سليماني في الشرق السوري: ميدان مواجهة مع الأميركيين؟

28 يوليو 2019
جال سليماني في مناطق عدة بدير الزور(فرانس برس)
+ الخط -


لا يمكن عزل زيارة قائد "فيلق القدس" بالحرس الثوري الإيراني اللواء قاسم سليماني إلى شرق سورية، عن التصعيد المتبادل بين طهران وواشنطن في الآونة الأخيرة، الذي يكاد يتحول إلى مواجهة مباشرة بين الطرفين، إذ من الواضح أن سليماني أراد إيصال رسالة للأميركيين مفادها بأن "الشرق السوري ربما يتحول إلى ميدان صدام معهم"، في ظلّ احتفاظ إيران بوجود عسكري كبير في ريف دير الزور الشرقي. وذكرت مصادر إعلامية أن "سليماني زار منذ أيام مدينة البوكمال التابعة لمحافظة دير الزور في أقصى الشرق السوري، على الحدود مع العراق". ونقلت وكالة "الأناضول" عن تلك المصادر، قولها إن "سليماني زار معسكرات المجموعات المسلحة التابعة لإيران، وسط إجراءات أمنية مشددة، والتقى المستشارين العسكريين للحرس الثوري، وقيادات المجموعات في المنطقة".

من جهتها، ذكرت شبكة "فرات بوست" الإخبارية المحلية، أن "سليماني عقد اجتماعاً في حي الجمعيات، في مزرعة تضم داخلها مبنىً كان يُستخدم مسكناً للمهندسين في البوكمال، وأصبح في ما بعد مقراً للحرس الثوري الإيراني". وأشارت الشبكة إلى أن "قيادات من الحرس الثوري في ريف المحافظة حضرت الاجتماع، ومن بينهم رئيس اللجنة الأمنية في مدينة الميادين، كبرى مدن ريف دير الزور والواقعة تحت السيطرة الإيرانية، والمسؤول الأمني في البوكمال، وقائد مليشيا لواء فاطميون، هاشم مرضوي".

ونقلت الشبكة عن مصادرها أن "هدف الاجتماع هو رفع معنويات قوات إيران ومليشياتها استعداداً لأي هجوم أميركي محتمل، مع الطلب منها الاستعداد لحرب محتملة مع الولايات المتحدة"، لافتة إلى أن "إيران تنوي تشكيل مليشيا وقوة عسكرية جديدة يطلق عليها (لواء حراس المقامات) ومهمتها حراسة مقامات دينية مزيفة أنشأها الحرس الثوري الإيراني، بهدف وضع يده على المنطقة". ولفتت المصادر إلى أن "سليماني زار كذلك محطة (تي تو) النفطية في بادية دير الزور الشرقية، الواقعة على خط النفط الواصل بين العراق وسورية".

وتأتي زيارة سليماني إلى شرق سورية بعد أيام قليلة من إعلان الولايات المتحدة استئناف تدريب "جيش المغاوير" التابع للجيش السوري الحر، المتمركز في البادية السورية بعد أن أوقفت دعمه منذ قرابة عام. ونقلت وكالة "الأناضول" التركية عن مصادرها، "أن الهدف من إعادة تنشيط الجيش الحر في قاعدة التنف، هو القضاء على خلايا داعش في المنطقة، إلى جانب التحضير للسيطرة على الحدود السورية العراقية التي تتمركز فيها المجموعات الإرهابية التابعة لإيران في مدينة البوكمال وباديتها".

وقال رئيس تحرير موقع "الشرق نيوز" فراس علاوي في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "البوكمال تعتبر الركيزة الأهم في المشروع الإيراني القائم على ربط بغداد بدمشق فبيروت براً، باعتبارها مدخل سورية على الحدود العراقية السورية"، مضيفاً أن "السيطرة عليها تعني الحفاظ على العمق الجيوسياسي واللوجستي والعسكري للمليشيات العراقية الموالية لإيران على الجانب الآخر من الحدود". وأعرب عن اعتقاده بأن "زيارة سليماني تحمل رسائل عدة"، كاشفاً أن "الأولى داعمة لنظام الأسد ومليشياته، عبر التأكيد بأن الحرس الثوري الإيراني قبل التحدي والبقاء في المنطقة رغم التصريحات الأميركية. أما الرسالة الثانية فموجهة للأميركيين، ومفادها بأن إيران ماضية في مشروعها في ربط العواصم التي تسيطر عليها، من بغداد حتى دمشق فبيروت".

ومن الواضح أن الجانب الإيراني يتحسّب لمواجهة محتملة مع الغرب، ويريد نقل جزء منها إلى الجغرافيا السورية، بعد أن بات قسم كبير منها منطقة نفوذ كبير للحرس الثوري الإيراني. وعليه، حوّلت طهران مدينة البوكمال إلى "قاعدة عسكرية" متقدمة لها. وأكدت مصادر مطلعة أن "الحرس الثوري الإيراني أقام مرافق تدريب مخصصة للقوات الموالية لإيران، فضلاً عن تحويل أبنية مدارس ومستشفيات إلى مستودعات أسلحة". ونوّهت المصادر بأن "إيران نشرت في البوكمال، عناصر من حزب الله وكتائب حزب الله العراقي ومليشيا النجباء ومليشيا فاطميون ومليشيا الزينبيون".



من جانبه، أوضح الكاتب ثائر الزعزوع وهو من أبناء مدينة البوكمال، أن "الإيرانيين يعملون على تغيير طبيعة المدينة بشكل ممنهج". وفي حديث لـ"العربي الجديد"، أشار إلى أن "الإيرانيين افتتحوا حسينية في المدينة التي تخلو من أي وجود شيعي. كما افتتحوا مدرستين لتعليم اللغة الفارسية". وتابع أنه "من الواضح أن الهدف الحقيقي من وراء ذلك ليس التعليم على الإطلاق". وبيّن أن "المليشيات الإيرانية تدفع رواتب للأطفال ليقبلوا على التعلم في المدرستين"، موضحاً أن "هذه المليشيات تمنع عودة الأهالي إلى منازلهم في مدينة البوكمال من دون كفيل، ومن الصعب تقدير عدد المدنيين في المدينة الآن".

وأوضحت مصادر محلية لـ "العربي الجديد"، أن "الحرس الثوري الإيراني يسيطر من خلال ما يسمى لواء القدس، الذي يضمّ مسلحين إيرانيين، ومليشيات محلية منها مليشيا تحمل اسم أسد، على مدينة الميادين في ريف دير الزور الشرقي على الضفة اليمنى لنهر الفرات". وأضافت أن "الوجود الإيراني يمتد على طول نهر الفرات من مدينة الميادين غرباً إلى مدينة البوكمال شرقاً".

وذكرت المصادر أن "اشتباكات جرت أكثر من مرة بين مسلحي فيلق القدس ومسلحي مليشيا الدفاع الوطني، التي تضم شبيحة النظام، أسفرت عن قتلى بين الطرفين بسبب الصراع على النفوذ. وهو ما أدى في النهاية إلى تراجع دور الدفاع الوطني في المنطقة إلى حد بعيد لصالح المليشيات التي تديرها إيران بشكل مباشر". وأشارت المصادر إلى أن "مليشيا أسد تضم عناصر من الريف الشرقي، إضافة إلى عناصر من الطائفة العلوية آتين من الساحل السوري، مهمتهم قمع الأعداد القليلة الباقية من سكان المنطقة".

وأشارت المصادر إلى أن "غالبية أهالي وسكان ريف دير الزور الشرقي جنوب نهر الفرات باتوا خارج ديارهم"، منوّهة بأن "أغلب السكان هربوا مع تقدم المليشيات الإيرانية ولجأ قسم منهم إلى مناطق قوات سورية الديمقراطية (قسد) شمال نهر الفرات أو في محافظة الرقة، ومنهم من اتجه إلى منطقة (درع الفرات) في ريف حلب الشمالي الشرقي".

ووفق المصادر، فإن "إيران لم تكتف بوجود عسكري كبير جعل منها الطرف الأقوى في المنطقة، بل لجأت إلى وسائل السيطرة الناعمة من خلال العمل على تغيير مذهب أهالي المنطقة إلى الطائفة الشيعية". وفي سبيل كسب تعاطف المدنيين في المنطقة، قامت المليشيات الإيرانية منتصف الشهر الحالي بافتتاح محطات مياه في قريتي الغبرة وعشاير في ريف البوكمال شرقي دير الزور. وهو ما يؤكد أنهم باتوا الجهة المسيطرة على المنطقة من دون وجود فعلي للنظام الذي سلّمهم المنطقة بشكل كامل.

ومنذ بدء الصراع المسلح في سورية عام 2012، كان الشرق السوري هدفاً للإيرانيين من أجل فتح الطريق البري، الذي لطالما خططت له طهران لربط الأراضي الإيرانية بساحل المتوسط براً عبر العراق وسورية ولبنان، في خطوة لها أبعاد كثيرة أهمها تأكيد السطوة الإيرانية على المشرق العربي، إضافة إلى الاستفادة من منافع اقتصادية في ظلّ الحصار من قبل الغرب على الإيراني، الذي ضيّق الخناق كثيراً على الاقتصاد الإيراني. وفي أواخر عام 2017 تحقق للإيرانيين ما خططوا له، فسيطروا على كامل ريف دير الزور الشرقي جنوب نهر الفرات، بعد دحر تنظيم "داعش"، ففرضوا سيطرتهم على مدينتي الميادين والبوكمال عقب تهجير شبه كامل لسكان هذا الريف.