الصناعات العسكرية الألمانية تنتعش... والسوق العربي بديل عن أوروبا

10 اغسطس 2016
من التدريبات العسكرية الألمانية (جون ماكدوغال/فرانس برس)
+ الخط -
جاء قرار بريطانيا الخروج من الاتحاد الأوروبي ليُعزّز فكرة سياسة الدفاع الأوروبي المشترك، وهذه المرة عبر إنشاء صندوق مالي لدعم وتعزيز المشاريع والصناعات الدفاعية بصورة أقوى، وهي من ضمن المقترحات التي يطالب بها أخيراً وزير المالية الألماني فولفغانغ شويبله، لإصلاح ميزانية الاتحاد الأوروبي وزيادتها، والوصول إلى استراتيجية أكبر لمواجهة التحديات. ويبدي خبراء اقتصاديون تفهّمهم لهذه الخطوة، القاضية بتعميم فكرة اندماج الصناعات على عدد من شركات الأسلحة في الدول الـ27 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وإنشاء عدد مما يعرف بـ "لوبي الصناعات الدفاعية"، من خلال إجراء تغييرات جوهرية في سياسات الشركات المصنّعة للدبابات والسفن الحربية والطائرات. وذلك بهدف توفير الأرباح والحدّ من الإنفاق والمصاريف الثابتة واعتماد قواعد تصدير أسهل، استجابة لأزمة الاتحاد الأوروبي، بعد الاستفتاء البريطاني، واستفادة الدول من هذه الأموال في مشاريع وصناعات أخرى.

وقد بوشر العمل على هذه الخطة منذ فترة، حسبما يؤكد مطلعون. وقد ظهر ذلك عبر قيام عدد من شركات تصنيع الأسلحة في كل من فرنسا وألمانيا في معرض التسلّح الذي نُظّم في العاصمة الفرنسية باريس الشهر الماضي. حينها عرضت كل من شركتي "نكستر" ومقرّها فرساي الفرنسية، و"كراوس مافاي فيغمان" ومقرّها ميونخ الألمانية، منتجاتهما في جناح مشترك، بعدما أنشآ معاً شركة قابضة في ديسمبر/كانون الأول الماضي.

في المقابل، يتعرّض اقتراح الوزير شويبله لانتقادات حادّة، تحديداً حين قال إن "نظام مراقبة تصدير الأسلحة لا يصلح لأوروبا". ووُصفت تلك التصريحات بـ"الخطرة". وهو ما اعتبره عدد من الساسة الألمان، بأنها "ردّة فعل على خروج بريطانيا من الاتحاد".

في هذا الإطار، هاجمت المعارضة على لسان خبير الأسلحة في حزب اليسار، يان فان أكين وزير المالية، مشيراً إلى أنه "لم أعد أعرف ما إذا كان شويبله بات بعيداً تماماً عن الواقع". أما ردة فعل زعيمة حزب الخضر سيموني بيتر، فكانت أكثر قساوة، معتبرة أن "شويبله لا يصلح لأوروبا".

كما جاءت تعليقات عدد من النقّاد، لتؤكد بأن "تصدير المزيد من السلاح يعني مزيداً من الحروب والمهاجرين". ووصف بعضهم شويبله بـ"حفّار القبور في الاتحاد الأوروبي"، فيما طالب آخرون بقوة أوروبية عظمى، ينبغي لها إذا ما لزم الأمر، حماية مصالحها من خلال فرض قوتها عسكرياً.


ويشير خبراء إلى أن "الشركات المصنّعة لنظم الأسلحة والتكنولوجيا العسكرية، تطالب منذ سنوات الحكومة الاتحادية، بالموافقة على المزيد من الصادرات، لكون الطلب على السلاح في ألمانيا ودول حلف الأطلسي أقلّ من السابق، نتيجة الانخفاض في ميزانيات الدفاع وزيادة المنافسة الدولية".

وفي ما يتعلق بواقع الشركات الألمانية تُبيّن التقارير أن "وضعها جيّد بشكل عام وتحقق نجاحاً باهراً على المستوى العالمي، ووصلت صادراتها إلى مستويات قياسية جديدة وحققت أرقاماً مرتفعة". وفقاً لما ذكرت صحيفة "فيلت أم زونتاغ" أخيراً. كما وصلت قيمة صادرات الأسلحة إلى 7.86 مليارات يورو في العام 2015، مقارنة مع 3.97 مليارات يورو في العام 2014. كما ذكرت صحيفة "دي فيلت"، نقلاً عن مصادر حكومية ألمانية، أن "الحكومة أقرّت صادرات أسلحة بقيمة 4.03 مليارات يورو في النصف الأول من العام الحالي، في مقابل 3.46 مليارات في الفترة عينها من العام الماضي".

وعن أسباب رواج سوق الأسلحة الألمانية، يلفت مراقبون إلى أن "ذلك يعود إلى الآلية المعتمدة من قبل الحكومة الاتحادية، التي تقوم على التنسيق بين الوكالات، وتضع أولويات تدابير البحوث والتكنولوجيا والسياسة الصناعية العسكرية في صلب اهتماماتها. كما تدعم الصادرات والتعاقدات مع وزارات الدفاع حول العالم، بالإضافة إلى تطوير عدد من الأبحاث والمشاريع بشكل مشترك، مع عدد من الدول الأوروبية، من قبل فرنسا وألمانيا وإسبانيا. ومن الأبحاث والمشاريع الطائرات من دون طيار، والمقاتلة الأوروبية الجديدة (يوروفايتر). كما تساعد الشركات للمشاركة في معارض أسلحة عسكرية حول العالم للترويج لصناعاتها، كالهند، فضلاً عن استفادة الشركات من مساعدات التصدير، ومنها المصنّعة للغواصات والطرادات والفرقاطات".

كما تقوم عناصر من القوات البحرية والجوية بتدريب البحارة والطيارين في الدول المشترية، علماً أنه من المنظور الاقتصادي، فإن العديد من الدول الأوروبية، تعتمد في موازناتها على الصناعات والمعدات العسكرية، التي تُعدّ جزءاً مهماً من الناتج الإجمالي. مع العلم أن الشركات المصنّعة للأسلحة، تذهب بأقل مخاطرة في صناعاتها، مقارنة مع شركات صناعة السيارات أو صناعة تكنولوجيا المعلومات كونها تعمل وبأغلب الأحيان وفقاً لـ"نظام الحجز" المسبق على المنتج.

ويبدو واضحاً للعديد من الخبراء في الشؤون الأمنية أن هذه السياسة الاستراتيجية ستكون واسعة النطاق، خصوصاً أن بريطانيا تعتبر من أقوى الجيوش المسلّحة في القارة الأوروبية. وهذا ما يحتّم التعاون الوثيق وزيادة الجهود بين دول الاتحاد وبينها لتعزيز المجال العسكري.

وهو ما أكد عليه القادة الأوروبيون خلال اجتماع الأزمة في العاصمة الألمانية برلين، بعد صدور نتائج التصويت في استفتاء انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي. وشدّدوا على "أهمية مواصلة تطوير الدفاع الأوروبي، وتعزيز السياسة الخارجية والأمنية المشتركة". بالتالي لا تستبعد إمكانية موافقة بروكسل وبرلين على اقتراحات شويبله، واعتماد مطالبه لإصلاح وتعزيز ميزانية الاتحاد الأوروبي.

مع العلم أن وزير الاقتصاد الألماني سيغمار غابريال، أطلع البرلمان الألماني، مطلع هذا الشهر على قرار مجلس الأمن الاتحادي، المكلّف بالموافقة على صفقات التسليح. ومنها إعداد تصاريح بتسليم دفعة أولى من الزوارق إلى السعودية، البالغ عددها الإجمالي 48 زورقاً.

وأعلن السفير السعودي لدى ألمانيا عواد العواد، أعلن أخيراً في حديث لصحيفة "تاغسشبيغل" الألمانية، أن "بلاده غير مهتمة بشراء دبابات قتالية ألمانية من طراز ليوبارد". كما أن مجلس الأمن الاتحادي وافق أيضاً على تسليم غواصة و32 طوربيداً إلى مصر و900 ألف طلقة لبروناي، وناقلة جند مدرعة من نوع "فوكس 2" للكويت للاختبار، فضلاً عن تسليم مركبة مخصصة لإصلاح المدرعات من نوع "فيسنت 2" لسلطنة عمان للتجربة أيضاً. وسبق أن تمّت الموافقة في وقت سابق على تصدير دبابات ومدافع وذخيرة وسيارات شرطة لدولة قطر.

ويحمل هذا الموضوع جدلاً واسعاً وانتقادات للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ووزير الخارجية فرانك فالتر شتاينماير، المؤيدين للتعاون مع عدد من الدول العربية، ومنها السعودية في مجال التسلّح. وذلك انطلاقاً من كونها عرضة لخضّات أمنية، وهي بحاجة لحماية مصالحها وتعزيز قدراتها في مجالي الأمن والعسكر، إلا أن المعارضة وعدداً من السياسيين ومنظمات حقوقية ألمانية، تعتبر أن عدداً من الدول المستوردة للسلاح، ومنها السعودية، تنتهك حقوق الإنسان، وتطالب السلطات بالعدول عن بيعهم الأسلحة.

يشار إلى أن التقرير السنوي لمجموعة "جينز" للاستشارات العسكرية والأمنية ومقرّها لندن، بيّن أخيراً أن ألمانيا احتلت في العام 2015 المرتبة الثالثة على مستوى العالم في تصدير الأسلحة، بعد كل من الولايات المتحدة وروسيا. مع العلم أن التقديرات تشير إلى تقدّم فرنسا للمركز الثاني هذا العام. كما جاءت الدول العربية في صدارة الدول المستوردة للسلاح المصنّع في ألمانيا. كما ذكر التقرير أن 29 في المائة من صادرات الأسلحة بيعت إلى دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مع توقّع المجموعة بارتفاعها إلى 40 في المائة في العام 2018. وصُنّفت السعودية من أكبر المستوردين للأسلحة والعتاد العسكري الألماني، تلتها كل من الجزائر ومصر وقطر، بينما لا تزال السعودية تتصدّر قائمة الدول الأكثر استيراداً للأسلحة في العالم، فيما حلت الهند في المرتبة الثانية، بحسب التقرير.


المساهمون