لبنان: "التيار الوطني الحر" بلا حلفائه في معركة الحكومة

17 سبتمبر 2018
باسيل (الوسط) سبب خلاف التيار مع الجميع (حسين بيضون)
+ الخط -
منذ انتهاء الانتخابات النيابية في 6 مايو/أيار الماضي في لبنان، بدا واضحاً أن "التيار الوطني الحر" بات في الداخل اللبناني وحيداً، بلا حلفاء، ولا أصدقاء، فيما معاركه على صعيد تأليف الحكومة يخوضها وحيداً، على الرغم من أن الحال في عام 2018 ليست كما قبلها، بعد أن أفرزت الانتخابات النيابية حضوراً أكبر لـ"القوات اللبنانية" ودخولها شريكاً موازياً لـ"التيار"، الذي رفع منذ عام 2005 شعار اختزال أغلبية التمثيل المسيحي.

دخل "التيار الوطني الحر" في معركة تأليف الحكومة مع تيار "المستقبل" ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، وتحولت المعركة إلى اشتباك بين صلاحيات رئاسة الحكومة، ورئاسة الجمهورية، وصلت إلى مرحلة هددت بصدام طائفي ماروني – سني. لكن اللافت أن الحريري نال التفافاً سنياً كاملاً، بوصف المعركة طاولت صلاحيات رئاسة الحكومة، فدخل على الخط رؤساء الحكومة السابقون (فؤاد السنيورة، ونجيب ميقاتي، وتمام سلام)، وكذلك وزير العدل السابق أشرف ريفي، وسط غطاء واضح من دار الفتوى.

التكاتف السني في معركة الصلاحيات لم يقابله تكاتف ماروني أو مسيحي. بدا "التيار الوطني الحر" وحيداً في معركته. أصلاً الخلاف مع "القوات اللبنانية" على الحصص الحكومية، وقبله على ما تعتبره "القوات" تهميشاً لها، لم يكن يسمح بوقوف "القوات" إلى جانب "التيار".

في الانتخابات النيابية، تبدلت الموازين. سابقاً كان يحاول "التيار الوطني الحر"، في ظل أي محاصصة لبنانية، الاستحواذ على الحصة المسيحية، بوصفه الحزب الذي لديه أكبر كتلة مسيحية. لكن في الانتخابات الأخيرة، دخلت "القوات اللبنانية" شريكاً مضارباً، على الرغم من أن كتلة "لبنان القوي" (التابعة لحزب الرئيس ميشال عون مع 29 نائباً) لا تزال أكبر من كتلة "الجمهورية القوية" (القوات اللبنانية مع 15 نائباً)، بسبب التحالفات التي نسجها كل فريق، فيما عدد الأصوات التي نالتها "القوات" متساو مع ما ناله "الوطني الحر" على صعيد لبنان مجتمعاً.

مسيحياً، في ظل معركة "الصلاحيات" كما بات يطلق عليها في لبنان، لم يلتف أحد حول "التيار الوطني الحر"، لا "القوات" ولا تيار "المردة"، الحليف السابق، الذي لا يزال التباعد بينه وبين "الوطني الحر" حاضراً منذ الانتخابات الرئاسية 2016، وسط تقارب تاريخي بين "المردة" و"القوات"، على الرغم من التاريخ الدامي بينهما منذ الحرب الأهلية (1975 ـ 1990).


وإن كان عدم تقديم "القوات" أو "المردة" أي دعم لـ"التيار الوطني الحر" في معركته، بدا لافتاً للبعض أن بكركي لم تحرك ساكناً، بل على العكس قدمت موقفاً صب فعلياً في الجبهة المقابلة، خصوصاً عندما صدر بيان مجلس المطارنة الموارنة بالتزامن مع حرب الصلاحيات قبل أيام، ولم يتضمن أي إشارة إلى صلاحيات رئاسة الجمهورية، بل تحدث باستغراب عن "التأخير في التشكيل الحكومي"، وعن "فتح قضايا في الدستور لدى كل استحقاق دستوري"، مناشداً جميع السياسيين أن يتحمّلوا مسؤوليّاتهم ويسهّلوا تأليف الحكومة.

هذه المواقف تلاها موقف واضح لبطريرك الموارنة بشارة الراعي خلال افتتاح المؤتمر السنوي الـ25 للمدارس الكاثوليكية عندما أشار إلى أن "القوى السياسية في لبنان شوهت بأدائها اتفاق الطائف الذي أكد المواطنة على حساب الانتماء المذهبي"، مشيراً إلى أن "تلك القوى ذهبت إلى إرساء نظام حزبي مذهبي جديد، أمنت من خلاله بقاءها في السلطة وتقاسم الحصص والوظائف وخيرات الدولة".

ووضعت مصادر سياسية متابعة عبر "العربي الجديد" هذه المواقف في خانة التصويب المباشر على كل الطبقة السياسية، لكن لا يمكن إلا أن تفهم كرسائل إلى "التيار الوطني الحر" ووزير الخارجية جبران باسيل، خصوصاً أن الراعي متمسك باتفاق الطائف، ودعوته إلى تسهيل تأليف الحكومة أيضاً تأتي في هذا السياق، بما أن أغلب الأطراف أعربت عن استعدادها للتنازل، فيما بقي "التيار الوطني الحر" وحده مصراً على مطالبه، التي أدت إلى وأد حكومة الحريري قبل أن تولد.

وتأتي هذه المواقف لبكركي التي تضعها المصادر في إطار "المواقف الوطنية المهمة والضرورية، في مرحلة المحاصصة الطائفية والحزبية"، بالتزامن مع خلاف وتباعد أطل برأسه بين بكركي ورئيس "التيار الوطني الحرّ"، وزير الخارجية جبران باسيل، خصوصاً بعد زيارة الأخير إلى موسكو والمواقف التي أطلقها لجهة دور روسيا كمرجعية للمسيحيين.

وتلفت المصادر إلى أن "ثمة حالة من عدم الرضى عموماً في أوساط بكركي، على أداء باسيل، على أكثر من صعيد، خصوصاً لجهة الصدام مع رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، الذي ترى فيه حاجة وضرورة، أولاً بسبب ما يمثل كشخصية لبنانية سنية معتدلة، وثانياً لجهة أنه الأكثر قدرة على قيادة الحكومة في هذا الظرف".

تشير المصادر إلى أن "موقف مجلس المطارنة، ولاحقاً كلام الراعي، أتى بعد زيارة رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة إلى بكركي، حيث دار حديث مستفيض عن اتفاق الطائف، وضرورة حمايته وتحصينه. وهو ما نال توافقاً كاملاً بين الراعي والسنيورة، عبّر عنه لاحقاً في كلامه عن المواطنة والطائف ورفض المحاصصة، وضرورة تسهيل تأليف الحكومة".


وتؤكد المصادر أن "العلاقة بين بكركي والتيار الوطني الحر متوترة، خصوصاً أن وزير العدل سليم جريصاتي صوب بوضوح على السنيورة وزيارته، عندما تحدث قبل أيام عن دموع التماسيح على الطائف التي يذرفها السنيورة في بكركي".

لا تقف أزمة "التيار الوطني الحر" عند حدود الأحزاب المسيحية وبكركي، بل تمتد أزمته إلى كل الأطراف المحلية. وتختصر المصادر هذا الواقع بالإشارة إلى أن "باسيل لم يترك صديقا لتياره"، لافتة إلى أن "أغلب الأطراف الداخلية من الحريري إلى القوات وصولاً إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري، باتت تفصل في تعاطيها بين رئيس الجمهورية ميشال عون، والتيار وباسيل، وتحاول أن تبقي خطوط التواصل مفتوحة مع بعبداً، بمواجهة التصلب والعرقلة والتصعيد والخطاب الطائفي، الذي يستعمله نواب وشخصيات التيار الوطني الحر".

في الساحة الشيعية، يقف بري موقف المتفرج على تصلّب التيار الوطني الحرّ. قال أكثر من مرة لزواره إنه "قدم ما يلزم لتسهيل مهمة الحريري"، وهو فعلياً كان عراب حل أكثر من عقدة لا سيما الدرزية، وعقدة تمثيل النواب السنة المحسوبين على قوى 8 آذار (حلفاء حزب الله والنظام السوري وإيران)، لكن تصلّب التيار وتحديداً باسيل أعاد الجميع إلى المربع الأول، ومنهم بري الذي لم يكن متفائلاً بقرب الفرج الحكومي".

لم يصدر أي موقف لبناني خلال الساعات أو الأيام الأخيرة وقف فيه أحد إلى جانب "التيار الوطني الحر" ومعركته، حتى الحليف "حزب الله" لم يصدر عنه وسط كل الصراخ السياسي، أي موقف، خصوصاً أن أولوية الحزب اليوم هي تأليف الحكومة وتسهيل مهمة الحريري. وهو ما بدا واضحاً في أكثر من خطاب للأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصرالله.

حالة من العزلة السياسية يعاني منها "التيار الوطني الحر"، لكن ثمة من يرى أن هذه العزلة مرتبطة أساساً بمعركة رئاسة الجمهورية المقبلة، التي فتحت رسمياً قبل نحو شهر، عندما نقل عن عون قوله إن "باسيل في رأس السبق الرئاسي"، وعندما ألقى نائب الأمين العام لـ"حزب الله" الشيخ نعيم قاسم خطاباً انتقد فيه ربط البعض تشكيل الحكومة برئاسة الجمهورية، وهو ما فُسّر على أنه رسالة ضمنية لباسيل، على الرغم من نفي أوساط الحزب مراراً لذلك.

وبغض النظر عن الغوص في خلفيات الموقف، إلا أن الأكيد أن باسيل خلال الأشهر الماضية ابتعد عن كثر في الداخل اللبناني، وساهم فعلياً في عودة التقارب بين "القوات" و"المستقبل" و"الاشتراكي"، وهذا الثلاثي مع بري، وكذلك بين "القوات" و"المردة" و"الكتائب". وتقول المصادر إن "باسيل وحّد الساحة السياسية عموماً ضده، وبالتالي أي حكومة مقبلة حتى لو نال باسيل ثلثها (10 من أصل 30)، فلن يكون بمقدوره أن يسيّر الحكومة كما يريد، مستنداً إلى الانقسام بين 8 آذار و14 آذار، لأن المعادلة في أي حكومة مقبلة، ستكون فريق باسيل، وربما يتضامن معه وزراء حزب الله في بعض الملفات، مقابل كل الأحزاب الأخرى".

أمام هذا المشهد لم يبقَ لباسيل سوى بعض الحلفاء المحسوبين على النظام السوري، الذي تشهد علاقته به ازدهاراً واضحاً، خصوصاً أن تكتله يضم عدداً من الوجوه المحسوبة على النظام، كما أنه يشكل رأس حربة معركة إعادة العلاقات بين البلدين، لكن ما يخشاه البعض بحسب المصادر يكمن في "المخاطر الجدية التي تنتظر البلد اقتصادياً خصوصاً إذا ما استمر التصلب والعرقلة. وهو ما سيعرّض العهد والبلد برمته لخطر الانهيار، عندها تصبح المعركة الرئاسية المقبلة، وأي حكومة تفصيلاً".
المساهمون