنّ الاحتلال "من الممكن أن يلجأ لشن عدوان جديد على القطاع إذا ما استشعر خطر الانتفاضة، لا سيما وهو يدرك أن حركة حماس على وجه الخصوص، تريد الحفاظ على الواقع الأمني في غزة كما هو، وأن تحافظ على المنجز لخدمة استراتيجية المقاومة الخاصة بها، وألا تنجر لحرب غير محسوبة النتائج أو واضحة الأهداف".
ويلفت محيسن إلى ضرورة أن يجري العمل على "التدرج المتصاعد" في الصعود بالانتفاضة والهبة الجماهيرية، وألا تكون مجرد ردة فعل سريعة على قرار ترامب، وأن تتدرج في نتائجها وتخلق حالة من الاصطفاف الجماهيري وصولاً إلى النتيجة نفسها التي وصلت لها انتفاضة الأقصى عام 2000 والتي شهدت تدرجاً متنوعاً وصل إلى تنفيذ عمليات وضربات موجعة ضد الاحتلال.
وفي ذات السياق، يقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأمة بغزة، حسام الدجني لـ"العربي الجديد"، إنّ "هناك هدفاً إسرائيلياً بارزاً من أجل حرف البوصلة عن الانتفاضة والقدس والحراك الجماهيري والتركيز على القطاع، وهو ما تدركه المقاومة الفلسطينية جيداً رغم كل محاولات الاستفزاز وقتل المدنيين".
ويضيف الدجني أنّ الاحتلال الإسرائيلي يخطّط إلى حرف البوصلة صوب غزة، وإظهارها بأنها أساس الدولة الفلسطينية وليس الضفة الغربية أو القدس المحتلة، وذلك تمهيداً لإعلان الرئيس الأميركي خطة للسلام أو ما يعرف بـ"صفقة القرن"، مؤكداً "ضرورة أن تكون الانتفاضة شعبية، وأن يكون سلاح المقاومة في المرحلة الحالية للدفاع عن الشعب الفلسطيني فقط، وأن ينصبّ كل النشاط على الطابع السلمي مع تحرك للسلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير عبر المجلس المركزي، سواء بسحب الاعتراف بالاحتلال أو وقف التنسيق الأمني معه".
ويبيّن الدجني أنّ خيارات الشعب الفلسطيني، ولا سيما العمل المسلح "يجب أن تكون حاضرة في مرحلة متقدمة من الانتفاضة والهبة الجماهيرية، لكن بعد أن يجري قياس مدى نجاح ونجاعة الحراك الشعبي السلمي الذي من شأنه أن يكون أكثر تأثيراً".