فوز خان و"العمال"... سقوط فزاعتي معاداة السامية والإسلاموفوبيا

08 مايو 2016
خان الفائز وفي الخلفية غولدسميث (كارل كورت/Getty)
+ الخط -

انتهت معركة الانتخابات المحلية البريطانية، بعد أسابيع عاصفة، تعرّض فيها حزب "العمال" ومرشحه لعمادة العاصمة لندن صادق خان، إلى حملات غير مسبوقة من التشويه والابتزاز والدعاية السوداء، التي تمددت من الهجوم المُنظم على الحزب وأفكاره، وصولاً إلى محاولات "الاغتيال السياسي" لعدد من رموزه القيادية.

ولا شكّ في أن النتائج التي أسفرت عنها الانتخابات المحلية، على تواضعها، باستثناء الفوز بعمادة لندن، ستمنح زعيم الحزب اليساري المخضرم جيريمي كوربين، دفعة لتعزيز قيادته التي واجهت، منذ انتخابه على رأس "العمال" في سبتمبر/أيلول الماضي، سيلاً من الانتقادات من داخل الحزب وخارجه، ولا سيما من تيار "البليرية" (نسبة لأنصار توني بلير)، وحزب "المحافظين"، وخلفهما أصحاب المصالح الاقتصادية والأجندات اليمينية.

وقد بدأت الحملات الانتخابية المناهضة لحزب "العمال" ومرشحيه، تتخذ بعداً خطيراً في الأسابيع الأخيرة، عندما أشهر خصوم الحزب من اليمينيين والمنظمات المُؤيدة لإسرائيل، فزاعتي "معاداة السامية" و"الإسلاموفوبيا"، بغية قطع الطريق أمام تقدم الحزب في الانتخابات المحلية، والحيلولة دون وصول المرشح العمالي صادق خان إلى منصب عمدة لندن. وتدحرجت اتهامات "العمال" بـ"معاداة السامية" و"دعم التطرف" منذ لحظة اتهام النائبة عن الحزب في مجلس العموم البريطاني، ناز شاه، بـ"معاداة السامية"، لنشرها تعليقاً على موقع "فيسبوك" قبل عامين، اقترحت فيه نقل إسرائيل إلى الولايات المتحدة.

وأدى الأمر إلى إقالتها من موقعها كمساعدة لوزير الخزانة في حكومة الظل، ولاحقاً تعليق عضويتها في الحزب وتحويلها إلى التحقيق. ثم تأججت نيران العاصفة باتهام جماعات الضغط الموالية لإسرائيل للعمالي، عمدة لندن السابق كين ليفينغستون، بـ"معاداة السامية"، مما أدى إلى تعليق عضويته في الحزب حتى إشعار آخر.

وعلى الرغم من وصف زعيم الحزب، جيريمي كوربين، ما قالته شاه بخصوص إسرائيل بـ"المهين وغير المقبول، وأنها كانت مخطئة تماماً"، وإعلانه أن "حزبه يعارض بشدة أي شكل من أشكال العنصرية أو معاداة السامية"، إلا أن "سيف اللاسامية" ظل مُشهراً في وجه حزب "العمال".

في هذا السياق، يرى المتحدث باسم منظمة "يهود من أجل تحقيق العدالة للفلسطينيين" ريتشارد كوبر، أنه "بغضّ النظر عن إيقاف ناز شاه أو غيرها، فإن الساسة الموالين لإسرائيل داخل حزب العمال وخارجه لن يتوقفوا عن هذه الحملة، لأن هدفهم الحقيقي هو جيريمي كوربين، الذي يُعدّ منتقداً قوياً للسياسات الإسرائيلية ومناصراً لفلسطين وحقوق شعبها".

كما يعزو الكاتب في صحيفة "جويش كرونيكل"، ماركوس ديسش، أسباب غضب الجالية اليهودية من "العمال" إلى عاملين: أولهما تصاعد الأصوات العمالية المُنتقدة لإسرائيل خلال حرب غزة (عدوان) صيف عام 2014، وثانيهما تأييد الاعتراف بدولة فلسطين. وقد تضاعف غضب المنظمات المؤيدة لإسرائيل منذ صعود جيرمي كوربين لقيادة الحزب، وهو المعروف بمناصرته لقضية الشعب الفلسطيني، وانتقاداته الصريحة للممارسات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية.

والمفارقة، أن أهداف المنظمات المُؤيدة لإسرائيل للإطاحة بكوربين، تلاقت مع مخططات تيار توني بلير داخل الحزب، الذي يسعى لتقويض قيادة كوربين وتياره اليساري داخل "العمال"، بغية استعادة قيادة الحزب، وإعادته إلى "يسار الوسط" وتخليصه من هيمنة النقابات المهنية.

وفي هذا الإطار، تناقلت وسائل الإعلام البريطانية أصداء نقاش حاد داخل دوائر الحزب، مع دعوات لتنحية كوربين وتسليم القيادة لوزير الخزانة في حكومة الظل جون ماكدونيل، الذي نفى هذه الشائعات، مُؤكداً أنها محاولات "قذرة وكاذبة" من وسائل الإعلام اليمينية في محاولة لخلق خلاف بينه وبين كوربين. وفي ردّها على ما يتعرض له "العمال"، وصفت وزيرة التنمية الدولية في حكومة الظل، أقرب حلفاء كوربين، ديان أبوت، حملة اتهام الحزب بـ"معاداة السامية" بـ"المحاولة السخيفة لتشويه صورة الحزب وتقويض قيادة كوربين".

وبموازاة ذلك، كان حزب "المحافظين"، يؤجج فزاعة "الإسلاموفوبيا" للحيلولة دون فوز صادق خان، بمنصب عمدة لندن، مقابل مرشح المحافظين اليهودي الأرستقراطي زاك غولدسميث. وبينما كان خان يُقدم نفسه كابن أسرة متوسطة الحال، يعمل والده سائق حافلة، ويركّز على برنامج انتخابي يتضمن التعهّد بعدم رفع أجور المواصلات العامة لمدة أربع سنوات، ومعالجة مشاكل السكن والبطالة وإرساء قواعد العدالة الاجتماعية، كثّف غولدسميث، مدعوماً من رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، هجومه على خان، مُتهماً إياه بـ"الظهور بجانب مسلمين راديكاليين"، إضافة إلى اتهامه بـ"منح متشددين منبراً للحديث ومتنفساً وغطاءً"، على حد وصفه.

وبعد هدوء المعركة، كشفت النتائج الرسمية للانتخابات المحلية، عن فوز خان في لندن، في إشارة إلى تغير قواعد اللعبة السياسية، والتكتيكات الانتخابية في بريطانيا. وتجلّى ذلك في فشل اللوبيات المؤثرة في لندن، بما في ذلك اللوبي اليهودي، وجماعات الضغط السياسية والاقتصادية، ومعهما الصحافة اليمينية، في تحريض الناخبين في العاصمة، ولا سيما الشباب، لدعم غولدسميث المتحدر من أسرة ثرية.

وهذا، ربما يُؤكد صحة دراسة أجرتها مؤسسة "يوغوف"، ونشرت في فبراير/شباط الماضي وجاء فيها أن الشعب البريطاني يحمل آراء سلبية عن الرأسمالية، مقارنة بالاشتراكية كمفهوم أيديولوجي. وأظهرت الدراسة، التي شملت ما يقرب من أربعة آلاف بريطاني، أن 36 في المائة منهم ينظرون بإيجابية لمفهوم الاشتراكية، في مقابل 32 في المائة ينظرون للاشتراكية بسلبية. في حين لا يفضل 39 في المائة الرأسمالية، مقابل 33 في المائة يفضلونها.

وأرجع القائمون على الدراسة، أسباب هذا التحول في المزاج العام البريطاني، إلى الأزمة المالية، والتفاوت الطبقي المتزايد، وهي عوامل عززت رفض الرأسمالية في السنوات القليلة الماضية، ولا سيما في صفوف الشباب. كما يشير فوز صادق خان في لندن، وقبل ذلك فوز الجزائرية المسلمة، ماليا بوعطية، برئاسة الإتحاد الوطني لطلاب بريطانيا، إلى انتكاسة جديدة لـ"بيغيدا بريطانيا" المعادية للإسلام، والى سقوط فزاعة "الإسلاموفوبيا" التي طالما أشهرها اليمينيون.

صحيح أن فوز خان لن يقضي على "الإسلاموفوبيا" في المشهد السياسي البريطاني تماماً، مثلما لم يقض فوز الرئيس باراك أوباما على العنصرية في الولايات المتحدة، لكنه يمنح لحظة من الأمل على الأقلّ، ويثبت للمسلمين في بريطانيا، أنه بإمكانهم النجاح رغم كل الصعاب، كما ذكرت صحيفة "الغارديان". ويبرهن فوز خان، على فشل استراتيجية خبير الحملات الانتخابية الأسترالي، لينتون كروسبي، المُلقّب بـ "الساحر الأسترالي" هذه المرة، في المساهمة بتحقيق الفوز لغولدسميث.

مع العلم أن كروسبي، مدير حملة غولدسميث، الذي يُنسب له الفضل بفوز ديفيد كاميرون وحزب "المحافظين" في الانتخابات البرلمانية عام 2015، يتميز بالتكتيكات "الهجومية" التي غالباً ما تُصيب الهدف. وقد برهنت استراتيجيته عن نجاحٍ كبير، بعد تحقيقه أربعة انتصارات متتالية لصالح رئيس الوزراء الأسترالي السابق، جون هاورد. ويميل كروسبي إلى استراتيجية انتخابية تركّز على مهاجمة الخصم، وقيادته ومرشحيه، مع التركيز على النواحي الشخصية. وقد ظهر ذلك جلياً في الهجوم الشرس الذي وجّهه خصوم كوربين وخان لحزب "العمال" ولهما. غير أن النتائج برهنت تخطّي "العمال" لعاصفة "معاداة السامية".
المساهمون