قلق في الجزائر من تأخر المبادرة السياسية تجاه ليبيا

07 يونيو 2020
دعوات لانخراط جزائري أكبر (فرانس برس)
+ الخط -

يبدي الشارع السياسي في الجزائر اهتماماً لافتاً بالتطورات الأخيرة في ليبيا، مع توحد الموقف العام الغالب نحو دعم حكومة الوفاق الليبية، بسبب المخاوف من تبعات أمنية وسياسية على الجزائر فيما لو نجح اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر في بسط سيطرته على العاصمة طرابلس.

هذا الاهتمام العام يقابله في الوقت نفسه قلق لدى المتابعين لتطور الموقف الجزائري من تأخر المبادرات إزاء ليبيا، وبقائها على مستوى التعبير السياسي، خصوصاً أن ثمة ضرورات تفرض الانخراط بشكل أكبر في ليبيا التي تتسارع تطوراتها ميدانيا وسياسيا. وينتظر من الجارة الغربية لليبيا ليس فقط المساهمة في حل الأزمة ولعب دور إيجابي في طرح مبادرات حل سياسي بحكم علاقات مقبولة مع طرفي الأزمة، ولكن أيضا لتكون شريكة ومطلعة بالمعنى السياسي عن قرب على أي مشروع سياسي ينجز في ليبيا.


ومن منظور أمني تبرز أهمية الوجود بشكل أكثر قربا من أي معادلة أمنية تنجز في ليبيا، خصوصاً أن الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، ظل يؤكد منذ انتخابه في ديسمبر/ كانون الأول الماضي أن "الجزائر ستكون شريكة بالضرورة في أي حل في ليبيا" من جهة، وكذا عودة رموز وقيادات في جهاز الأمن الخارجي الجزائري ممن لديهم دراية كبيرة بالملف الليبي وعلاقات مهمة مع الفاعلين في الداخل الليبي، من جهة ثانية.

واستفز طرح الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، أمس السبت، مبادرة حل سياسي، الكثير من النخب ودفعها إلى مطالبة الحكومة بالقيام بدور إيجابي، خصوصاً أن الظرف مناسب والتطورات هي لصالح إحياء المبادرة الجزائرية السابقة التي دعت إلى عقد مؤتمر حوار ليبي ليبي.

وبرأي مراقبين إن الحكومة الجزائرية تبدو مرتبكة في التعاطي مع الوضع الليبي. ويبدي أستاذ العلوم السياسية في جامعة تيبازة قرب العاصمة الجزائرية، زهير بوعمامة، قلقه من تأخر الجزائر في التفاعل إيجابيا مع التطورات الراهنة في ليبيا.


ويرى بوعمامة في تصريح لـ"العربي الجديد" أن الوقت مناسب وضروري "لإرجاع سفيرنا إلى العاصمة الليبية طرابلس، فقد ضيعنا الكثير من الوقت الثمين وأهدرنا الكثير من الفرص، ولا مجال لتضييع المزيد حتى لا نجد أنفسنا مرة أخرى خارج كل الحسابات وبلا تأثير في القادم من الترتيبات في ليبيا"، مضيفا أن "الدبلوماسية أفعال وحضور وجرأة، والغياب والتردد قاتلين".

واستدرك بالقول "لدينا أوراقنا ولكن المبالغة في التردد ستحرقها في أيدينا"، متابعاً "إذا كانت الجزائر تريد أن تلعب دورا متقدما في ليبيا، فهذا يفرض حضور قويا وفاعلا على الأرض، وإذا لم تكن موجودا يصعب عليك أن تحدث تأثيرا، خصوصاً أن هناك تحولا كبيرا في المعطيات على الأرض في ليبيا".

وفي ظل المبادرة المصرية وباقي المساعي الإقليمية، يتساءل متابعون في الجزائر عن سبب عدم تجديد مبادرة كان تبون قد كشف عن تفاصيلها في حوار تلفزيوني بداية مايو/ أيار الماضي، عندما أعلن أن "الجزائر قادرة على حل المشكل، وتملك تصوراً لحل الأزمة من دون أي مطامع في ليبيا".

وشدد الرئيس الجزائري آنذاك أن "الحل المقترح مبني على تجربة الجزائر في معالجة أزمتها الداخلية في السابق، عبر تشكيل مجلس وطني مؤقت يتولى تشكيل حكومة مؤقتة ومن ثمة الدخول في مرحلة بناء شرعية المؤسسات وتنظيم انتخابات نيابية". واتهم حينها أطرافا دولية وإقليمية، من دون تسميتها، بإعاقة الحل ومبادرة عقد مؤتمر حوار ليبي ليبي كانت الجزائر تسعى لاحتضانه شهر فبراير/ شباط الماضي.


وإضافة إلى مسائل القرب الجغرافي والعلاقات التاريخية بين الشعبين الجزائري والليبي، وكذلك الحسابات السياسية والأمنية المعقدة التي تتداخل فيها الكثير من الأطراف الدولية، تطرح قراءات أخرى الحسابات الاقتصادية كعامل إضافي تعتبره حافزا إضافيا يفرض على الجزائر التي تتمتع بـ980 كيلومترا من الحدود مع ليبيا، تحرير مبادراتها السياسية تجاه ليبيا.

ويذهب الباحث المتخصص في اقتصاديات المغرب العربي، عاصم مقراني، إلى القول إن "الجزائر تبدو متأخرة كثيرا عن المشهد الليبي، كان يجب أن تكون حاضرة في ليبيا ميدانيا منذ وقت بعيد وليس الآن، وكل تأخر إضافي سيضيع علينا المبادرة السياسية لمساعدة الليبيين على الحل السياسي"، مضيفاً "يتعين على الفعل الدبلوماسي الجزائري التحرر أكثر نحو المبادرة، حتى الآن لا نرى الخطة الدبلوماسية الجديدة التي ستنتهجها الجزائر تجاه الوضع الليبي".

ويرى مقراني أن "المصالح الاستراتيجية للجزائر في ليبيا كثيرة سياسيا وأكثر منها اقتصاديا، يكفي أن نذكّر بحيازة شركة المحروقات الجزائرية سوناطراك لثلاثة حقول نفطية منتجة في منطقة غدامس الحدودية، وسوق عمالة في القطاع النفطي يمكن للجزائر أن تقتطع منه ما لا يقل عن 70 مليون دولار سنويا، إضافة إلى سوق خدمات نفطية لا يقل عن ثلاثة ملايين دولار سنويا، يمكن لكل فروع سوناطراك الـ36 أخذ حصص معتبرة منها، خاصة بعد رجوع الشركات النفطية لحقولها في ليبيا ومشروع شركة الكهرباء الجزائرية المعطل لتصدير 3000 ميغاوات من الكهرباء للشركة الليبية للكهرباء".

ويضيف مقراني أن ليبيا تمثل أيضا "سوق نقل جوي بسعة 150 ألف مسافر سنويا هي حصة الخطوط الجوية الجزائرية في ليبيا وهي فرصة لاسترجاعه بعد تحرير مطار طرابلس، وتجارة بينية على الحدود الممتدة على مسافة 1200 كيلومتر ينتفع منها أكثر من 300 ألف نسمة، وسوق أدوية بحجم 300 مليون دولار، وسوق المواد الغذائية يقدر بـ600 مليون دولار، إضافة إلى اشتراك الحكومة الجزائرية مع نظيرتها الليبية في بنك تجاري في فرنسا". ولفت إلى أن هذه "المصالح الاقتصادية لوحدها كفيلة لإجبارنا نحن الجزائريين على صياغة خطة استراتيجية محيّنة للتدخل الإيجابي في ليبيا إصلاحا للوضع المتردي وحفاظا على هذه المصالح التي نحن في أمسّ الحاجة إلى استغلالها في ظل شح الموارد المالية للجزائر".


جزء من التخوفات والملاحظات القائمة في الجزائر بشأن التردد في المبادرة تجاه ليبيا في الفترة الأخيرة، تربط ذلك بدخول الجزائر مرحلة حساسة في ترتيب قضايا الداخل، خصوصاً ما يتعلق بطرح مسودة الدستور الجديدة، والتي قد تشغل السلطة السياسية في الجزائر عن ملف خارجي بالغ الأهمية كليبيا، في ظل مواجهة المسودة اعتراضات سياسية كبيرة، ووجود نوايا جدية للحراك الشعبي للعودة إلى الشارع.

المساهمون