3 أشهر على الهدنة السورية الهشة: إعلان انهيارها مؤجل

25 مايو 2016
اعتبرت المعارضة اتفاق وقف الأعمال العدائية بحكم المنهار(حسين ناصر/الأناضول)
+ الخط -
في ظل استمرار حالة "الاستعصاء" السياسي، التي تؤكد تطوراتٌ عدة، بأنها تتصدر حالياً المشهد السوري، يبدو أن الأوضاع الميدانية قد تتجه نحو مزيدٍ من التصعيد قريباً. وتؤكد رسائل مختلف الأطراف السياسية الصادرة حديثاً، أن نبرة التهديد والتسخين على الأرض، عادت لترتفع مجدداً، في ظل خفوتٍ واضح في أروقة مسار الحل السياسي المُجمد، وهو ما يزيد من ترنح الهدنة التي تنهي بعد غد الجمعة شهرها الثالث بعدما كانت قد أُعلنت بقرار مجلس الأمن 2268، وبدأت فجر 27 فبراير/شباط الماضي.
لكن منذ اليوم الأول للهدنة، كان واضحاً أن النظام السوري مصمم على خرقها في مناطق عدة. ولم تكد تمضي أسابيع معدودة حتى بات واضحاً أن الهدنة أصبحت بالغة الهشاشة وسط تصميم دولي وأممي على رفض السماح بإعلان انهيارها رسمياً. وقد أدى هذا الأمر بعد ذلك، وتحديداً بعد قرابة شهرين على بدء تطبيقها، إلى بدء العمل بما بات يُعرف بـ"نظام التهدئة" الذي أعلنت عنه موسكو في التاسع والعشرين من إبريل/نيسان، وشمل حينها مناطق شمالي اللاذقية وريف دمشق، لفترات متراوحة بين 48 و72 ساعة، وأُعلن عن هذه التهدئات الجزئية والمحددة بمناطق جغرافية بعينها عدة مرات لاحقاً، في محاولة لمنع انهيارها كلياً، وهو الأمر الذي حاولت روسيا تكراره في داريا والغوطة الشرقية.
المعارضة السورية، وردأ على استمرار النظام في عملياته العسكرية وقصفه للمناطق السكنية أثناء الهدنة، وعدم اكتراثه بتنفيذ ما نصت عليه البنود (الإنسانية) 12 و13و14 من قرار مجلس الأمن الدولي 2254، حذرت يوم الأحد الماضي، في بيان مشترك أصدره 39 فصيلاً مسلحاً، أن اتفاق "وقف الأعمال العدائية"، أصبح بحكم المنهار، و"العملية السياسية باتت في مهب الريح جراء أفعال النظام، التي تجعل الفصائل تفكر بالانسحاب من أية عملية سياسية عقيمة ليس لديها أية آليات للتطبيق، وتعطي غطاء لاستمرار بشار الأسد وحلفائه بارتكاب المزيد من المجازر".
هذه اللهجة التصعيدية من قِبل المعارضة تزامنت مع شن النظام هجماتٍ في مدينة داريا بريف دمشق الجنوبي الغربي، وقد أمهلت الفصائل الموقعة على البيان الأخير، الأطراف الراعية لاتفاق "وقف الأعمال العدائية"، ثمانياً وأربعين ساعة لإنقاذ ما تبقى منه، وإجبار نظام الأسد على الالتزام به ووقف هجماته على مدينة داريا ومناطق غوطة دمشق الشرقية، مهددة باستخدام كل الإجراءات المتوفرة، وعلى جميع جبهات القتال، إلى حين وقف نظام الأسد هجماته وعودة قواته إلى مواقعها قبل بدء الهجوم على داريا في الرابع عشر من الشهر الحالي.
لكن قبل انتهاء مهلة المعارضة هذه، صدر موقف من وزارة الدفاع الروسية مساء أمس الأول الاثنين، دعا لـ"فرض نظام التهدئة في الغوطة الشرقية ومدينة داريا لمدة 72 ساعة اعتباراً من الساعة 12 ليلاً من يوم 24 مايو/أيار، بغرض بسط الاستقرار في المنطقة". لكن حديث موسكو هذا، لمّح إلى إمكانية التنصل من أي اتفاق، عندما ذكر أن "مسلحي تنظيم جبهة النصرة الإرهابي مستعدون لإطلاق هجوم واسع على مواقع القوات السورية في منطقة الغوطة الشرقية وريف العاصمة دمشق".
وزعم رئيس "مركز حميميم لتنسيق المصالحة بين أطراف الأزمة السورية" الجنرال سيرغي كورالينكو، أن "المجموعات المسلحة التابعة لجبهة النصرة وفصائل المعارضة التي انضمت إلى التنظيم، قامت بإعادة ترتيب قواتها واستكمال حاجتها من الأسلحة والذخائر، وهي مستعدة الآن لتنفيذ عمليات هجومية"، مشيراً إلى أن "صحة هذه المعلومات تدل عليها معطيات العسكريين الروس والاستخبارات السورية".
وفيما استبعد ناشطون في الغوطة، في حديث مع "العربي الجديد" أن تكون "النصرة" قادرة على شنّ مثل هذا الهجوم الذي تحدث عنه الروس، معتبرين أنها لا تملك الإمكانات اللازمة لمثل هذه العمليات، خصوصاً في ظل ما تشهده الغوطة الشرقية هذه الأيام من نزاعاتٍ بين أكبر فصائلها، فإن كلام المسؤول العسكري الروسي لم يقتصر على الأوضاع بريف دمشق، بل توسع في حديثه لمناطق شمالي سوري. إذ أشار إلى أن "تنظيم جبهة النصرة ينجز عملية تشكيل مجموعة قتالية تضم حوالي 6 آلاف من مسلحيه في محافظة حلب من أجل محاصرة قوات الجيش السوري في محيط المدينة، من خلال شن هجوم واسع في جنوبها وقطع الطريق إلى مدينة نبل شمالاً"، معتبراً أن "تأزم الوضع في عدد من مناطق سورية" جاء كـ"نتيجة لسعي تنظيم جبهة النصرة والمجموعات المرتبطة به لإفشال الهدنة".


وكان لافتاً في كلام سيرغي كورالينكو من مطار حميميم، ربطه بين "المجموعات المسلحة التابعة لجبهة النصرة"، و"فصائل المعارضة التي انضمت إلى التنظيم"، وتوجيهه طلباً "لجميع الأطراف المعنية" بـ"وقف الأعمال الهجومية وعمليات القصف والابتعاد عن المناطق التي تقع تحت سيطرة جبهة النصرة"، قائلاً إن "القوات الجوية الروسية ستواصل شن ضربات على مواقع جبهة النصرة".
ويشير كلام الضابط الروسي الذي يضطلع بمهامٍ سياسية في سورية، إلى أن موسكو تواصل محاولاتها لربط كافة الفصائل العسكرية السورية المعارضة، التي لا تتماشى مع توجهاتها ومخططاتها في سورية، بـ"جبهة النصرة" كي تشرعن استهدافها، كما أن توجيه الطلب لـ"كافة الأطراف المعنية" بضرورة "الابتعاد عن المناطق التي تقع تحت سيطرة جبهة النصرة"، التي "ستواصل القوات الجوية الروسية شن ضرباتٍ فيها"، يحمل تهديداً مبطّناً بأن كافة هذه الأطراف، ستعود مجدداً لتكون هدفاً لغاراتٍ روسية جديدة، إذا نفذت الفصائل الموقّعة على بيان التلويح بالانسحاب من العملية السياسية، تهديدها. وعلّق كورالينكو على بيان المعارضة الأخير، واعتبره "محاولة لإلقاء المسؤولية عن انتهاكات نظام وقف إطلاق النار على القوات الحكومية".
أما الولايات المتحدة الأميركية، فبدت كأنها تسعى للحفاظ على الوضع القائم، الذي لا تتوقف فيه المعارك (وإن هدأت وتيرتها) ولا تنتهي فيه الهدنة التي أصبحت بالغة الهشاشة في مناطق عدة، محذرة المعارضة من خطورة التخلي على الهدنة. وجاء الخطاب الأميركي هذه المرة على لسان مبعوث واشنطن الخاص إلى سورية مايكل رانتي، إذ خاطب "فصائل المعارضة السورية المسلحة"، قائلاً: "اطّلعنا على بيانكم بشأن الهدنة وقلقكم البالغ حيال الوضع في داريا والمناطق الأخرى في سورية، ونرجو أن تتأكدوا أننا نشارككم بواعث قلقكم وقد أثرناها اليوم بشكل مباشر مع المسؤولين الروس، إلا أننا لا نعتقد أن التخلي عن الهدنة من شأنه أن يخدم وضع الفصائل المسلحة، أو الآلاف من عامة السوريين الذين يعانون جراء الهجمات العنيفة لنظام الأسد وداعميه".
المسؤول الأميركي لَخَّصَ موقف بلاده في هذا السياق بالقول، إن "الهدنة، وعلى ما هي عليه من وضع غير مثالي، توفّر قدراً من الحماية، كما أنها وطبقاً لبنود تفاهمنا مع روسيا، تتيح لنا المطالبة بالحماية للفصائل الملتزمة بها، وإن الفصائل المسلحة إذا ما انسحبت من الهدنة، فإن الأسد وداعميه سيدّعون أن ذلك يعطيهم رخصة لمهاجمة كل قوى المعارضة من دون اعتراض دولي"، معتبراً أن "التخلي" عن "الهدنة" سيكون الآن "خطأ استراتيجياً".
يكشف الحديث الأميركي هذا عن حرص واشنطن على الحفاظ على الوضع الراهن بكافة جوانبه، والحيلولة دون حصول انفجارٍ في مجرى الأحداث، خصوصاً الميدانية منها، وهو بذلك لا يبتعد عن الموقف الروسي الأخير، الذي يمسك العصا من المنتصف، ما بين دعوات جزئية بمناطق محددة للتهدئة، وتهديدٍ في الوقت نفسه لـ"كافة الأطراف المعنية" بإمكانية استهدافها جوياً، من مدخل اتهامها بالتقارب مع "جبهة النصرة" أو تداخل مناطق نفوذها، وهي إشكالية كانت المعارضة السورية حذرت منها، منذ إقرار الهدنة في 27 فبراير/شباط الماضي.
إذ إن الهدنة كانت استثنت مناطق تواجد تنظيم "داعش"، وهي معروفة ولا يوجد تداخل للنفوذ فيها مع مناطق المعارضة، كما استثنت أيضاً مناطق تواجد "جبهة النصرة"، وهو ما دعا المعارضة حينها للتعبير عن قلقها، من إمكانية استخدام هذه الإشكالية، كمدخلٍ لضرب أي منطقة للمعارضة، بحجة تواجد "النصرة".