الوجود الإيراني في سورية بمنظور إسرائيلي: تحدٍ يمكن تحمّله رغم التهويل

24 اغسطس 2017
بوتين مستقبلاً نتنياهو في سوتشي أمس(ألكسي نيكولسكي/فرانس برس)
+ الخط -
اللقاء السادس خلال العامين الأخيرين، الذي جمع رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أمس الأربعاء في منتجع سوتشي، يعكس عمق التنسيق بين الطرفين، ولا سيما في الملف السوري، لدرجة تجعل نتنياهو يعلن قبيل اللقاء وبعده أن إسرائيل لن تقبل بتجاوز الخطوط الحمراء التي تضعها في كل ما يتعلق بسورية. والأهم بالنسبة لدولة الاحتلال هو مستقبل سورية وطبيعة التسوية النهائية لمرحلة ما بعد الحرب الأهلية فيها، والتي ترى حكومة نتنياهو أنها يجب أن تشمل، في إطار ترتيبات نهائية ورسمية وليس مجرد تفاهمات عامة، تأكيداً على عدم بقاء أي نوع من الوجود العسكري لإيران أو المليشيات التابعة لها وبضمنها حزب الله في الأراضي السورية.

ونقلت وسائل الإعلام الإسرائيلية أن نتنياهو قال، في مستهل لقائه مع بوتين، أمس الأربعاء، إن "إيران تهدد وجود دولة إسرائيل". وكان نتنياهو أعلن الثلاثاء أنه سيبحث مع بوتين الوجود الإيراني في سورية، وسيبين أن إسرائيل لن تقبل ببقاء قوات إيرانية أو مليشيات موالية لإيران بما فيها حزب الله، في سورية ضمن التفاهمات بين الولايات المتحدة وروسيا بشأن مستقبل هذا البلد.

وفيما يصعّد نتنياهو من لهجته ضد الوجود الإيراني في الأراضي السورية في مرحلة ما بعد الحرب، اعتبرت دراسة صادرة عن "مركز أبحاث الأمن القومي" التابع لجامعة تل أبيب، أن الخطاب الإسرائيلي ينطوي على كثير من التهويل وأن هذا الوجود لا يشكل خطراً وجودياً على إسرائيل.

وجاء في الدراسة التي وضعها الباحثان، أدوي ديكل، وكرميت فلانسي، أن "الخطر الإيراني في سورية لا يشكل تحدياً أمنياً لا يمكن احتماله، لا في الوقت الراهن ولا في المستقبل على ما يبدو، خاصةً إذا تمكنت إسرائيل من لعب أوراقها بصورة صحيحة لضمان تقليص الهيمنة الإيرانية في سورية". وإذ استعرضت الدراسة الدور الإيراني في الحرب السورية منذ اندلاعها، سواء عبر قتال القوات الإيرانية التابعة لـ"الحرس الثوري"، أم المليشيات الشيعية التي تم جلبها من أصقاع مختلفة كأفغانستان والعراق ولبنان، إلا أنها قدرت عدد أفراد هذه المليشيات بعشرين ألف عنصر، فيما لا يصل عدد الجنود الإيرانيين إلى ألف جندي وعنصر. ولفتت الدراسة إلى أن مصلحة إيران هي بالأساس المحافظة على استقرار نظام بشار الأسد وتكريس مسار برّي لتزويد حزب الله بالسلاح والعتاد وتثبيت الفضاء السوري كله باعتباره قلب "الهلال الشيعي" الذي يبدأ من طهران مروراً بالعراق وسورية وصولاً إلى بيروت وسواحل المتوسط. وبموازاة ذلك، تسعى إيران إلى "رفع أسهمها في مواجهة إسرائيل وتوسيع مناطق الاحتكاك المباشر معها وزيادة تهديدها للأمن الإسرائيلي"، بحسب الباحثين.


وتقر الدراسة بالقلق الإسرائيلي من توسع النفوذ الإيراني، وتشير إلى أن حكومة الاحتلال تعتبر أن الاتفاقيات والتفاهمات المتعلقة بخفض مناطق التوتر والنزاع، خاصةً جنوب سورية بالقرب من الحدود مع هضبة الجولان المحتلة، ستمنح إيران سيطرة ونفوذاً في هذه المناطق، وهي تقديرات تقع في صلب أسباب اللقاء السادس بين نتنياهو وبوتين. ويسعى الأول إلى إقناع روسيا بقبول الاعتبارات الأمنية الإسرائيلية، لا سيما في ظل اعتقاد إسرائيل بأن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، لن تزيد على موافقتها المبدئية للموقف الإسرائيلي حالياً.

وبحسب الدراسة المذكورة، وطبقاً لما نشرته وسائل الإعلام وصرح به نتنياهو في اليومين الماضيين، فإن إسرائيل قد تتجه لتغيير موقفها الحالي القائل بعدم التدخل الفعلي في ما يحدث بسورية، إذا تبيّن أن الاتفاقيات والتفاهمات بشأن مستقبل سورية، لن تضمن مطلبها بعدم إبقاء أي وجود إيراني في الأراضي السورية، أو في حال كرست التفاهمات بقاء قوات شيعية إيرانية وأجنبية، أو حتى إذا أتاحت بقاء قوات لحزب الله في الدائرة الأولى القريبة من الحدود بين إسرائيل وسورية. والسيناريو الأخير مرفوض لأنه يمنح الحزب مجالاً لفتح جبهة إضافية في الشمال ضد إسرائيل إلى جانب لبنان.

ومع أن إسرائيل تتخوف من عدة سيناريوهات مهددة لأمنها وفق المقولة الإسرائيلية، إلا أن الدراسة ترى أن إيران نفسها غير معنية أصلاً، لاعتبارات استراتيجية وعسكرية مختلفة، في الوصول إلى صدام مباشر مع إسرائيل في المرحلة الراهنة على الأقل. كما أنها تأخذ في حساباتها وجوب عدم المجازفة في سياق التنافس على النفوذ في سورية، بصدام وتناقض جوهري مع روسيا بفعل الأهمية التي توليها للعلاقات المتينة والمتشعبة مع روسيا. كما لا ترغب إيران حالياً بالدخول في مواجهة مع الولايات المتحدة. وإلى جانب ذلك، فإن إيران غير معنية أيضاً باستثارة رفض شعبي سوري لها، لا سيما من السكان السنة ومنظمات المعارضين للحكم. وتضيف الدراسة أن إيران غير معنية في هذه المرحلة، بإبراز وجودها ولا وجود قواتها أو قدراتها العسكرية في سورية، بل طمس هذه الأمور وإخفائها تحت ستار القوة العسكرية للجيش السوري والبنى التحية القائمة في الدولة، حتى لا يثير ذلك سخطاً عالمياً وإقليمياً عليها. وتخلص الدراسة إلى الاستنتاج بأن هذه الاعتبارات التي تقيّد إيران، من شأنها أن تشكل فرصة لإسرائيل لبلورة ردود وحلول للتهديدات الإيرانية، بعضها "يقوم على استخدام القوة الناعمة، والبعض الآخر على القوة المعلنة وسط نشاط إسرائيلي مستقل، وأيضاً من خلال تعاون مع الدول العظمى والقوى الإقليمية وحتى مع القوى السورية الداخلية"، وفق ما ورد في الدراسة.

وتحدد هذه الدراسة مجالات عمل مفتوحة لإسرائيل ضد إيران ووجودها في سورية، بدءاً من استخدام القوة العسكرية لضرب مواقع وثكنات إيرانية في هذا البلد، بما يبرز قوة الردع الإسرائيلية تجاه إيران والنظام لمنع أي نشاط في المناطق الجنوبية المحاذية للجولان المحتل. وبموازاة ذلك، يمكن تشجيع روسيا على الحد من حجم الوجود والنفوذ الإيرانيين في المنطقة. كما تقترح الدراسة تركيز الاهتمام في الجنوب السوري سعياً لخلق تأثير في هذا الشريط كمنطقة عازلة بينها وبين القوات الموالية للأسد وإيران، وتعزيز العلاقات مع قوى سورية محلية في هذه المنطقة.

وعلى صعيد العلاقات والاتصالات مع روسيا، تقترح الدراسة أن تطالب إسرائيل بإشراكها، ولو من وراء الكواليس، في المحادثات المتعلقة بمستقبل سورية في مرحلة ما بعد الحرب الأهلية، والقبول بأن تكون روسيا المشرفة والضامنة لمنع تواجد إيراني في جنوب البلاد، على الأقل على مسافة 40 كيلومتراً من الحدود مع إسرائيل، ومنع وصول سلاح روسي متطور لحزب الله.

في المقابل، تؤكد الدراسة أنه يتوجب على إسرائيل أن تتوصل إلى توافق في الرؤية الاستراتيجية لمستقبل سورية مع إدارة ترامب، والعمل على إقناع الإدارة الأميركية بوجوب وضرورة خلق عازل يكسر الهلال الشيعي، ومواصلة دعم حكومة حيدر العبادي في العراق، لخفض التأثير الإيراني، والسعي لأن تكون الولايات المتحدة شريكاً في آلية مراقبة وتطبيق اتفاقيات وقف إطلاق النار في سورية، وإعادة إعمار جنوب هذا البلد وإيجاد قوى محلية معارضة للنفوذ الإيراني. وترى الدراسة أن هذه الخطوات مجتمعة يمكن القيام بها من خلال تعاون مع الأردن.

أما على الصعيد الدولي، فتقترح الدراسة مواصلة تشويه صورة إيران وعرضها كطرف متآمر يضرب الاستقرار الإقليمي، وتقديم دليل على ذلك من خلال تسليط الضوء على دورها في زعزعة الاستقرار في سورية وسعيها لتوسيع نطاق الاحتكاك مع إسرائيل، وفق ما تقترح الدراسة. ويقود هذا إلى وجوب وضع تصور للتعاون بين إسرائيل ولاعبين إقليميين آخرين في المنطقة يشاطرون دولة الاحتلال نفس الأهداف، لا سيما مواجهة النفوذ الإيراني وصدّه، وفق الدراسة. وكي تنجح إسرائيل في تحقيق هذه الأهداف ولعب أوراقها جيداً، تقترح الورقة البحثية أن تعلن إسرائيل عن قبولها وموافقتها على التحرك الروسي للحل المبني على "نظام فدرالي (اتحادي) لسورية طبقاً لموازين القوى الداخلية، بحيث يمكن صدّ نشاط إيران وسعيها لبسط الهيمنة على سورية.

وترى الدراسة أنه بموازاة كل ذلك، يجب على إسرائيل أن تعلن أيضاً رفضها لبقاء نظام الأسد، خاصةً "لاعتبارات إنسانية". وبحسب الدراسة فإنه وعلى ضوء ما تقدم، فإن الوجود الإيراني لا يشكل في ظل المعطيات المذكورة والوسائل المتاحة أمام إسرائيل، تحدياً أمنياً لا يمكن احتماله أو مواجهته.