العراق: الخلافات تطيح آمال تشكيل حكومة جديدة قريباً

14 اغسطس 2018
استمرت التظاهرات على هامش التأخر الحكومي(حيدر محمد علي/فرانس برس)
+ الخط -

لا يبدو أن الحكومة العراقية الجديدة ستُشكّل خلال الفترة القريبة المقبلة، وفقاً لما يؤكد سياسيون عراقيون وزعامات في كتل انتخابية مختلفة لـ"العربي الجديد"، إذ إن "هناك خلافات حادة وعميقة داخل العراق، وأيضاً ما يمكن اعتباره تحدياً خارجياً بين الأجندتين الأميركية والإيرانية، كلها تؤخر ولادة حكومة جديدة في البلاد، رغم إعلان نتائج الانتخابات النهائية، وانتهاء دوامة التشكيك والمماحكات السياسية بشأن نزاهة عمل مفوضية الانتخابات".
في هذا السياق، لا تزال الخلافات واضحة بين الكتل السياسية من داخل الطائفة الواحدة أو المكوّن الواحد، كما هو الحال للبيتين الشيعي والسني والتناحر الواضح بين الأطراف الكردية في أزمة، هي الأعقد والأكثر صعوبة منذ الاحتلال الأميركي للبلاد عام 2003 الذي أسس بدوره عملية سياسية مبنية على التحاصص الطائفي بين العراقيين، فتحالف "سائرون" المتصدر بنتيجة الانتخابات، أصرّ زعيمه مقتدى الصدر على أربعين شرطاً، داعياً إلى برنامج وطني وحكومة قائمة على أساس المبادئ والثوابت وليس على أساس المحاصصة، بالإضافة إلى أن "يكون ولاء الأحزاب للعراق حصراً"، في إشارة إلى منع الأحزاب الموالية لإيران من الاقتراب من مركز القرار، وعلى ضرورة ألا يكون لأي حزب جناح مسلح. أما عن شروط اختيار رئيس الحكومة الجديد، فقد دعا إلى أن "يكون مستقلاً، ومن خارج أعضاء مجلس النواب، ومن غير مزدوجي الجنسية، وألا يترشح للانتخابات المقبلة مهما كانت الظروف، ويعد بحسب خصومه واحداً من أسباب تعطيل تشكيل الحكومة الجديدة".

أما تحالف الفتح (ممثل مليشيات الحشد)، فهو الآخر متمسك برئيسه هادي العامري كمرشح وحيد لرئاسة الوزراء، واضعاً إياه شرطاً ملزماً في حواراته مع بقية الأحزاب، كذلك الحال مع "ائتلاف النصر" التابع لرئيس الحكومة الحالي حيدر العبادي، الذي اشترط على غيره، الموافقة بولاية ثانية له قبل إعلان أي تحالف رسمي، وهذا ما أخر عملية تشكيل التحالف الأكبر.

ومن المتوقع أن يصادق القضاء العراقي بعد عطلة عيد الأضحى في العراق نهاية الشهر الحالي على نتائج الانتخابات الرسمية لتتم الدعوة إلى عقد أول جلسة للبرلمان خلال 15 يوماً، في حال عدم تقديم طعون جديدة في نتائج الانتخابات تسهم في تأخير التصديق عليها من القضاء.

ويقول مراقبون عراقيون إن "احتمال عقد الجلسة الأولى للبرلمان في أكتوبر/تشرين الأول المقبل ما زال متاحاً وبشدة، لكن هناك فترة شهر بعد الجلسة الأولى لتشكيل الحكومة على أن تبقى جلسة البرلمان مفتوحة حتى لا تكون هناك مخالفة قانونية، في ما يتعلق بالمدد الدستورية لتشكيل الحكومة منذ أول جلسة برلمانية".



في السياق، قالت النائب السابق عن الحزب الديمقراطي الكردستاني، أشواق الجاف، لـ"العربي الجديد"، إن "الدول المؤثرة في القرار السياسي العراقي سيكون لها دور في تأخر أو تقدم الوقت لتشكيل الحكومة، فإذا ضمنت هذه الدول مصالحها يسكون التشكيل سهلاً وسريعاً، أما إذا لم تحصل الدول على مغانمها المستقبلية فحتماً سيتأخر الموعد، وكما هو معروف، العراق ساحة لتصفية صراعات الدول المجاورة والمؤثرة فيه سياسياً وعسكرياً".

وأشارت إلى أن "الحكومة الجديدة ستكون مختلفة عن الحكومات السابقة، فقد كانت حكومات العراق السابقة تتشكل وتبدأ بتقديم التعهدات وعوامل الثقة للمواطنين، أما الآن فالمجتمع العراقي يعلم مسبقاً أن الدولة لن تتمكن من توفير الخدمات والحياة الكريمة، فالمواطن لا يملك الثقة بالبرلمان والحكومة، بسبب السياسة التي شاهدها خلال الفترات الماضية والتي أوصلته إلى قناعة بأن السياسيين العراقيين لن يتمكنوا من إصلاح الوضع".

من جهته، رأى عضو "تيار الحكمة"، محمد اللكاش، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "الحكومة الجديدة سيتأخر تشكيلها حتى بداية العام 2019، وذلك لأن الأحزاب التابعة للمكونات الثلاثة الرئيسية في العراق الشيعة والسنة والأكراد، تريد الاشتراك في الحكومة ولا نيّة لأحد أن يذهب للمعارضة. وطالما أن الأحزاب كلها تريد المشاركة وهذه مشكلة، فإن نظام المحاصصة في توزيع المناصب السيادية سيعود من جديد". وأردف أنه "حتى الأحزاب الصغيرة الفائزة بالانتخابات بمقعد ومقعدين تنتظر دورها وحصتها من الحكومة، وتوزيع الحصص على كل هذه الأحزاب والاتفاق على ما يسمى بالاستحقاقات الانتخابية سيؤخران تشكيل الحكومة"، مبيناً استغرابه من "عدم تحقق الكتلة العابرة للقومية والطائفية التي وعدت الأحزاب السياسية، العراقيين بتحقيقها قبل الانتخابات، ولذا لا بد من وجود معارضة سياسية حقيقية في الحكومة الجديدة". ورجّح أن "يكون تشكيل الحكومة الجديدة مطلع العام المقبل، ومن المؤمل أن يعقد مجلس النواب الجديد جلسته الأولى في سبتمبر/ أيلول المقبل".

من جهته، أكد عضو "ائتلاف دولة القانون"، سعد المطلبي، وهو مقرّب من رئيس الحكومة السابق نوري المالكي، أن "الأحزاب السياسية جميعاً في العراق لم تتمكن حتى الآن من توقيع أي مذكرة رسمية في ما بينها على إنشاء تحالف واحد، يمثل الكتلة الكبرى، الممهدة لتشكيل الحكومة، لأنها لا تزال تنتظر المصادقة على نتائج الانتخابات من قبل المحكمة الاتحادية"، مبيناً لـ"العربي الجديد"، أن "دولة القانون (حزبه) لن يعلن عن تفاهماته السياسية مع باقي الأحزاب، لأنه يعمل بطريقة المفاجآت".



وتابع قائلاً إن "تفاهماتنا لن نكشف عنها إلا في الجلسة الأولى من البرلمان العراقي، وكل الاتفاقات التي تحدث بين الكتل السياسية قد تتغير في لحظة واحدة، حتى أن الاجتماع بين مقتدى الصدر وهادي العامري كان من أجل منع الصدام العسكري بين الطرفين، وليس الاتفاق على تشكيل الكتلة الكبرى"، لافتاً إلى أن "دولة القانون لها تقارب كبير مع الفتح، ونحن أقرب إلى أن نكون جهة واحدة، وكل الاجتماعات التي عقدناها دار نقاشها في محور واحد، وهو أن الكتل السياسية المتفاوضة متفقة على مشروع الأغلبية السياسية، وتجنبنا قضيتين في اجتماعاتنا، الأولى، هي عدم طرح اسم رئيس الوزراء الجديد، والثانية عدم تقسيم الوزارات بين الأحزاب، والتأكيد أن تكون الحكومة المقبلة هي حكومة خدمات، ومع هذا حددنا مواصفات رئيس الوزراء المقبل كبقية الكتل، لكننا لم نضع أي اسم حتى الآن".

"لا تمتلك الأحزاب العراقية الحالية قاعدة جماهيرية مؤمنة بفكر الأحزاب، كما أنها ليست قائمة على فقهٍ سياسي رصين، وما هي إلا تمثيل سياسي لقيادات الأحزاب فقط"، بحسب السياسي العراقي غالب الشابندر. وقال لـ"العربي الجديد"، إن "الأحزاب الشيعية التي تدعي تمثيلها الشيعة، لا تمثل المكون الفقير الذي يعاني من سوء الخدمات والحياة البائسة"، مشيراً إلى أن "من الصعوبة أن تتفق هذه الأحزاب في ما بينها، لأنها تريد الاستيلاء على خيرات البلاد، وكل حزب منهم يريد الاستحواذ على مخصصات غيره، وسبب تأخر الاتفاقات الرسمية هو منصب رئيس الحكومة، الذي يحوي مكاسب كبيرة، وله علاقة بالتحكم بالكثير من قرارات البلد السياسية والاقتصادية وخيراته وثرواته، وهذا المنصب هو الذي يشتت الأحزاب".

وأكمل أن "زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر يتجه حالياً إلى المعارضة، وذلك لأسباب عدة، أبرزها تحذيرات إيران له، ومنعه من الاقتراب إلى السلطة والأضرار بمصالحها في العراق، لكن الصدر اقتنع الآن بعد قضية الحصار على إيران، بأن البقاء في المعارضة سيساهم في حماية العراق من خطر اتكال إيران على العراق خلال أزمتها الاقتصادية. وهذا الأمر سيجعل الأحزاب الشيعية الأخرى تتأخر في تشكيل الحكومة لأن جبهة الصدر لن تكون سهلة عليهم".

وعن رئيس الحكومة العراقية الجديد، قال الشابندر، وهو قيادي سابق في "حزب الدعوة"، إن "منصب رئيس الحكومة محصور حالياً بين عدد من الشخصيات الموالية لإيران، ولا مجال لغيرهم، أولهم رئيس هيئة الحشد الشعبي، فالح الفياض، وهناك شبه اتفاق عليه من أميركا والسعودية وإيران، وإذا صار الفياض رئيساً للعراق، فسيبيع نصف البلاد إلى إيران ونصفها الثاني للسعودية. ورئيس تحالف الفتح هادي العامري، وهذا الآخر إذا تحقق وصار رئيساً فعلى العراق السلام وستضيع هيبتنا بين العرب، وكذلك عادل عبد المهدي، وهو شخصية متمكنة ولكن عليه إشكالات كثيرة من قبل المجتمع العراقي الذي لا يتقبله، وأخيراً طارق النجم، اسمه مطروح في الكواليس ولكن الكلام عنه، أنه منطوٍ على نفسه ولكنه شخصية مطروحة. هذه الأسماء حضرت بعد أن تبيَّن غضب المرجعية الدينية في النجف (علي السيستاني) من حيدر العبادي، وعدم الرضا على أدائه".

بدوره، شرح الخبير بالقانون العراقي علي التميمي، لـ"العربي الجديد"، أن "الدستور في العراق وضع سقوفاً زمنية لتشكيل الحكومة، تبدأ من الطعن في نتائج الانتخابات وفق قانون الانتخابات لهذه السنة وتقوم الهيئة القضائية باستقبالها خلال مدة لا تتجاوز 10 أيام، وبعد ذلك ترفع النتائج إلى المحكمة الاتحادية للمصادقة عليها"، موضحاً أنه "لا يوجد في القانون العراقي، تحديد لمدة مصادقة المحكمة الاتحادية على النتائج، أي أنها مفتوحة الزمن، وبعد ذلك يدعو رئيس الجمهورية خلال مدة 15 يوماً لعقد الجلسة الأولى، وتعقد برئاسة أكبر الأعضاء سناً وتخصص الأولى لانتخاب رئيس البرلمان ونائبيه وتسجيل الكتل والكيانات، ثم أداء النواب لليمين".
وأضاف أنه "بعد ذلك بثلاثة أيام يتم انتخاب رئيس الجمهورية الجديد في جلسة برلمانية جديدة، وخلال 15 يوماً جديداً يتم اختيار مرشح الكتلة النيابية الأكثر عدداً (الكتلة الكبرى)، لتشكيل الحكومة في مدة 30 يوماً جديداً، وإذا أخفق المرشح الجديد يُكلَّف مرشح آخر خلال 15 يوماً. وهذه السقوف منصوص عليها في الدستور، وعدم الالتزام بها أو التجاوز عليها لا يعرّض أحداً للمحاسبة، لأن العملية هي انضباطية ولا توجد جهة تحاسب جهة".



المساهمون